عن "رئيس" صنعته أميركا ثم خذلته

عن "رئيس" صنعته أميركا ثم خذلته

03 مايو 2023

خوان غوايدو في مؤتمر صحفي في كاراكاس (17/3/2023/Getty)

+ الخط -

خوان غوايدو شاب من أسرة فنزويلية متواضعة، اجتذبته السياسة مبكّرا عندما شارك في الاحتجاجات الطلابية أواخر عهد الرئيس هوغو تشافيز. وفي غمرة تصاعد الحراك الشعبي المناهض للرئيس نيكولاس مادورو، شكل حزبا معارضا مع بعض رفاقه، وسرعان ما انتُخب نائبا، ثم اختير رئيسا للبرلمان، مع تصاعد الحراك الشعبي ضد الرئيس مادورو، وبذلك يكون قد أصبح في أعلى السلم، ما جعل واشنطن تضع عيونها عليه، وتجعل منه رئيسا لحكومة مؤقتة في مواجهة مادورو الذي كان قد أعيد انتخابه في عملية وصفتها المعارضة بأنها "مزوّرة وغير شرعية"، وندّدت بها الولايات المتحدة التي وجدت في غوايدو رجلها الذي طالما بحثت عنه، رغم أن معارضي مادورو المخضرمين من رجال الأحزاب التاريخية لم يكونوا في وارد القبول بزعامته، لكنهم انصاعوا لرؤية واشنطن التي اعتقدوا أنها وحدها تملك أوراق اللعبة في فنزويلا.

هكذا رسمت واشنطن سيناريو تغيير فنزويلا، وأمام أنظارها بحيرات النفط الفنزويلية الشاسعة، (الاحتياطيات النفطية الفنزويلية أكثر من 303 مليارات برميل بحسب وحدة أبحاث الطاقة في واشنطن). وللشروع بتنفيذ هذا السيناريو، سعت إلى تهيئة إجماع دولي من حول غوايدو، وضمنت له اعتراف 60 دولة، ووضعت في يديه ملايين الدولارات من الأصول المالية الفنزويلية المجمّدة، وتعاونت المخابرات المركزية معه في التخطيط لعمليات سرّية قصد إطاحة مادورو، بينها أكثر من محاولة انقلابية كان نصيبها الفشل، كما نظّمت من أجله حملات إعلامية وسياسية عريضة في القارّتين، اللاتينية وأوروبا، وأيضا في أروقة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، لتلميع صورته وإبرازه بطلا منقذا للديمقراطية في البلد اللاتيني الواقع تحت سيطرة اليسار.

وبجهل فائض بأوضاع فنزويلا، ظلت واشنطن تراهن على دور غوايدو القيادي المفترض أربع سنوات وثلاثة أشهر، حتى اكتشفت أن حسابات الحقل غير حسابات البيدر، وأن غوايدو لم يتقن الدور الذي عهدوا به إليه، وفشل حتى في تجميع قوى المعارضة التي لفظته، في آخر المطاف، من بين صفوفها، وقبلت بالدخول في حواراتٍ مع حكومة مادورو برعاية دولية، للوصول إلى صيغة تضمن حصول حالة من الانفتاح الديمقراطي في البلاد، وساعد نشوب حرب أوكرانيا وحاجة أميركا إلى الحنفية النفطية الفنزويلية لتعوّض بعض ما تخسره على حلفائها الأوكرانيين في جعل واشنطن تركل غوايدو، وتميل نحو تطبيع العلاقة مع كراكاس ولكن تحت شروط محدّدة.

ظلت واشنطن تراهن على دور غوايدو القيادي المفترض أربع سنوات وثلاثة أشهر، حتى اكتشفت أن حسابات الحقل غير حسابات البيدر

عند هذا المنعطف، أسقط في يد غوايدو، وشرع يحاول ترميم ما انكسر، وكان أن خرج من بلاده متخفّيا، هاربا، وعبر الحدود إلى كولومبيا مشيا على قدميه، بدافع إجراء اتصالات بخصوص قضية بلاده، كما قال، حيث كانت العاصمة الكولومبية بوغوتا تستضيف مؤتمرا دوليا بخصوص فنزويلا، لكن السلطات الكولومبية لم تسمح له بالبقاء، حيث تم تسفيره على متن طائرة تجارية إلى الولايات المتحدة. ولحظة هبوطه في مطار ميامي، لم تكن معه سوى حقيبة ظهر صغيرة ألقاها على كتفه، ولم يجد أمامه السجادة الحمراء التي كانت قدماه تطآنها في سفراته السابقة إلى الولايات المتحدة، ولم يكن في استقباله لا ممثل عن البيت الأبيض ولا عن وزارة الخارجية، ولا أحد من أعضاء الكونغرس الذي كانوا روّجوا قيادته مشروع تغيير. ولم يحضر أحد من رجال المعارضة المقيمين في المنفى، ولا حتى سفير حكومته المؤقتة. وحده موظف دائرة الهجرة كان في انتظاره، وأجرى معه استجوابا سريعا قبل أن يمنحه إذنا بإقامة مؤقتة، ريثما يُنظر في أمر قبوله لاجئا! وقد وصف أحد الصحافيين الشهود منظر غوايدو عند وصوله بأنه "كان مثيرا للشفقة والرثاء، إذ بدا مضطربا، حزينا، شاحب الوجه، مثل شخصٍ ربح باليانصيب جائزة المليون دولار، ثم بدّدها في بضعة أيام، قبل أن يصاب بالجنون".

سألتُ ناشطا فنزويليا عن سر نكوص الفنزويليين عن دعم غوايدو، أجابني: اكتشفنا من تجربتكم في العراق حقيقة الديمقراطية التي يريد الأميركيون صنعها في بلادنا. ألا تكفي تجربتكم المرّة لإقناعنا بنوايا الأميركيين وأفاعيلهم، نحن معارضون لمادورو، لكننا نرفض أن تتحكّم واشنطن فينا. والتغيير في فنزويلا لن يحققه سوى الفنزويليين أنفسهم إذا ما أرادوا.

السؤال الأخير: هل يتعظ من هم على شاكلة غوايدو من رجال الطبقة الحاكمة في هذا البلد العربي أو ذاك ممن صنعتهم هذه العاصمة أو تلك، وهل سيمكنهم الهرب حاملين حقائبهم على ظهورهم عندما ندقّ الساعة؟

583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"