السوريون من دولة البعث إلى دولة الخلافة

السوريون من دولة البعث إلى دولة الخلافة

18 يوليو 2014
+ الخط -

تقول نكتة سورية إن جنديين، سوري وإسرائيلي، كانا يتبادلان الشتائم كل مساء، من وراء الأسلاك الشائكة في جبهة الجولان. وذات مساء، أراد الإسرائيلي إغاظة السوري، فقال له إسرائيل أجمل وأغنى من سورية، لدينا كهرباء وماء وخضرة، وأنتم تعيشون في العتمة والفقر. فرد عليه السوري: نحن لدينا أسد. تكرر الحال مرات، وفي كل مرة، كان الجندي الإسرائيلي يشعر بعدم التفوق. وظل يتساءل، كيف تكون إسرائيل بهذه القوة، وليس لديها أسد؟ وحزم أمره، ذات مساء، وأبلغ الجندي السوري أن إسرائيل بات لديها أسد. فأجابه الجندي السوري: اطمئنوا إذن لن تبقى لديكم كهرباء بعد اليوم، وستعيشون مثلنا في الفقر والفاقة.

اليوم، وبعد أن ظهر أبو بكر البغدادي وأعلن نفسه خليفة على مساحة تعادل ثلث سورية، لم يخسر السوريون سوى الأسد، وهناك من يتندر بمرارة، ويقول: حتى لو خسرنا سورية يكفينا أننا ربحنا الخلافة. صار في وسع ثلث سكان سورية أن يتحولوا من بعثيين بالقوة إلى "دواعش" بالطريقة نفسها. ولهم أن يشعروا بـ"الفخر" أن خليفة المسلمين الجديد اختارهم، ليكونوا مواطنيه الأوائل، وهذا عزاء كبير لهم، هم الذين كانوا يأملون في انتصار ثورتهم، ليتخلصوا من الأسد. بعد أن كانوا يقتربون من الجزاء في الدنيا، صار عليهم أن ينتظروه في الآخرة، وليس من حقهم أن يشكوا ويتذمروا، طالما أنهم باتوا أول من يكرمه البغدادي بمواطنيّة الخلافة. كانوا على وعد مع انتصار الثورة، فهبطت عليهم الخلافة، وكأن هذا ما كان ينقصهم، بعد كل هذا الشقاء.

هذا ما لم يخطر في بالهم، ولم يتصوروه، حتى في أسوأ الكوابيس، ومن هنا، كانت صدمتهم كبيرة، وخسارتهم لا تعوض، وخلاصهم، على ما يبدو، ليس قريباً.
أذاقهم "البعث" شتى أصناف العذاب قرابة نصف قرن، باسم القومية والعروبة وفلسطين، فأتاهم، اليوم، من سوف يجاهد بهم، من أجل رفع راية الإسلام، وكأنهم منذورون فقط للتضحية، من أجل نصرة القضايا الكبرى.

نصف قرن، ولم يبق من "البعث" شيء في سورية، سوى الكذبة والخديعة. كذب "البعث" على السوريين وكمّ أفواههم، عاشوا على الشعارات البراقة، ولكنه حول الحياة إلى صحراء، حتى ظننا أن السوريين انمحوا، ولم يبق منهم سوى هياكل عظمية خانعة، لكن الثورة جاءت لتقول عكس ذلك، لتكشف عن وجه خفي للسوريين الذين عاشوا نصف قرن من الصمت، صدّق الحكم خلالها أن السوريين يخافونه، لكنهم كانوا يقرأون في كتابٍ سري خاص، وهذا ما تجلى في أشهر الثورة الأولى، وما عبرت عنه روح التضحية العالية عند هذا الشعب الكريم، الذي لم يبخل بشيء، من أجل الحصول على حريته.

الخيانة الثانية التي تعرض لها السوريون كانت على يد الفصائل الإسلامية التي نبتت كالفطر في حديقة الثورة، وحرفتها من ثورة حرية وكرامةٍ، إلى إفراط في التدين، لا تفسير له أبداً غير جنوح بعضهم ممن حولوا الإسلام إلى دوافع طائفية، ليس من أجل حرية سورية، بل من أجل حسابات جنونية، وهوس طائفي مرضيّ.

تفهّم العالم عودة أوروبا الشرقية إلى التدين، بعد نهاية الحكم الشمولي الذي بدأ بانهيار الاتحاد السوفييتي، لأن تلك الحكومات منعت البشر من ممارسة العبادات. ولكن، ما لم يفهمه أحد هو هذه المبالغة في جر الثورة السورية نحو الأسلمة، لاسيما وأن نظامي الأسد الأب والابن لم يحاربا أحداً في دينه، بل على العكس، شجعا التدين، من أجل تجفيف منابع الإسلام السياسي.
يستطيع أبوبكر البغدادي أن يزايد، اليوم، على كل قادة الفصائل الإسلامية السورية، لأنه استطاع أن يسيطر على رقعة واسعة من أرض سورية والعراق، وذهب إلى النهاية، فإذا كان الآخرون يدعون للدولة الإسلامية وحكم الشريعة، فإن البغدادي أقام دولة الخلافة، ونقطة من أول السطر.

1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد