تداعيات انتخابات جامعة بيرزيت

تداعيات انتخابات جامعة بيرزيت

28 مايو 2022

طالبات في جامعة بير زيت يحتفلن بفوز كتلة حركة حماس في الانتخابات (19/5/2022/فرانس برس)

+ الخط -

تشكّل الانتخابات في الوسط الطلابي مؤشّرًا مهمًا لتتبع تقلبات المزاج السياسي العام، يفوق في أهميته انتخابات النقابات المهنية التي تؤثر في نتائجها عوامل تتعلق باهتمامها بمصالح منتسبيها المهنية، من دون إغفال دورها السياسي، حيث يمثّل الطلاب فئة الشباب التوّاقة إلى التغيير، وفتيل اشتعال التظاهرات، وبوابة الثورات والهبّات الشعبية. وتزداد أهمية ذلك، عندما تكون الجامعة متاحة لشرائح مختلفة لا تحدّها سياسات قبول منحازة إلى تيار أو جهة. ومن هنا يأتي الاهتمام الخاص بجامعة بيرزيت التي تحتفظ بتقاليد راسخة على مستوى العملية الانتخابية، تمتد منذ أعوام تأسيسها الأولى، وفيها جرى تأسيس حركة الشبيبة الطلابية (الإطار الطلابي لحركة فتح) التي سيطرت على مجالسها الطلابية دورات متعاقبة، قبل أن تتأسّس الكتلة الإسلامية عام 1978، والتي خاضت أولى تجاربها الانتخابية باسم كتلة العمل الطلابي عام 1980، وحصلت على 42% من الأصوات في مواجهة فصائل منظمة التحرير التي خاضت هذه الانتخابات في قائمة موحدة. ولتستمر سيطرة الشبيبة الفتحاوية على مجلس الطلبة حتى 1993، حيث فازت حركة حماس للمرة الأولى بمقاعد مجلس الطلبة، متحالفة مع اليسار الفلسطيني المناهض لاتفاقات أوسلو.

بين عامي 1993 و2007، فازت "حماس" ثماني مرّات، في حين فازت "فتح" أربع مرّات، وتوقفت الانتخابات ثلاثة أعوام خلال الانتفاضة الثانية. أما الانتخابات بين عامي 2008 و2014، في ظل الانقسام الفلسطيني، فقد فازت بها جميعًا حركة فتح، وقاطعت "حماس" انتخابات عامي 2010 و2011 بسبب الملاحقات التي طاولتها. وبين عامي 2015 و2022، التي شهدت تراجعا واضحا للمفاوضات والاجتياحات الإسرائيلية لقطاع غزة، فقد فازت خلالها كلها حركة حماس، مع انقطاع عامين بسبب جائحة كورونا، وتعادلت الكتلتان في عام 2019 بـ 23 مقعدًا لكل منهما، إلا أن تحالف "حماس" مع الجبهة الشعبية أتاح لها السيطرة على مجلس الطلبة في هذا العام أيضًا.

لم يكن فوز كتلة حماس في هذه الانتخابات مفاجأة في حدّ ذاته، وإنما المفاجأة في فارق عدد المقاعد بين الكتلتين، والذي بلغ عشر مقاعد للمرة الأولى في تاريخ الجامعة، في حين كانت الفوارق دومًا، وعلى مدى الأعوام السابقة، لا تتعدّى بضعة مقاعد، ما يوضح أن كلًا من حركتَي فتح وحماس ما زالتا تمثلان الثقل الرئيس في الساحة الفلسطينية، وأن أيًا من القوى الأخرى لم تنجح في تغيير هذه المعادلة. وتوضح نتائج انتخابات جامعة بيرزيت هذه الحقيقة بجلاء، إذ حازت كتلة الوفاء (حماس) على 5018 صوتًا، بنسبة 52%، وتعادل 28 مقعدًا في مجلس الطلبة المؤلّف من 51 مقعدًا. أما كتلة الشهيد ياسر عرفات (فتح) فقد نالت 3379 صوتًا، بنسبة 34.5%، وتعادل عشرة مقاعد، في حين حصلت قائمة القطب التقدمي (الجبهة الشعبية) على خمسة مقاعد من 888 صوتًا بنسبة 9%، ولم تحصد قائمة الوحدة الطلابية (الجبهة الديمقراطية) غير 132 صوتًا، كما نال اتحاد الطلبة الديمقراطي (حزب الشعب) 76 صوتًا، وكلاهما لم يحصلا على أي مقعد. ومن الجدير بالذكر أن طلبة بيرزيت قد سنّوا سنّة حميدة تقوم على مشاركة كل الكتل الناجحة، بحسب مقاعدها، في تشكيل مجلس الطلبة وهيئاته، لكن اللافت أن ما يُعرف بفصائل منظمة التحرير، والتي تشغل أغلب المقاعد الفصائلية في اللجنة التنفيذية للمنظمة (جبهة التحرير الفلسطينية، وجبهة النضال الشعبي، وجبهتي التحرير العربية) لم تتمكّن حتى من تشكيل قوائم انتخابية لها، حالها في ذلك حال الفصائل الموجودة في دمشق، وهو ما يكشف حالة الخواء التمثيلي في منظمة التحرير وبعض فصائلها الوهمية التي تتلخص وظيفتها في منح غطاءٍ تمثيليٍّ وهمي للأُطر القائمة، في حين تقف عاجزة عن تشكيل قائمة أو خوض أي انتخابات تمثيلية.

