‮ ‬2021.. المغرب‮ ‬يربح‮ ‬رهان القوة مع ألمانيا

‮ ‬2021.. المغرب‮ ‬يربح‮ ‬رهان القوة مع ألمانيا

04 يناير 2022
+ الخط -

عندما‮ ‬يقع ما لا‮ ‬يكون في‮ ‬الحسبان السياسي،‮ ‬فلا شك أن قانونا من قوانين المعادلة قد تغير تغيرا جذريا في‮ ‬الحال والمآل‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وذلك ما‮ ‬ينطبق على العلاقات المغربية الألمانية‮، ‬وما حصل فيها من تغيّرات جذرية‮ ‬لم تكن واردة إلى حدود شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي‮ ‬من السنة الماضية‮.‬ ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
بدأت الحكاية‮ ‬مع الاعتراف الأميركي‮ ‬بالسيادة المغربية على الصحراء‮‬، في‮ ‬10‮ ‬ديسمبر/ كانون الأول ‮ ‬2021، والذي‮ ‬تلقته ألمانيا بطريقة‮ ‬غير ودّية،‮ ‬فدعت إلى انعقاد مجلس الأمن "‬للنظر في‮ ‬التطورات الخاصة بالصحراء". ‬وضاعفت‮ من توجّسات الرباط،‮ ‬عندما سعت، بكل قوتها، إلى تغييب المغرب عن الملف الليبي،‮ ‬والذي‮ ‬كانت الرباط تحتضن أشغاله، ووصلت به إلى جدول‮ ‬أعمال‮ متوافق عليه قبل‮ ‬مؤتمر برلين الشهير،‮ ‬ثم لم تألُ ألمانيا جهدا في‮ ‬دفع الاتحاد الأوروبي،‮ ‬عبر استشارات شبه رسمية، إلى تقليص دعمه‮ ‬المغرب‮، ‬مقابل تقوية دعم الجزائر وتونس،‮ ‬وخاتمة الأثافي‮ ‬أن برلين قدّمت معلومات حصلت عليها من المخابرات المغربية لفائدة‮ ‬معتقل‮ مغربي‮ ‬مهاجر‮،‮ ‬في‮ ‬قضايا الإرهاب سابقا‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

تغيرت معطيات المعادلة الألمانية المغربية لصالح اصطفاف‮ ‬واضح وصريح لألمانيا‮ مع السياسة الإقليمية والداخلية للمغرب

كل هذه المعطيات السلبية‮ ‬دعت المغرب إلى تعليق أنشطة التعاون مع السفارة الألمانية في‮ ‬الرباط، ثم استدعاء السفيرة المغربية في‮ ‬ألمانيا عنوانا لوجود أزمة عميقة بين الدولتين التي دخلتا، تاليا، في‮ ‬رهان قوة جدّي‮ ‬وصريح،‮ ‬بلغت مدارجه إعلان المغرب القطيعة الدبلوماسية. والواضح أن‮ ‬غير قليل من المراقبين‮ ‬رأوا في‮ ‬الموقف المغربي‮ ‬نوعا من القفزة في‮ ‬المجهول،‮ ‬وتحدّيا لا‮ ‬يليق به،‮ ‬مع دولة هي‮ ‬المحرك‮ ‬الاقتصادي‮ ‬الأساسي‮ ‬لأوروبا، و‬زعيمة‮ ‬الاتحاد الأوروبي‮. بيد أن تطورات الساحة السياسة الثنائية حدثت بشكل مفاجئ وعميق لفائدة الرباط التي‮ ‬جعلت من السيادة الوطنية نقطة الارتكاز الجوهرية في‮ ‬الحكم على علاقاتها مع شركائها‮.‬ ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
ومباشرة بعد أن تغير ‮‬الجهاز التنفيذي‮ ‬الفيدرالي،‮ ‬تغيرت معطيات المعادلة الألمانية المغربية لصالح اصطفاف‮ ‬واضح وصريح لألمانيا‮ مع السياسة الإقليمية والداخلية للمملكة المغربية‮.‬ ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬وجاء ذلك في بيان أصدرته الخارجية الألمانية بدون سابق إنذار،‮ ‬بل في‮ ‬وقتٍ‮ ‬كانت برلين تعطي‮ ‬الإشارة والإشارة المضادة إزاء الرباط،‮ ‬كما تبين من تحركات السفارتين الأساسيتين لها في‮ ‬غرب المتوسط،‮ ‬في‮ ‬مدريد وفي‮ ‬الرباط‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ الأولى تنقل رئيس ممثليتِها إلى سبتة المحتلة،‮ ‬لتدارس الإجراءات المتعلقة بالهجرة‮، ‬ما أزعج الرباط،‮ ‬والثانية أصدر رئيس ممثليتها بيانا‮ ‬يدعو الى تعامل على قدم المساواة مع المملكة‮!‬ ‬‬‬هذا التأرجح الألماني‮‬، ‬الذي‮ ‬طالما حيَّر السياسيين في‮ ‬الرباط،‮ ‬استقر بندوله على ساعة المصالحة العميقة‮، ‬عندما قرّرت الخارجية الألمانية إصدار بيان ‬بشأن القضايا الخلافية برمتها‮. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

