في سؤال هل "القضاء على حماس" جريمة إبادة

في سؤال هل "القضاء على حماس" جريمة إبادة

13 مارس 2024
+ الخط -

هل "القضاء على حماس" جريمة إبادة؟

يمثّل التعبير الوقح الذي يتردّد في تل أبيب وواشنطن وعواصم غربية أخرى قضية تبلغ الغاية في الأهمية معرفياً وأخلاقياً وسياسياً وحقوقيًاً. وفي لحظات الصراع الحادّة، من المفهوم أن تتردّد تعبيراتٌ من هذا النوع، لكن ما يحدث في مرحلة رد الفعل "الغريزي" الذي يشترك فيه البشر مع غيرهم من الكائنات الأدنى، يُفتَرَض أن تتلوه مرحلةٌ أخرى تتّسم بمزيدٍ من العقلانية وتستحضر المعايير التي يؤكد الاحتكام إليها معنى "إنسانية الإنسان".

وسوف أفترض (مجرد افتراض) أن عملية طوفان الأقصى عمل إرهابي (وهي بالقطع من أعمال المقاومة المشروعة)، هل يبرّر كونها هذا أن يكون هناك إعلان متبجّح عن مشروعية "القضاء على حماس"... قد يكون منطق السحق والمحو مقبولاً في عالم من الاستخدام البربري للقوة ينحطّ فيه البشر (الأفراد والجماعات والدول) إلى درك الحيوانية الخالصة. أما حيث يتردّد شعار "حقوق الإنسان" فينبغي أن يكون التجريم (وإن اختلفنا معه) منضبطاً بإطار إجرائي ما. والعبارات التي يستخدمها السفاح بنيامين نتنياهو وشركاؤه لتبرير تبنّي هذا الهدف، وتأكيد أنه محل توافق أميركي/ إسرائيلي، تعكس حقيقة أخرى لا تقلّ خطورة عن "السياق الصهيوني" الذي يوظف فيه هذا الشعار، عندما يكرّر أن "القضاء على حماس" دفاع عن الحضارة وعن مستقبل الشرق الأوسط!

وأعضاء "حماس"، بجناحيها السياسي والعسكري، ينبغي التعامل معهم داخل السياق الإنساني، ونزعهم من هذا السياق إجرام معرفي قبل أن يكون خطيئة أخلاقية، وتجييش الغرب وراء الهدف يُنذر بعواقب مستقبلية تتجاوز النظرة النفعية التي يتبنّاها الثنائي بايدن/ نتنياهو. وسوف يؤسّس الصمت الدولي على رفع هذا الشعار مشروعية أن تبيد أية دولة احتلال كل من يقاوم احتلالها، والتجريد هنا مهم جدًا في تحقيق مزيد من الفهم.

تجاهل النخب الرسمية والحقوقية العربية الاستخدام الوقح لشعار "القضاء على حماس" خطير جدّاً

ومن يقارن ما يحدث الآن بما حدث عقب هجمات "11 سبتمبر" (2001) ينكشف له حجم التراجع في الدفاع عن الفئات المستهدفة بالإبادة. صحيحٌ أن عملية "طوفان الأقصى" (كفعل من أفعال المقاومة المشروعة) تختلف اختلافًا تامّاً عن تلك الهجمات، لكن رد الفعل داخل أميركا وخارجها على إيداع أعضاء تنظيم القاعدة في معتقل غوانتانامو سيئ السمعة كان كبيراً. ولسنواتٍ، أثار الموضوع جدلاً كبيراً على المستويين، القانوني والحقوقي، داخل أميركا وخارجها. ولم يقبل كثيرون أن تكون هجمات القاعدة مبرّراً لما حدث في "غوانتانامو"، فلماذا اختلف ردّ الفعل الحقوقي الغربي على هذا الشعار الوقح؟!

"الاستثناء الإسرائيلي" ظاهرة متجذّرة في الرؤية الأنغلوسكسونية للعلاقات الدولية، وبالتالي ليس غائبًا عن هذا التحليل، وهو وحدَه يبقى عاجزاً عن تفسير هذا التحوّل. والأكثر إثارة للدهشة أن يكون رد الفعل العربي (الرسمي والحقوقي) هو ما نراه، والتقاطع الذي ضلّل بعض النخب العربية بين المرجعية الأيديولوجية لحركة حماس بوصفها امتداداً للإخوان المسلمين ومشروعية إبادة أعضائها يفتح الباب لتفسيراتٍ يمكن أن تكون لها عواقبها المستقبلية الوخيمة على سلامتنا الأخلاقية. ويوحي خطاب نتنياهو عن الخطر الذي يمكن أن يطاول آخرين، في المنطقة والعالم، في حال لم يتحقق الهدف، بوجود تواطؤ (حقوقي وسياسي) متعدّد الأطراف على مشروعية إبادة كل حمساوي شرطاً موضوعياً للدفاع عن الحضارة.

وليست هذه الفكرة سوى نوع من التضليل الشيطاني يكاد أن يكون إعادة إنتاج لما أخبرنا به القرآن الكريم في قصة نبي الله يوسف عليه السلام مع إخوته، عندما توهّموا أنهم سيكونون "قوماً صالحين" إذا تخلّصوا من أخيهم بالقتل أو الإبعاد، قال تعالى: "اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخلُ لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوماً صالحين".

وتجاهل النخب الرسمية والحقوقية العربية هذا الاستخدام الوقح لشعار "القضاء على حماس" خطير جدّاً، وبينما ينكر ثنائي تل أبيب/ واشنطن ارتكابهم جريمة إبادة المدنيين العزّل، فإنهما لا ينكران استهداف "حماس" بالإبادة، بينما منطق القانون يجعل حقّ الحياة أقدس مما يُفترض أن يكون مكفولاً ومحميّاً حتى للمدان بجرم. فما بالك بأن يكون المستهدف بالإبادة مقاوماً يدافع دفاعاً شرعيّاً عن حقوق يضمنها القانون الدولي، ومقدّسات دينية يتهدّد وجودها خطر فعلي، وشعب يعاني ويلات الاحتلال منذ عقود؟