مصر والاتحاد الأفريقي وسدّ النهضة

مصر والاتحاد الأفريقي وسدّ النهضة

28 يونيو 2014

مشروع سد النهضة الإثيوبي على النيل الأزرق(فرانس برس)

+ الخط -

أثار قرار حظر أنشطة مصر في الاتحاد الأفريقي، العام الماضي، ثم عودتها، قبل أيام، جدلاً كبيراً بين فريقي الصراع في مصر، فتحالف دعم الشرعية اعتبر القرار، في حينه، بمثابة اعتراض أفريقي على الانقلاب العسكري، فيما اعتبره فريق السلطة بمثابة مؤامرة أفريقية بتدبير "الإخوان المسلمين"، على الرغم من أن الأمر لم يكن هكذا، فهو إجراء روتيني، يتخذه الأفارقة بموجب ميثاق الاتحاد الأفريقي بشأن النُظُم التي تصل إلى السلطة بغير الطرق الديمقراطية. لكن، هل يصر الأفارقة على تسليم هذه النُظُم العسكرية السلطة لنظم ديمقراطية أم لا؟ الإجابة بالنفي، لأن السوابق الأفريقية تشير إلى غير ذلك، حيث تم تجميد عضوية موريتانيا في الاتحاد الأفريقي بعد انقلاب محمد ولد عبد العزيز، ثم عادت إليه، بعد فوز عبد العزيز في انتخابات رئاسية، بغض النظر عن شفافيتها. وربما هذا ما جعل، أيضاً، عودة مصر، أخيراً، لا ترجع إلى جهود الدبلوماسية المصرية، بقدر ما أنها ترجع إلى سوابق تاريخية، وما يؤكد ذلك أن دولاً أخرى حدث معها الموقف نفسه، "تعليق العضوية بسبب الانقلاب"، ثم عادت، بالتزامن مع عودة مصر، مثل موريشيوس وغينيا بيساو.

إذن، يتم تفسير خطوتي الحظر والعودة بصورة أيديولوجية، كغيرهما من القضايا السياسية المثارة حالياً، حيث يغلّب كل طرف الأيديولوجيا على الاعتبارات الموضوعية. وبتنحية مسألة الأيديولوجيا، نرى أن المستفيد الأساسي مما حدث في مصر في 3 يوليو/ تموز 2013 هي الدول المنافسة لمصر، مثل جنوب أفريقيا واثيوبيا، لأن تعليق عضوية مصر، للمرة الأولى، في المنظمة قد يستخدم ضدها عند الحديث المستقبلي عن عضوية أفريقيا الدائمة في مجلس الأمن، ومَن يمثل القارة السمراء فيه. وسيكون الانقلاب، ثم تجميد العضوية في الاتحاد الأفريقي، بمثابة نقطتين سوداوين، تسحبان من رصيد مصر، عند بحث مدى انطباق معايير التمثيل على الدول المتنافسة.

وإلى هذا الأمر، استغلّت اثيوبيا الظرف السياسي الداخلي في مصر، بعد الانقلاب، في استئناف أعمال بناء سد النهضة، ثم رفضها الاستجابة لنداءات مصرية بوقف بنائه مؤقتاً، أو التفاوض بشأن سعته التخزينية. وقد أجرت اثيوبيا توسعة لقدرة السد التخزينية من 14 مليار متر مكعب إلى 74 ملياراً، وهو ما قد تكون له آثار سلبية على مصر، لا سيما في فترة ملء الخزان، وقد ساعدت الدبلوماسية المصرية في العام المنصرم على ذلك، إذ لم يقم الرئيس المؤقت، عدلي منصور، أو أي من رئيسي الحكومة، حازم الببلاوي وإبراهيم محلب، بزيارة لإثيوبيا، ومن الغريب أن تأتي المناشدة المصرية لإثيوبيا بخصوص السد من خلال وزير الري في حينها! وبالتالي، وجدت إثيوبيا الفرصة سانحة للمضي في بنائه، ورفض الأطروحات المصرية بشأنه، بدءاً من رفض تشكيل لجنةٍ دولية ثانيةٍ لمتابعة تقرير اللجنة الدولية الأولى، وصولاً إلى رفض تقليل السعة التخزينية للسد، مع الاكتفاء بتطمينات معتادة بأن السد لن يلحق ضرراً بالمصالح المائية المصرية.

ومن هنا، تأتي إشكالية سد النهضة وغيرها من الإشكاليات الأفريقية الأخرى، لتكون بمثابة الاختبار الأول لعودة مصر إلى عضويتها في الاتحاد الأفريقي، وكذلك الاختبار الأول للرئيس الجديد، عبد الفتاح السيسي، الذي شارك في القمة الأفريقية في غينيا الاستوائية. وأمام السيسي، كرجل استخبارات سابق، ورجل دولة حالياً، ثلاثة مسارات، للتعامل مع إثيوبيا وسد النهضة هي:

أ ـ العسكري، في حال رفض اثيوبيا وقف بناء سد النهضة، أو عدم قبولها الشروط المصرية في التفاوض. لكن، يبدو أن هذا الحل غير وارد، بسبب كلفته العسكرية والبشرية من ناحية، فضلاً عن رد الفعل الإثيوبي العنيف المتوقع، والذي سبق أن لوحت به في أكتوبر/ تشرين الأول 2010، إبان حكم حسني مبارك.

ب ـ القانوني، وهذا يستغرق وقتاً طويلاً، يتيح لإثيوبيا استكمال بنائه، كأمر واقع يصعب إزالته، ناهيك عن أن إثيوبيا لم تحترم حكم التحكيم الدولي في قضايا حدودها مع إريتريا المجاورة.

ج ـ السياسي، وربما يكون هذا المسار هو الخيار المتاح الآن، في ظل استحالة المسار الأول وصعوبة الثاني. لكن، أيضاً، يحتاج نجاح هذا المسار أوراق ضغط، يتم التعويل عليها لإجبار إثيوبيا على إعادة النظر في مواقفها. ومن هذه الأوراق زيادة التعاون والاستثمارات المصرية في إثيوبيا، أو الضغط من خلال إقامة علاقات قوية مع دول الاقليم المحيطة بها، مثل إريتريا والصومال تحديداً، أو من خلال دول الخليج التي لديها استثمارات كبيرة في أديس أبابا.

فأي الأوراق سيستخدمها السيسي في ظل نبرة التعالي الإثيوبية الراهنة، وهل سيكون الإعلام الداخلي واقفاً ضده، على غرار ما حدث مع محمد مرسي، قبل عام، بخصوص السد، أم سيحاول إيجاد التبريرات بأن هذا السد لن يؤثر على مصر، ويحمل الخير للجميع، كما قال حازم الببلاوي، ولم يعقّب عليه الإعلام ببنت شفة في حينها؟

B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.