في‮ ‬الشق‮ ‬المتعلق بالدور الإقليمي‮ ‬للمغرب حمل الرد الألماني‮ إقرارا واضحا بالدور المغربي

في‮ ‬الشق‮ ‬الأول‮ ‬من عناصر الأزمة،‮ ‬والمتعلق بالصحراء‮، "اعتبرت الوزارة الفيدرالية الألمانية للشؤون الخارجية، ‬أن مخطط الحكم الذاتي‮ ‬يشكل مساهمة مهمة للمغرب في‮ ‬تسوية النزاع حول الصحراء‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬"، ‬وأعلنت ألمانيا أنها تدعم الجهود المبذولة من المبعوث الشخصي‮ ‬للأمين العام للأمم المتحدة،‮ ‬ستيفان دي‮ ‬ميستورا‮، ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ودعمت التوصل إلى حل سياسي‮ ‬عادل،‮ ‬دائم ومقبول على أساس القرار ‬2602‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬. وهذا ليس سقف ما تريده الرباط،‮ ‬بل مقدمة منطقية للارتقاء إلى ما هو أبعد من الحد الأدنى الأوروبي،‮ ‬المتمثل في‮ ‬دعم مسلسل التسوية من خلال قرارات مجلس الأمن،‮ ‬ومنها القرار الصادر أخيرا. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬كما‮ ‬يقول البيان ‬الصادر عقب تنصيب المستشار الألماني‮ ‬الجديد، أولاف شولتز،‮ ‬إن المغرب‮ "‬خطا خطوة مهمة في‮ ‬اتجاه الحل في‮ ‬قضية الصحراء‮".‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ وفي‮ ‬الشق‮ ‬المتعلق بالدور الإقليمي‮ ‬للمغرب،‮ ‬سيما في‮ ‬ملفات شمال أفريقيا‮‬، حمل الرد الألماني‮ إقرارا واضحا بالدور المغربي،‮ ‬عبر تسليط الضوء على‮ ‬المجهود المهم‮ "‬من أجل الاستقرار والتنمية المستدامة في‮ ‬المنطقة‮. ‬ويتجلى ذلك على الخصوص،‮ ‬في‮ ‬مجهوداتها الدبلوماسية لفائدة عملية السلام الليبية‮". وقد تجاوب المغرب،‮ ‬في‮ ‬ردّه‮، مع إرادة برلين في‮ ‬استئناف العلاقات،‮ ‬مع‮ "استئناف قانوني‮ ‬مضمر‮" ‬مفاده بأنه‮ ‬ينتظر‮ ‬ربط الأقوال‮..‬. بالأفعال‮!‬ ما الذي‮ ‬وقع حتى‮ ‬غيرت برلين من موقفها‮ 081 ‬درجة؟‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ألمانيا ‬لا تخفي‮ ‬ميلها إلى التركيز على ازدهارها الاقتصادي‮ ‬من دون التورّط كثيرا في‮ ‬القضايا الدولية الكبرى

