عندما خسر الظواهري زعامة "الجهاد العالمي"

عندما خسر الظواهري زعامة "الجهاد العالمي"

05 اغسطس 2022
+ الخط -

بنبرة احتفالية مزهوّة، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن نجاحَ الولايات المتحدة في رصدِ زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وقتله. لتأكيد أهمّية العملية، سرَدَ بايدن هجماتٍ يُعتَقد أنّ للظواهري يدًا في التخطيط لها، أهمّها هجمات 11 سبتمبر (2001)، وذكّر أنّ الظواهري تولّى قيادة القاعدة منذ مقتل أسامة بن لادن عام 2011، و"من مخبئه، نسّق بين فروع القاعدة في جميع أنحاء العالم بما في ذلك ترتيب الأولويات وتوجيه العمليات". لكنّ العودة إلى سيرة القاعدة، تحت قيادة الظواهري خصوصاً، تبيّن أنّ في الكلام عن دور قيادي مباشر له شيئا من المبالغة.

بعد القضاء على البنية الأساسية للتنظيم، إثر الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001، باتت "القاعدة" عنواناً لمجموعة أفكار وأساليب عمل، وحالة رمزية تلهم الجهاديين في العالم، أكثر بكثير مما هي تنظيمٌ بهيكلية واضحة المعالم. ونتيجة قتل الكوادر الرئيسية في أفغانستان وباكستان أو اعتقالها، وتشرّد وتخفّي من نجا منهم، وفي مقدمتهم مؤسس التنظيم أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري، بدأت مرحلة جديدة في تاريخ "القاعدة"، فالظروف المستجدّة دفعت أنصار التنظيم، ومعتنقي نهج "الجهاد العالمي"، إلى التكيّف مع الواقع، والعمل بقدر أكبر من اللامركزية في تحديد الأولويات واتخاذ القرارات، ما أتاح ظهور نسخ متعدّدة لـ"القاعدة"، بدت أقلّ انخراطاً في الجهاد المعولم، وأكثر التصاقاً ببيئاتها المحلّية، على الرغم من تأكيد بيعتها لقيادة التنظيم، التي أصبح حضورها ودورها رمزياً إلى حدٍّ كبير.

مع الاحتلال الأميركي العراق عام 2003، وجد أنصار "القاعدة" في حالة الفوضى والفراغ الأمني النّاشئة هناك فرصةً لتنظيم أنفسهم وقتال الأميركيين. هكذا تعزّزت، بصورة أكبر، استقلالية قرار المجموعات المرتبطة بالتنظيم على الساحة العراقية وغيرها، حيث مرّت "القاعدة" خلال تلك المرحلة بمنعطفات عدّة، أسّست لخلافاتٍ في الرؤى والاستراتيجيات داخل "مجتمع القاعدة" برمّته، تفاقمت حتّى وصلت، في نهاية المطاف، إلى انقسام كبير، أفضى إلى التنازع على راية "الجهاد العالمي"، بعد نحو عامين من مقتل بن لادن، وتولّي الظواهري قيادة التنظيم خلفاً له.

بعد القضاء على البنية الأساسية لتنظيم القاعدة، إثر الغزو الأميركي أفغانستان عام 2001، بات "القاعدة" حالة رمزية تلهم الجهاديين في العالم، أكثر بكثير مما هي تنظيمٌ بهيكلية واضحة المعالم

واجه الظواهري، في إبريل/ نيسان 2013، تحدّياً خطيراً جعل الرمزية المتبقّية لقيادته موضعَ شكّ، أمام سطوة أحد التطورّات الهجينة التي أفرزتها تجربة التنظيم العراقية. حينها تمرّد فرع "القاعدة" العراقي، وكان يسمّى "دولة العراق الإسلامية"، على قيادة "القاعدة"، حيث أعلن زعيمه أبو بكر البغدادي، من جانب واحد، الاندماج مع الفرع السوري لـ"القاعدة"، والمسمّى وقتئذٍ "جبهة النصرة لأهل الشام" بقيادة أبي محمد الجولاني، وتشكيل "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، بزعامة البغدادي (قُتل في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 في غارة أميركية في شمال غرب سورية).