على حماس أن تدرك أن أحد أبواب تقدّم المقاومة تفعيل أوسع مشاركة جماهيرية في إدارة حياتها اليومية

تشكّل الحركة الطلابية، كما سلف، ميزانًا لقياس الرأي، وبوصلةً لتمييز الاتجاهات. ولذلك، يمثل فرق النتائج انعكاسًا لمجموعة أحداثٍ عزّزت موقع كتلة حركة حماس في الجامعات الفلسطينية، منها الهبّات الشعبية، وأحداث حي الشيخ جرّاح والأقصى، ومعركة سيف القدس عام 2021، ومقتل نزار بنات، وقمع التظاهرات، وازدياد وتيرة التنسيق الأمني، وانقسامات حركة فتح خلال الانتخابات، وخروج ناصر القدوة ومروان البرغوثي في قائمة انتخابية منفصلة، وفصل كادرات فتحاوية متميزة نجحت في تشكيل قوائم خارج القوائم الرسمية في الانتخابات البلدية، والأداء المرتبك لحركة فتح في علاقتها بالسلطة الفلسطينية ومعالجتها ملفات الفساد. هذه كلها وأكثر منها كانت عنوان المناظرة الانتخابية التي اعتادت الكتل الطلابية تنظيمها قبيل الانتخابات، والتي اتسمت كعادتها بشعاراتٍ شعبويةٍ كبيرة. وعلى الرغم من تشكيل حركة فتح لجنة ضمّت ممثلين عن التنظيم وحركة الشبيبة والأجهزة الأمنية للإعداد للمناظرة الانتخابية، إلا أن أداء كتلة حماس كان أفضل. تركزت انتقادت كتلة الوفاء، من خلال ممثلها في المناظرة، معتصم زلوم، على البرنامج السياسي الحالي، وانقطاع حاضر "فتح" عن ماضيها، وعلاقات "فتح" بالسلطة والتنسيق الأمني و"أوسلو"، وفصل "فتح" كوادرها واضطهادهم، والذين كان منهم مروان البرغوثي وناصر القدوة، ومن نجحوا في الانتخابات البلدية، مثل تيسير أبو سنينة، بطل عملية الدبويا الشهيرة (1980)، وأخيرًا إقصاء نبيل شعث عن مواقعه. في حين اتكأ مُناظر الشبيبة الطلابية على تاريخ حركة فتح المجيد، لكنه عجز عن ربط السيرة النضالية لكتائب الأقصى وشهداء فتح في جنين بالسياسة الرسمية لقيادة فتح والسلطة، ما حدا بممثل كتلة "حماس" إلى أن يعلن عن تسمية الأسير مروان البرغوثي رئيسًا فخريًا لكتلته، وأن يدعوه إلى تسمية كتلة فتح باسم الرئيس محمود عباس بدلًا من الشهيد ياسر عرفات، لتعبّر عن واقع الحال.