‮ما حدث أن أفق انتظار ألمانيا من تغيير‮ الرئيس الأميركي، ‬جو بايدن‮، سياسة سلفه‮ ‬دونالد ترامب‮ ‬بخصوص الموقف من مغربية الصحراء، خاب للغاية،‮ ‬لا سيما لمّا دافعت الإدارة الأميركية عن كل مسوغات القرار وأعلنت، رسميا،‮ ‬على لسان ممثلها في مجلس الأمن نفسه، أنها مع المقترح المغربي‮ ‬المتمثل في‮ ‬الحكم الذاتي‮. ‬والمعطى الثاني‮ ‬يتمثل في‮ ‬وصول‮ شولتز،‮ ‬ليحتل منصب أنجيلا ميركل‮. ‬ذلك أن ألمانيا التي‮‮ ‬لا تخفي‮ ‬ميلها إلى التركيز على ازدهارها الاقتصادي‮ ‬من دون التورّط كثيرا في‮ ‬القضايا الدولية الكبرى، وبما أنها سطّرت، في‮ ‬برنامج‮ حكومتها الجديدة، إرادة‮ "‬تعزيز السيادة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي‮"،‮ ‬فهي‮ ‬ولا شك تقدِّر الاحتكام إلى السيادة الاستراتيجية لبلدٍ كالمغرب أصبح له دور محوري‮ ‬في‮ ‬غرب المتوسط وشمال أفريقيا والشرق الأوسط‮. ‬مع وعي‮ ‬مأساوي‮ ‬بحدود هذه السيادة الاستراتيجية‮‬،‮ ‬بحسب ما تراه‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ ‬الأستاذة في‮ ‬جامعة كامبريدج، هيلين طومسون،‮ ‬من‮ أن‮ "‬الاتحاد الأوروبي‮ ‬الذي‮ ‬أضعفه التنافس بين الولايات المتحدة والصين، والمنقسم داخليا بعمق‮ (...) ‬لا‮ ‬يمكن قيادته في‮ ‬الوقت الحالي،‮ ‬ولن‮ ‬يصبح أي‮ ‬شخص ميركل الجديدة‮"، الأمر الذي‮ ‬لا‮ ‬يمنع المستشار الجديد أن‮ ‬يكون هو نفسه،‮ ‬باستحضار شروط‮ ‬الأدوار الجديدة بالنسبة لاتحاد أوروبي‮ ‬يعيش كيتيم لحلف الناتو‮، ‬بلغة‮ ‬الخبير والمستشار الرئاسي‮ ‬الفرنسي‮، ‬جاك أتالي‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
لقد ربح المغرب الرهان مع دولة قوية مثل ألمانيا،‮ ‬بسبب إيمانه القوي‮ ‬بعدالة قضيته،‮ ‬ثم بإيمانه أن أدوار الدول‮ تتحدّد حسب موازين القوى‮ ‬الجديد في‮ ‬التوزيع الدولي‮ ‬للعمل،‮ ‬ثم بقدرة القيادة على حسن‮ ‬قراءة الجيوستراتيجية للتحولات الكبرى‮ ‬مع‮ ‬تنويع الشراكات‮ ‬التي‮ ‬تقودها إلى تعاملٍ منتجٍ مع الصين‮ (صناعة اللقاح والمدن التكنولوجيا نموذجين) ‬وروسيا، ومع الاحتفاظ بالتحالفات التقليدية العميقة مع أميركا، وفتح آفاق جديدة مع المملكة المتحدة،‮ ‬بعد‮ ‬خروجها من الاتحاد الأوروبي‮ (‬بريكسيت‮)‬،‮ ‬عبر‮ ‬إبرام اتفاقية شراكة استراتيجية والربط القارّي‮ ‬لتنويع مصادر الطاقة‮.

768EA96E-E08E-4A79-B950-D8980EE5911C
عبد الحميد اجماهيري

كاتب وشاعر وصحفي مغربي، مدير تحرير صحيفة الاتحاد المغربية، مواليد 1963، عمل في صحيفتين بالفرنسية، من كتبه "أوفقير .. العائلة والدم.. عن انقلاب 1972"، ترجم كتابا عن معتقل تازمامارت. مسوول في فدرالية الناشرين المغاربة.