إسرائيل وثمن دعم الثورات المضادة

إسرائيل وثمن دعم الثورات المضادة

14 يوليو 2014

أنقذوا غزة ... في مسيرة تضامن في جاكرتا (يوليو/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

في كلّ عدوان إسرائيلي على غزة، نكتشف صورة الحكام العرب وعجزهم وقلة حيلتهم، ووزن الريشة الذي (يتمتعون به) في السياسة الدولية. في كل مذبحةٍ في فلسطين، نطالع صورة العرب الحقيقية في العالم، شعوباً ودولاً وطوائف ومجتمعات بلا قدرة على التأثير في القرار الدولي، بلا قدرة على حماية أهلهم تحت الاحتلال والحصار والمهانة والعدوان، أكثر من نصف قرن في فلسطين. في كل عدوان على الدم الفلسطيني، نكتشف منسوب النفاق الغربي أين وصل، ونقيس الفرق الشاسع بين المبادئ والمصالح في سلوك الدول الكبرى.

في كل عدوان إجرامي لإسرائيل على الفلسطينيين، نختبر سياسة الكيل بمكيالين في الأمم المتحدة، ومقدار العجز في جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي والاتحاد الإفريقي ومجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي واتحاد المغرب العربي ... منظمات دولية وإقليمية لا تستطيع أن تضغط على عنصريٍّ متطرف في إسرائيل، اسمه نتانياهو، لوقف عدوانه على غزة الجريحة والمحاصرة.

غزة، اليوم، مرآة مزدوجة. هي، من جهة، تفضح بربرية الكيان الصهيوني وهمجيته وتطرفه، وسعيه إلى بناء كيان عسكري غاصب، لا مكان فيه لأي تسوية مع الفلسطينيين كيفما كانت. والوجه الثاني أن غزة تحولت، اليوم، إلى مهرجان كبير للتبرع بالدم الفلسطيني للجسد العربي المشلول، الجسد الذي لم يعد يتحرك منه سوى جيب صغير في غزة الكرامة والعزة.

إخواننا الفلسطينيون يواجهون، اليوم، بصمودهم ومقاومتهم وصدورهم العارية، طائرات العدو الإسرائيلي التي تقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمر الحياة والمنازل والمدارس ودور رعاية المعاقين. كل هذا، ليظل هناك حق عربي وإسلامي ومسيحي في فلسطين والقدس، لا تجرفه الجرافات الإسرائيلية، ولا تمحو ذاكرته الأساطير الصهيونية.

للعدوان الإسرائيلي على غزة أهداف كثيرة، أولها منع المصالحة بين حركتي حماس وفتح، وضرب أي إمكانية لميلاد حكومة وحدة وطنية، ومشروع وطني جديد لتحرير فلسطين، يزاوج بين النضالين، السياسي والديبلوماسي، والمقاومة المسلحة. هذا خيار يرعب إسرائيل التي استفادت كثيراً من القطيعة والفرقة في الصف الفلسطيني منذ حوالي عشر سنوات.

ثاني هدف إضعاف حماس وضرب البيئة الحاضنة للمقاومة، ومعاقبة مليون ونصف مليون فلسطيني، لأنهم يقبلون حماس فصيلاً من الحركة الوطنية الفلسطينية. هدف ثالث سعي إسرائيل إلى قبض ثمن مساهمتها الفعالة في إجهاض الربيع العربي، والحصول على مقابل سياسي وعسكري لجهودها في تسويق انقلاب الجيش المصري، بقيادة عبد الفتاح السيسي، في واشنطن وعواصم أوروبا الغربية. وقد كان لدور إسرائيل الكبير من أجل إجهاض الثورة المصرية ومحاصرة بقعة الزيت، ومنعها من الانتشار في أماكن أخرى، نتائجه في التأثير على إدارة أوباما الضعيفة، والمرتبكة في الشرق الأوسط، ودفعها إلى تغيير موقفها الداعم للربيع العربي، والقبول بحكم العسكر وتصفية الإخوان المسلمين.

الآن يعرف (المغفلون) لماذا وقفت إسرائيل، بكل قوتها، ضد الربيع العربي، إنها تعرف خطورة تحرر المجتمعات العربية على أمنها، وعلى مشروع الصهيونية في المنطقة.
يهدد ذهاب المواطن العربي إلى صناديق الاقتراع النزيهة والشفافة، لانتخاب من يحكمه، عمق الأمن الإسرائيلي القائم على ضعف العرب، واهتزاز صورتهم في الداخل والخارج، وانشغالهم في الحروب الداخلية بشأن شرعية من يحكم وكيف يحكم.

تحرر العربي من الاستبداد والخوف معناه ترجمة شعار (الشعب يريد) على أرض الواقع. والشعب اليوم، من النهر إلى البحر، يريد تحرير فلسطين ووقف الاحتلال. تحرر العربي من الاستبداد معناه ميلاد رأي عام قوي وفاعل، وحكومات شرعية، وأنظمة تمثل شعوب المنطقة، وتحترم مشاعر الناخبين، وتتصرف على ضوء ذلك في السياسة الداخلية والخارجية. وهذه الشعوب لا تقبل عدوان إسرائيل وجرائمها في حق الفلسطينيين، ولا تقبل التعايش مع الاحتلال والتطبيع معه، ولا تقبل التفريط في الحقوق المشروعة للعربي، في أرضه وسمائه وبحره وأمنه وثقافته وهويته ومستقبله. لهذا، كانت إسرائيل، طوال سنتين، مرعوبة من الربيع العربي، وتعمل، ليل نهار، للمساعدة في إطلاق ثورة مضادة، ترجع بالخارطة العربية إلى مربع الاستبداد، فهو الدعامة الاستراتيجية للاحتلال.


 

A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.