كوفيد وتطبيع وابن تيمية في 2020

كوفيد وتطبيع وابن تيمية في 2020

05 يناير 2021
+ الخط -

تعرضت الثقافة العربية في العام الذي غادرنا (2020) إلى جائحتين: واحدة كونية كابد منها العالم كله، انتشار الفيروس ووبائه الذي، إلى ما أوقعه من ضحايا ومصابين، تداعياته الثقافية في المجتمعات، ومنها العربية، كبيرة وثقيلة. الثانية محض عربية، أن أنظمة الإمارات والبحرين والسودان والمغرب أعلنت إقامتها علاقاتٍ كاملةً مع دولة الاحتلال. بدت الأولى على فجورٍ شديد الغرابة وهي تمارس هذه العلاقات، فيما ظهرت الحكومة المغربية على بعض الحرج، عندما أسرفت في تسويغ ما أقدمت عليه، وفي إلحاحها على ثبات مساندتها الشعب الفلسطيني.
ضربت جائحة كوفيد 19 الأنشطة والتظاهرات والمهرجانات الثقافية والفنية بالإلغاء والتأجيل، وإن انتظمت، في خواتيم العام، بعض المسرحية والسينمائية منها (في مصر خصوصا). وأضرّت كثيرا بسوق الكتاب، لمّا ألغت معارضه في غير مدينةٍ عربية. وفي الأثناء، زاد الحضور النافذ للشبكة العنكبوتية، وتقنيات الثقافة التواصلية الرقمية، فكانت هذه المُسعف والوسيلة للإبقاء على كثيرٍ من مظاهر الاحتفاء بالثقافة والمنتجات الفنية والإبداعية، كما صارت الأداة في التعليم في مستوياته كافة. وكانت المجتمعات العربية، قطاعاتٌ وفئاتٌ واسعةٌ فيه، مهيأة لهذا المستجدّ، بفعل الاتساع المهول للإنترنت والحواسيب والهواتف الجوّالة الذكية، المتسارعة التطوّر والغزيرة الخدمات، فصحّ القول إن المجتمع العربي صار شبكيا، على ما ذهب جوهر الجموسي في كتابه "الافتراضي والثورة .. مكانة الإنترنت في مجتمع مدني عربي" (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2016).
أما جائحة التطبيع العربي فأهم الملحوظ في شأنها أن الجسم الثقافي، في متنه الأوسع، أكّد حفاظه على نبذ أي اعترافٍ بأي نوعٍ بدولة الاحتلال، ورفض مجدّدا كل سقوط عربي، على أي مستوى. وفيما عبّرت تشكيلاتٌ أهليةٌ ومدنيةٌ، في السودان والبحرين والمغرب، في بياناتٍ معلنةٍ، وفي أنشطةٍ ظاهرة (وإنْ محدودة وضعيفة) عن رفض إقدام حكومات بلدانها على التطبيع مع إسرائيل، فإن مثقفين من هذه البلدان باغتونا بسقوطهم، ليس بالخرس عن إدانة الفعل الشائن، وإنما بالجهر بتبريراتٍ تدافع عنه، وبتشاطرٍ بائسٍ أحيانا، ومبعث المباغتة أن من هؤلاء من دأبوا على مناوأة الاستبداد، وناصروا ثورات التحرّر من أنظمة التسلط والفساد، وكذا على التعريض بكل ألوان الإسلام السياسي. أما في الإمارات، فلم يعلِن أي تجمع ثقافي أو إعلامي موقفا يعارض الفعل الفاضح الذي تمارسه السلطة مع إسرائيل، بل إن اتحاد كتاب الإمارات أعلن بيانا يساند اتفاقية أبراهام في معرض رفضه انتقاد اتحاد الكتاب التونسيين لها. وباستثناء أصواتٍ مفردةٍ قليلة في الفعل الثقافي، في مقدمتها الكاتبة ظبية خميس التي منعتها السلطة من السفر، ومشاركة شبّان وشابات إماراتيين في ندوات (رقمية) مع نظراء لهم من الخليج رفضوا التطبيع، فإن الصمت المُطبق في الإمارات يكشف عن المدى الذي بلغه الحكم هناك في الإجهاز على أي مساحةٍ، ولو ضيقة، لأي أنفاسٍ تعبّر عن ضيقٍ معلوم بالاتفاقيات التي بلا عدد مع المحتلين، وعلى غير صعيد، منها الإعلام والرياضة والسينما.
أما الجديد هنا، بشأن جائحة التطبيع هذه، أن جمعية المنبر الوطني الإسلامي في البحرين، والمنتسبة إلى تنظيم الإخوان المسلمين، لم ترفض التطبيع العلني الذي أقامته حكومة بلادها، بل أصدرت (مع جمعيتين أخريين) بيانا بدا تأييدا، بعد أن شذّت عن المشاركة مع 17 تشكيلا سياسيا وثقافيا ومدنيا في البلد في بيانٍ موحدٍ رافض. ويثير هذا الفعل حزمةً من الأسئلة بشأن "تخفّف" تشكيل إسلامي إخواني من التزام بواحدٍ من ثوابت مكينةٍ في الثقافة الإخوانية. وعلى صلةٍ بهذا الحال، جاء بيانٌ لحزب العدالة والتنمية، المغربي، الإسلامي المرجعية (غير إخواني) لا يرفض الاتفاقية مع إسرائيل، بعد توقيع الأمين العام للحزب، بوصفه رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، عليها، ممثلا لبلده، بتكليفٍ من الملك. والظاهر أن تدافعا في الحزب يحدُث، بعد هذا المستجد الثقيل، والذي جعل العثماني (طبيب نفسي) لا ينام تلك الليلة التي وقّع فيها الاتفاق، وقد قال إنه في الذي فعله استعان بفتوى لابن تيمية عن تعارض الحسنات والسيئات.. وكان تصريحه هذا مدهشا، ودّعنا به اليوم الأخير من عام جائحتي كوفيد والتطبيع. سيما وأن الفتوى تلك يستعين بها الداعشيون ومقترفو الإرهاب، نجّانا الله وحمانا.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.