.. ونحن نحب مصر

.. ونحن نحب مصر

07 اغسطس 2014

النيل وليل القاهرة

+ الخط -

.. ونحن، أيضاً، نحبّ مصر. نحبّ ناسها. نحن الغاضبين اليوم من موقف عبد الفتاح السيسي المتواطئ مع الاحتلال الإسرائيلي. نحن الذين نشتم صباحاً ومساءً السياسة الإعلامية التي شرّعت التهليل لقتل الفلسطينيين، والتي جعلت من "أراجوز"، مثل توفيق عكاشة، معياراً للإعلام المصري. نحن الذين كتبنا قائمتنا السوداء "من ليس مع غزة فهو عليها"، بهذه البساطة، ولتذهب "حرية التعبير" مع كل من ذهبوا. نحن الذين نحلم، منذ ثلاث سنوات ونصف، بمصر تشبهنا... مصر تخبرنا أن العالم العربي بخير، أن التغيير ممكن، وأن وزر الهزيمة الذي حمّلونا إياه، منذ العام 1967، سينفض عن أكتافنا.
نحن، من لبنان، من سورية والأردن وفلسطين واليمن... نتذكر كل ثانية من ثواني ثورة 25 يناير. نذكر كيف انقبضت قلوبنا في موقعة الجمل. كيف صرخنا لإطاحة الطاغية، كيف بكينا عند مشاهدة صور الدماء في الميدان. كيف بكينا مجدداً بعد خطاب التنحي. "مبارك سقط"، كنا نردّد بهستيريا.
نحن، أيضاً، نحب مصر. نحن الذين بنينا أحلاماً عن "الشرق الجديد"، فقط لأن حاجز الخوف في مصر سقط. نحن الذين بتنا نعرف أسماء الشوارع، والمقاهي، والناشطين، والثوار من دون أن نراهم. نقول "هنا محمد محمود"، "هنا طلعت حرب"، "هنا هدى الشعراوي"... ونحن الذين دمّرنا كل خياراتنا الفنية، بعد هذه الثورة "نحب خالد أبو النجا"، "نحب عمرو واكد" "نحب اسكندريلا"... و"لا نحب عادل إمام، ولا إلهام شاهين" (ولا نحبهما لأسباب كثيرة أخرى... المهمّ). 
يقولون إننا نحمّل مصر أكثر من قدرتها. يقولون إن مصر دفعت حصتها في الصراع العربي. لكن، نحن نقول شيئاً آخر. نقول إنّ مصر، الآن هنا، ستترجم كل أحلامنا.
نستمع إلى الأخبار، نكاد نبكي. نبكي على صور الشهداء في غزة، نبكي على الموقف المصري. "الإعلام المصري ليس الشارع". نردّد. نتعلّق بأي فيديو على "يوتيوب" عن تظاهرة داعمة لغزة في القاهرة. نبتسم لتعليقات رفاقنا في "فيسبوك" و"تويتر" عندما يهللون لصواريخ المقاومة، عندما يحتفلون بأسر جندي من جنود الاحتلال الإسرائيليين.
نقنع أنفسنا أن نادي الشتّامين والشامتين مجرّد أبواق لنظام شعاره "كامب ديفيد في وجدان كل مصري"، وأن كل ما نراه على الشاشات سينتهي قريباً. ولكنّه لا ينتهي. القاع يزدحم بهؤلاء: إعلاميين نجّموا فجأة، على غفلة من الثورة، وعلى غفلة من الشارع.
ومجدداً نكاد نبكي، ونهرب. نهرب إلى الأغاني التي تشبهنا. نغنّي للفلسطينيين كل الأغاني المصرية التي نعرفها "يا فلسطينية وأنا بدي أسافر حداكو"، "الشط الزيتون شطي والأرض عربية"، "أنا موجود صوتي اقوى من البارود"، "إحنا الصوت ساعة ما تحبوا الدنيا سكوت".
هذه المرة سننتظر. سننتظر مجدداً، كما انتظرنا، في السنوات الثلاث الأخيرة. سنبقي أعيننا على صحفيين شباب يشبهوننا، على فنانين ولدوا من رحم هذا الشارع، ولم يضلوا طريقهم. على ناشطين يعرفون جيداً أنه مهما ارتفعت الأسوار حولهم "بكرا الثورة تشيل ما تخلّي". وفي انتظار الغد، نحب مصر، نحب ناسها.