خروق نيابية لن تغيّر مصيراً

خروق نيابية لن تغيّر مصيراً

21 مايو 2022

لبناني يؤكّد تصويته في مركز اقتراع في بيروت (15/5/2022/الأناضول)

+ الخط -

لا يتوهّم أحد في لبنان، وليس خافيًا على أحد، وأولهم المرشحون الفائزون من القوى المعارضة والتغيير بمقاعد في المجلس النيابي، أن هناك صعوبة تصل إلى حد استحالة معاجلة حالة الاستعصاء في لبنان بانتخابات نيابية تغيّر في شكل المجلس وتوزيعه. الأمر ليس بهذه السهولة، ﻷن الانهيار الذي يعيش اللبنانيون تفاصيله، من الصعب وقفه أو التقليل من حدّته، بل من المرجّح أن يتعمّق أكثر، فعيون اللبنانيين كانت، وما زالت، وستبقى، شاخصةً نحو منصّات سعر صرف الدولار في المقبل من الأيام، هذا السعر الذي بدأ يتحرّك صعودًا حينما بدأت عملية فرز الأصوات بعد انتهاء عمليات الاقتراع (قفز أكثر من ثلاثة آلاف ليرة في يومين)، وبعد أن استنفد حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، ما يتخطّى ملياري دولار كي يمرّر استحقاق الانتخابات بأقل الخسائر الممكنة لأحزاب السلطة.
سياسيا، سيزيد تغيّر خريطة امتداد (ونفوذ) الكتل النيابية الحزبية الكبيرة، والتي يتطرّف بعضهم في تقديرها، والحسم بأنها ستؤدي إلى انفراجات على مستوى الاحتقان السياسي، الوضع صعوبةً وتعقيدًا. خصوصًا التغييرات التي طاولت الكتلة التي تضمّ الأكثرية النيابية المسيحية في مجلس النواب، وذلك حين انتهت من أن تكون أكثريةً تدور في فلك التيار الوطني الحر المحسوب على الرئيس ميشال عون، إلى أكثريةٍ تعارضه عمادُها كتلة "القوات اللبنانية"، بل ستنعكس تداعيات هذا النوع من إعادة التموضع المباشرة مزيدًا من انكماش التيار الوطني، تيار رئيس الجمهورية، في الملفات الحيوية التي يعرقلها منذ أشهر، وأحيانًا سنوات، خصوصًا في المرحلة المقبلة والأخيرة من فترة ولاية عون، الذي يسعى، بكل قوته، إلى توريث صهره جبران باسيل قبل انقضائها. ملفات لا تبدأ بالتوظيفات المستحقة والمنتظرة، ولا تمر بملفات الجامعة اللبنانية وتوقفها القسري حصرًا، ولا تنتهي بالملفات الأخرى التي تسمح لرئيس الجمهورية بوضع الفيتو عليها… إلخ.

خسارة تحالف حزب الله وبقية القوى التي تدور في فلك المحور الإيراني الأكثرية داخل المجلس ستؤدي إلى تأزيم الأمور أكثر في ملفات عدة