رفض الجولاني القرار، وجدّد ولاءه لقيادة "القاعدة"، فتعمّق الخلاف وتدخّل الظواهري شخصياً، عبر رسالة صوتية، وقرّر إلغاء "الدولة الإسلامية في العراق والشام" واستمرار العمل بـ"دولة العراق الإسلامية"، وأن تكون جبهة النصرة "فرعاً مستقلا لجماعة قاعدة الجهاد يتبع القيادة العامة". رفض الفرع العراقي الامتثال للقرار، وشرع يهاجم قيادة "القاعدة"، فتبرّأ الظواهري من البغدادي وجماعته، ليعلن الأخير قيام "الدولة الإسلامية" وينصّب نفسه "خليفة"، في يونيو/ حزيران 2014. تلا ذلك إعلان جماعات جهادية مرتبطة بـ"القاعدة" بيعتها البغدادي، فيما استمرّت أخرى على ولائها للظواهري، وآثر غيرها النأي عن كليهما والعمل بصورة مستقلّة.

بدأ الصراع على قيادة "الجهاد العالمي"، ولم تتوقّف الحرب الكلامية بين الجانبين. كان رأس الحربة في الهجوم على الظواهري الناطقُ باسم "الدولة الإسلامية" أبو محمد العدناني (قُتِل أواخر أغسطس/ آب 2016 بغارة أميركية استهدفته شمال سورية). فمنذ البداية، تجرّأ العدناني على زعيم القاعدة، عبر رسالة صوتية في 20 يونيو/ حزيران 2013، بعنوان "فذرهم وما يفترون"، واصفاً قراره عدمَ الموافقة على دمج فرعي التنظيم في سورية والعراق بأنه "خاطئ ومؤدٍ إلى الفتنة"، وأن الظواهري أقرّ أمراً يؤدّي إلى المعصية وتفريق الجماعة الواحدة.

صحيح أنّ مقتل الظواهري يعدّ خسارة للتنظيم بفقدان أحد كبار رموزه ومنظّريه، إلا أنّه لن يكون ذا تأثير على جماعات القاعدة

توالت البيانات والبيانات المضادّة، وصولاً إلى إعلان الظواهري في فبراير/ شباط 2014، "أنّ الدولة الإسلامية في العراق والشام ليست فرعاً لتنظيم القاعدة، ولا توجد بيننا وبينها أي علاقة تنظيمية، ولسنا مسؤولين عن أعمالها"، ليردّ عليه العدناني: "إذا قدّر الله لك أن تضع قدمك على أرض الدولة الإسلامية، وجبت عليك البيعة لقائدها والتحوّل إلى جندي من جنودها تحت راية أميرها الشيخ أبو بكر البغدادي". وفي بيان آخر أصدره في إبريل/ نيسان 2014، قال العدناني: "إن تنظيم القاعدة لم يعد قاعدة للجهاد الحقيقي، وإن قيادته أصبحت فأساً لتدمير مشروع الدولة الإسلامية والخلافة القادمة... وإن قيادتها انحرفت عن الطريق الصحيح"، مشدّداً على أن "الدولة الإسلامية" باقية على منهج "الإمام الشيخ أسامة بن لادن"، وفق تعبيره، داعياً الجهاديين للانضمام إليها.

بالفعل، نجح البغدادي في سحب البساط من تحت الظواهري في زمن قياسي، وباستثناء تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" و"حركة الشباب" في الصومال، أصبحت معظم فروع "القاعدة" الأهم والأكثر قوّة جزءاً من "الدولة الإسلامية"، التي سيطر مقاتلوها على مساحاتٍ واسعة من العراق وسورية في تلك الفترة. وبعد نحو شهرين من إعلان "الخلافة"، شكّلت الولايات المتحدة تحالفاً ضمّ أكثر من 80 دولة لمحاربة التنظيم الإرهابي، الذي طاولت عملياته عواصم غربية عديدة. ومنذ ذلك الحين، بالكاد كان اسم القاعدة يُذكر في زحمة الأخبار والتقارير التي تتناول "الدولة الإسلامية"، وعملياتها الإرهابية حول العالم.

خلاصة القول، صحيح أنّ مقتل الظواهري يعدّ خسارة للتنظيم بفقدان أحد كبار رموزه ومنظّريه، إلا أنّه لن يكون ذا تأثير على جماعات القاعدة المختلفة، ولن يحدّ من خطر الإرهاب الذي تدّعي الولايات المتحدة محاربته. الأرجح أنّ العملية برمّتها محاولة تسجيل نصرٍ لإدارة بايدن، مع اقتراب موعد انتخابات الكونغرس الأميركي، والتراجع الكبير الحاصل في شعبية الرئيس وحزبه الديمقراطي.