لافتٌ أيضًا الموقف الإسرائيلي من الانتخابات، وقد أدّى إلى إضعاف فُرص حركة فتح، وربما كان الغرض منه تأجيج نار الفتنة، وكان ذلك بإرسال سلطات الاحتلال آلاف الرسائل النصّية إلى أولياء أمور الطلبة على هواتفهم المحمولة، وقد أرسل إليّ نصها أحد أبناء عمومتي الذي يدرس أحد أبنائه في جامعة بيرزيت، وفيها: "غدًا ستُقام انتخابات الطلبة في جامعة بيرزيت. لمعلومك، إن تصويت ابنك/ ابنتك للكتلة الإسلامية [يجعله] يعدّ كناشط في حماس، حيث يعطينا الحق بالتعامل وفق القانون". كما اعتقلت القوات الإسرائيلية مُناظر حركة حماس معتصم زلوم، وسبعة من قيادات الكتلة بعد انتهاء المناظرة، وقد استنكرت كتلة فتح الاعتقال. أما ثالثة الأثافي فكانت في زجّ زلوم في قسم 16 في معتقل عوفر، حيث أغلبية المعتقلين في هذا القسم من أسرى حركة فتح، فتعرّض لضربٍ مبرّح فور دخوله إليه، ما أدّى إلى تكسير أطرافه، فنُقل إلى المستشفى بعد أن أُلقي خارج القسم، وهي حادثةٌ خطرةٌ تهدّد وحدة الحركة الأسيرة وتُنذر بانقسامها، وتفتح نافذة للعدو لنقل التنسيق الأمني إلى داخل المعتقلات.

لم تدرك حركة فتح أن سبب تراجعها عبر هذه السنين يتمثل في نهجها السياسي بشكل رئيس

كان رد فعل حركة فتح على نتائج الانتخابات متفاوتًا، لكنْ ثمّة شعور بالصدمة ناجمٌ عن فارق المقاعد الكبير؛ أعلن أمين سر الحركة، جبريل الرجوب، احترامه النتائج، وقال إن "فتح" تدفع ثمن أخطاء السلطة، داعيًا إلى إجراء محاسبة، من غير أن يحدّد الجهة المسؤولة. لكن الموقف الغريب كان موقف أمين سر إقليم رام الله والبيرة، موفق سحويل، الذي قدّم استقالته متحملًا المسؤولية، إلا أنه حمّل مسؤولية الهزيمة أيضًا لكوادر في الحركة وضباط كبار في المؤسسة الأمنية وموظفين كبار في السلطة الفلسطينية ينشط أبناؤهم وبناتهم في كتلة "حماس"!، وكأنه يدعو لمعاقبتهم بسبب تصويت أبنائهم، من دون أن بتساءل عن سبب تصويت الأبناء على خلاف رغبة الأباء، مطالبًا بتشكيل "لجنة تحقيق لا يكون فيها من له ولد أو بنت من طلاب الجامعة". وتتالت بعده استقالاتٌ من أعضاء في لجنة الإقليم ولجان المناطق، ليتوّج ذلك بإعلان لجان الأقاليم في الضفة الغربية تجميد عملها، في رسالةٍ موجهة إلى الرئيس محمود عباس واللجنة المركزية، بحيث بات من الجلي أن ما حدث في انتخابات بيرزيت سيُستخدم في تصفية حسابات تنظيمية، تدخل في إطار الإعداد للمؤتمر الثامن للحركة الذي سيُعقد قريبًا.

رحّب نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، بالنتيجة، وقال إنها "تثبت قدرتنا على إجراء انتخابات شفافة، تعبّر عن إرادة شعبنا"، في إشارة إلى نكوص السلطة الفلسطينية عن إجراء الانتخابات التشريعية، لكن اللافت أن العاروري لم يتطرّق إلى منع حركة حماس في غزة الانتخابات في جامعاتها وفي بلدياتها منذ الانقسام في العام 2006.

كانت انتخابات بيرزيت كاشفة، ولم تدرك حركة فتح أن سبب تراجعها عبر هذه السنين يتمثل في نهجها السياسي بشكل رئيس، وما لم يُعالج ذلك، فإنها ستستمر بالانحدار، مهما تمسّكت بتلابيب السلطة، وعلى "حماس" التي تقدمت، بفعل مقاومتها ومعارضتها النهج السياسي للسلطة، أن تدرك أن أحد أبواب تقدّم المقاومة تفعيل أوسع مشاركة جماهيرية في إدارة حياتها اليومية، بما في ذلك إجراء الانتخابات لكل المؤسسات التمثيلية في قطاع غزة.

34BA9C91-C50D-4ACE-9519-38F0E79A3443
معين الطاهر

كاتب وباحث فلسطيني، عضو سابق في المجلس الثوري لحركة فتح والمجلس العسكري الأعلى للثورة الفلسطينية، ساهم في تأسيس الكتيبة الطلابية منتصف السبعينات، قائد للقوات اللبنانية الفلسطينية المشتركة في حرب 1978 منطقة بنت جبيل مارون الراس، وفي النبطية الشقيف 1982.