لن تتوقف عملية الانكماش والعرقلة، وبالتالي المراوحة، عند هذا الحد، بعد أن فازت القوى المدنية والتغييرية اللبنانية بتكتلٍ يتخطّى 17 نائبًا من جهة، وبعد أن خسر تحالف حزب الله وبقية القوى التي تدور في فلك المحور الإيراني الأكثرية داخل المجلس من جهة ثانية. ستكون لهذا التبدّل تداعيات ستؤدي، وبشكل مباشر، إلى تأزيم الأمور أكثر في ملفات عدة، أبرزها عملية انتخاب رئيس للمجلس النيابي، ولو أن الشخصية الشيعية الممكنة عرفًا، محصورة بـ"الثنائي الشيعي"، نظرًا إلى عدم وجود أي شخصية شيعية من خارج حركة أمل وحزب الله في المجلس، في حين أن عددًا لا بأس به من النواب يعلنون أن آلية الانتخاب السابقة لن تكون مقبولة هذه المرّة.
كما أن الانكماش نفسه سيمتد ليشمل عملية تكليف رئيس جديد للحكومة، ومن ثم آلية تشكيلها، بعد أن أصبحت حكومة نجيب ميقاتي بحكم المستقيلة، فهل سنشهد حكومة وحدة وطنية، حكومة محاصصة وصفقات طائفية اعتادها اللبنانيون، من دون مكون "سنّي" قوي من ناحية، وفي حكومة كالتي بدأ ينادي حزب الله بها على لسان رئيس كتلته النيابية محمد رعد، حيث اعتبر أن من يرفضها "يمسّ السلم الأهلي"، و"يرتضي أن يكون وقودًا للحرب الأهلية"؟ أم أننا أمام توازنات ستنعكس، وبالضرورة، عرقلةً واضحة لفرض شروطٍ لا تبدأ بأكثرية داخل الحكومة، ولن تنتهي بالثلث المعطّل داخل تركيبتها. ناهيك عن استمرار الأزمة إلى لحظة انتخاب رئيس جديد للبلاد، ما يرجّح في حال استمراره دخول البلاد في فراغ شامل!

ستتعمّق الأزمة حكمًا في الأيام المقبلة عند بدء تكشف الانهيار الذي يضرب عميقًا في بنية الدولة

إن كتلة "مدنية" و"تغييرية" بهذا الحجم، كتلة تكون متفلتةً من منطق الصفقات والتسويات الطائفية والمذهبية المعتادة، يمكن أن تقلب الموازين وديناميك الفساد والمحاصصة الذي ساد أكثر من ثلاثين عامًا رأسًا على عقب، ويمكن أن تكون بيضة قبّان فعلية، وأن تمارس دورها الرقابي جدّيا، وهذا غير مقبولٍ في عرف (ومنطق) السلطة اللبنانية والأحزاب القابضة عليها وعلى الدولة، ما يرجّح أن تتعرّض هذه الكتلة إلى ضغوطٍ هائلة، قد تُترجم بمحاولات حرقها، والتصويب عليها، منذ البداية. وهو ما تشي به نوعية الأحداث التي ترافقت مع عمليات فرز المقاعد بعد انتهاء التصويت، خصوصًا لناحية محاولات "التزوير" وقلب النتائج من ناحية. ومن ناحية ثانية، ما يشي به التصعيد الكلامي على لسان النائب محمد رعد أيضًا قبيل انتهاء عمليات الفرز، تصعيد استباقي يحمل لغة تهديدٍ تحذّر الفريق الآخر من محاولة عرقلة سعي الحزب إلى "معالجة الأزمة الاقتصادية الاقتصادية التي أغرقنا به أعداء لبنان"، والتي هو أحد أسبابها، مضيفًا "وإياكم أن تخطئوا معنا الحساب… عليكم التعاون معنا وإلا مصيركم العزلة"، وصولًا إلى غمزه من قناة التخوين المعتادة، حين قال "نرتضيكم خصومًا لكن لن نقبل بكم دروعًا لإسرائيل".
في جميع الأحوال، يمكن القول إن عملية التصويت الداخلية برمتها كانت مجموعة ارتكابات تخلّلها قليل من الانتخابات. انتخابات شوهدت فيها كل أنواع الموبقات، من التهديد إلى الوعيد إلى الضرب إلى محاولات التزوير، إلى خرق القانون بأشكال مختلفة. ممارسات المنهزم إن صح القول. تُظهر هذه كلها أن الأزمة مستمرّة بأشكال مختلفة، ستتعمّق حكمًا في الأيام المقبلة عند بدء تكشف الانهيار الذي يضرب عميقًا في بنية الدولة، وفي صيغة العيش المشترك، وستظهر ملامحه تباعًا في الاستحقاقات الدستورية أعلاه.

باسل. ف. صالح
باسل. ف. صالح
كاتب لبناني، أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية