بين "البعث" والخمينية

بين "البعث" والخمينية

07 يوليو 2014

حافظ الأسد وخامنئي في طهران (أغسطس/1997/فرانس برس)

+ الخط -


مذابح، تعذيب، اغتصاب وفظائع يندى لها الجبين! هل هذا ما انتهت إليه العروبة والقومية؟ بات من الصعب التمييز بين الجلاد والضحية، كما بات من الصعب، أيضاً، أمام كل هذا العنف والفظائع التي ترتكب يومياً ضد مئات وآلاف الأبرياء تحميل المسؤولية لفريق دون آخر.

ما يحصل يلامس حرب الإبادة، إلى درجة أن ماضي العرب، منذ نكبة 1948 وعلى مدى أكثر من ستين عاماً، يبدو أفضل من حاضرهم ومن مستقبلهم!

على مدى أكثر من نصف قرن، تم ضخ "سم قاتل" في الجسم الثقافي العربي، اسمه العداء للإنسانية وللفكر الإنساني. عاملان ساهما، بشكل كبير، في نشر هذا العداء في طول العالم العربي وعرضه، "البعث" نهجاً وسلطة، ثم تبعه، في ما بعد، النهج "الخمينيي". وهما يبدوان، في الظاهر، متناقضين ومتعارضين، الأول علماني نهضوي تحرري، والثاني ثيوقراطي عقائدي شعبوي ومتزمت. وما كان يجمعهما في الظاهر هو العداء للاستعمار (البعث) و"الاستكبار العالمي" و"الشيطان الأكبر" (الخمينية)، أي للولايات المتحدة. وهذا ما شكل قوة دفع "ثورية" للاثنين، لدى شعوب المنطقة، يضاف إليها لعب التيارين عقوداً على وتر دعم و"تقديس" قضية الشعب الفلسطيني.

وقد مارس الطرفان، بعدما أصبحا سلطتين متمكنتين في سورية والعراق وإيران، وذوَي أذرع طويلة ممتدة خارج الحدود، وفي داخل الدول المحيطة، كل أشكال التفرد في السلطة والهيمنة والتدخل والوصاية. وبالتالي، القمع والعنف والوحشية (الثورة الخضراء في 2009) والقتل (المقابر الجماعية في العراق)، وذلك كله بهدف تدمير الإنسان والذات البشرية. وكل ما حصل في العراق في ظل "بعث" صدام حسين، وفي سورية في ظل "بعث" الأسد الأب والإبن، وفي إيران "الإسلامية" في ظل الخميني، ثم خامنئي، وما هو مستمر اليوم خير شاهد على ذلك، إلى درجة أن هذه الدول تحولت إلى ما يشبه "المقابر الجماعية الحية".

وإيران، اليوم، تُحكم سلطتها ونفوذها في العراق، عبر صنيعتها نوري المالكي الذي يشن حربه على السنة، بهدف تحويل العراق إلى محميات مذهبية وقبائل متناحرة، بعدما مهّدت الولايات المتحدة لذلك بقرار حاكمها، بول بريمر، حل الجيش العراقي عام 2003، ومن ثم إعطاء دور سياسي للعشائر، وتسليحها في مواجهة "القاعدة" ومتشقاتها. وهذا ما ساهم في تمهيد الأرض وإيجاد الأجواء الملائمة، والتأسيس على الحقد والكراهية، وبالتالي، إلى خيار العنف الذي يصب الماء في طواحين "القاعدة" وربيبتها "داعش". فدولة الخلافة المزعومة تتقدم على وقع تعبئة السنة ضد الشيعة، بتحريض إيراني وغطاء أميركي. وبسرعة لافتة، يجسدها عجز الجيش العراقي وانسحاباته المفاجئة والمتدحرجة، من أكثر من منطقة في الشمال، وتقدم "داعش" نحو العاصمة بغداد.

وتسارع واشنطن إلى تقديم يد العون، على لسان رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال مارتن ديمبسي، الذي أعلن "أن القوات العراقية عززت دفاعاتها في محيط بغداد، لكنها ستكون في حاجة على الأرجح إلى مساعدة خارجية من أجل استعادة الأراضي التي سيطر عليها مقاتلو "الدولة الإسلامية". علماً أن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، كان قد سارع إلى سحب القوات الأميركية من العراق، في نهاية 2011، مع انتهاء ولايته الرئاسية الأولى، وهو، الآن، يستعد، بشكل أو بآخر، للعودة بعد أقل من ثلاث سنوات بالتفاهم والتنسيق مع نظام الملالي، وبشكل متوازٍ، مع المفاوضات الدائرة حول الملف النووي الإيراني. فهل ستتحول هذه المفاوضات إلى سلاح ترغيب أم ترهيب؟

أما في سورية، فإن عنوان التعاون غير المباشر بين نظام بشار الأسد، المدعوم، أساساً، والمسعف بالأوكسجين من طهران والولايات المتحدة، هو عملية إزالة وتدمير الأسلحة الكيماوية التي تم التوصل إليها في "تسوية"، بعدما كان أوباما قد أعلن بلسانه، في سبتمبر/ أيلول الماضي، عن بدء ضربة عسكرية لقوات الأسد خلال ساعات، وبعد سنتين من التصريحات والتهديدات الكلامية ومطالبة الأسد بالرحيل لا أكثر. وإذ بـ"داعش" تطفو على السطح، وتبدأ تمددها في الشمال، وتسيطر على محافظة الرقة، وتبدأ بفرض "قوانين الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام". واللافت أنها كانت تتقدم تحت جناح النظام البعثي الذي لم تقصف طائراته يوماً مواقع لـ"داعش"، فيما هي منصرفة لقتال "الجيش الحر" أو "جبهة النصرة".

وهكذا، فقد تمكنت إيران من تحويل الأزمة في كلا البلدين إلى معركة ضد "الإرهاب التكفيري"، ما يريح واشنطن التي ترى، أيضاً، في هذه المواجهة معركة أخرى بين "الإرهاب السني التكفيري" و"الإرهاب الشيعي الحزبللاوي" اللذين يتصارعان في سورية والعراق.  فضلاً عن أنه محاولة لضرب أي عملية تغيير وتحويل أي انتفاضة شعبية عن وجهتها الأساسية، واستبدالها بصراع طائفي ومذهبي وتفتيتي، لا قيامة منه ولا شفاء. كما أن ما يهم إيران، في الأساس، ومعها النظامان في العراق وسورية، هو أن يصبحوا أسياد المنطقة وأصدقاء واشنطن وحلفاءها فيها، بدل دول الخليج.

الا أنه، وكما يقول المثل الشعبي، أحياناً "ينقلب السحر على الساحر"، ويتحوّل الغول الذي صنعوه ("داعش") إلى وحش كاسر.

5231ACF6-F862-4372-9158-B1655EE52A60
سعد كيوان

صحافي وكاتب لبناني، عمل في عدة صحف لبنانية وعربية وأجنبية.