أمة المسلمين على سرير فرويدي

أمة المسلمين على سرير فرويدي

03 يونيو 2014
+ الخط -
ربما يكون التحليل النفسي الحل التاريخي للمسلمين، إذ لم يبق من حل، في تقدير التفكير التراجيدي المشوب بالسخرية، لأمة المسلمين، سوى أن تتمدد على السرير الفرويدي، لعلها تصل إلى عقلها الباطن، وتفكر بعقلانية غير انفعالية، ولا انفصامية في هذا "الهو" (أصل الهوية التعيسة) الذي يجعلها تفشل، حتى وهي تنجح في هذه الثورة أو تلك.
 الاطروحة ربما ليست جديدة، منذ اكتشفنا أن للإنسان العربي المقهور سيكولوجيا تنزع به دائماً بعيداً عن الطريق السيار للحضارة والعالم الحديث، لكنها تعود من جديد، من بوابة الافتراض الساخر أن عصابنا الجماعي يستحق محاولة أخيرة، لعلنا نصل إلى ثقافة الأنوار، وعقل الأنوار، كتربة وعتبة لمجيء المجتمع الديموقراطي ونجاح الديموقراطية في استنبات نفسها، في حقلنا السياسي والثقافي معا.
تبدو الثورات في أحيان كثيرة (ليس اليوم فقط) مثل "كليبات" بالأبيض والأسود، على الرغم من حداثة بعضها الزمنية، أو وصفات علاجية لم تنفع، بعد أن استطاع فيروس الديكتاتوريات والهويات القاتلة أن يطور طاقته الحيوية، ويستبطن الدواء في جيناته الجديدة.
العقل العربي، ذاك الذي حاول محمد عابد الجابري ومحمد أركون، وغيرهما، تفكيك آلياته وإعادة الاعتبار له، يبدو مثل محاولة تسلق شاقة لعالم شاهق، بتعقده وإكراهاته وحداثاته المتناسلة.
العقل الثقافي يتأرجح بين ماضٍ لا يمضي ومستقبل لا يأتي، وهو في راديكاليته، أحياناً، يعتقد أن أقدامه ثابتة ثباتاً جيداً، من دون الوعي بأنها ثابتة في الهواء.
والمحاولة الاقتصادية (أو الاقتصادوية) لم تنجب سوى الديكتاتوريات التي وعدت الناس بالخبز، بدل صناديق الاقتراع، لكنها في النهاية لم تقدم لهم لا خبزاً، ولا ورقة التصويت. 
ماذا بقي أمام أمة المسلمين، بعد العسكر طبعا؟
العودة إلى "السرير الفرويدي "
وقد عادت هذه الأطروحة من جديد، على الأقل كفكرة، في كتاب فتحي سلامة، "حرب الذاتيات في الإسلام"، (صدر أخيراً في فرنسا، وهو يتحدث عن المنفذ الممكن)
علينا أن نسلم، من دون كثير فكاهة بأن المحاولة تستحق أن تجرب، ما دام البديل هو ... الموت.

لا تخلو الفكرة من وجاهة، والسياق الذي نعيشه يخلق لها المعنى، كما يقول أهل اللغة، وكما الحال عندما تتعقد الإشكالات. الفكرة مفادها أن التحليل النفسي، باعتباره نظرية عقلانية، يمكن أن يساهم في رفع حالات الكبت، ويتيح للعالم الإسلامي الوصول إلى زمن الأنوار والمجتمع الديموقراطي.
ولنا رهان بالفعل على أن نستنبت هذا العلم، لقراءة الجنوح المستمر نحو الموت، حتى ونحن نبحث عن الأفضل: بوعزيزي لم يجد من طريق إلى الثورة سوى بإحراق ذاته، والأصولي لا يعرف طريقاً إلى جنة الفردوس، سوى في تفجير ذاته، وتفجير من يعيش معه زمن الجاهلية الجديدة، والفقير لا تليق بأحلامه سوى قوارب الموت، ولا طريق سوى هاوية الهوية في هذا كله.
لنا رهان أن نعرض الحاكم الديكتاتوري، أو الجماعة السلطوية، على عيادات التحليل النفسي، ونغريه بدخول التاريخ، لكن، ليست هناك أوهام كبيرة، فالحاكم لا يعترف بالطب النفسي، ولا بفرويد، وهو دليله أحيانا الذي يشهره بأنه مسلم، عندما يحارب "الأفكار الهدامة"، وينفي أن يقول هناك عقل باطن، سوى خزانة المال في غرفته!
وكان رهان ثان هو أن نحول المسلمين في أوروبا إلى عتبة للوصول إلى المستقبل الذي يعيشون فيه، افتراضاً إلى جانب أصحاب الأنوار الأصليين!
هم يمكن أن يكونوا رهاننا في إدراج الأجندة الدينية في جدول التحديث الثقافي البنيوي.
 كل المشكلة أنهم يجدون أنفسهم "خارج ملكية الحداثة"، فهم، كما يحدث مع انتخابات أوروبا الأخيرة، يعزلون وينبذون باعتبارهم طائفيين، أو يجبرون على الذهاب يمينا، لأنهم، كما حلل ذلك أوليفييه روا، الأستاذ في المعهد الجامعي الأوروبي، يشعرون أن اليسار خانهم،  والجمهورية تنكرت لمبادئها المساواتية، عندما تعلق الأمر بهم.
هؤلاء الذين يسعون منا إلى أن يكونوا نبلاء الجمهوريات الأوروبية يتعرضون، أيضاً، إلى قصف محافظ، يدعوهم إلى العودة إلى بيت الهوية، بما هي امتثال الحاضر للماضي.
والنتيجة أن حلم أن يكونوا سفراءنا إلى مستقبل مبني على الانوار يتلاشى؟
وبعد الرهان، ما الذي تبقى؟
تبقى الحلم بالمحاولة بأن تتمدد الأمة على سريرها الطويل العريض، من إندونيسيا إلى المحيط الأطلسي، وتفكر بصوت مسموع، علاجاً جماعياً، لأن هناك مساحة كبيرة مقتطعة من هذا الحلم، مساحة الفرد المفقود، لن تستعيدها، ولو استعملت كل الهويات التعيسة
وعلى كل، لكم أن تعتبروا أن هذا العرض من العبد الفقير لربه وشعبه حالة من حالات الانفصام السعيدة!
 

دلالات

768EA96E-E08E-4A79-B950-D8980EE5911C
عبد الحميد اجماهيري

كاتب وشاعر وصحفي مغربي، مدير تحرير صحيفة الاتحاد المغربية، مواليد 1963، عمل في صحيفتين بالفرنسية، من كتبه "أوفقير .. العائلة والدم.. عن انقلاب 1972"، ترجم كتابا عن معتقل تازمامارت. مسوول في فدرالية الناشرين المغاربة.