الاقتصادي والسياسي في التشكيل الحكومي بالجزائر

الاقتصادي والسياسي في التشكيل الحكومي الجديد بالجزائر

04 يوليو 2021

وزير المالية الجزائري أيمن بن عبد الرحمن المكلف وزيرا أول (4/7/2020/فرانس برس)

+ الخط -

صارت الجزائر أقرب إلى أوّل حكومة تتشكّل وفق الدُّستور المُعدّل في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، برئاسة وزير أوّل لا ينتمي إلى أيٍّ من الكتل التي حصلت على عدد معيّن من المقاعد في الغرفة السفلى من البرلمان (جبهة التحرير، الأحرار، التجمّع الوطني الديمقراطي، حركة مجتمع السلم)، ما يعني أنّ الرئيس عبد المجيد تبّون ذهب إلى خيار حكومة اقتصادية، للاهتمام، بصفة أولوية، بملفّات الأزمة الاقتصادية والمالية، من دون غيرها من الأزمات الأخرى المستعصية، ولا سيما السياسية، باعتبار تواصل مقاطعة الجزائريين الانتخابات، من 2019 إلى 2021، (الرئاسية، استفتاء تعديل الدستور، التشريعيات) بمتوسط بلغ حوالى 70%.

يجب، بداية، التذكير بما يحويه الدستور في نسخته المُعدّلة في 2020، في المواد 103 إلى 106، من الارتباط بين تشكيل الحكومة ونتائج الانتخابات التّشريعية من حيث تحقيق الأغلبيّة، الانتماء إلى المعارضة أو الموالاة لبرنامج رئيس الجمهورية وتسمية مشكّل الوزارة الوزير الأول أو رئيس الحكومة، وفق ذلك، كلّه، وهي أمور غير واضحة، تمام الوضوح، في حالة تشريعيات 2021 المبكّرة، فالكتل التي حصلت على مقاعد في البرلمان لم تصل إلى تحقيق الأغلبية، كذلك فإنّها، وفق متغيّر المعارضة والموالاة، معروف عنها أنّها موالية لخريطة النظام السياسية، ولهذا شاركت في الانتخابات التشريعية. وبالتالي، لا يمكن تصنيف تعيين الرئيس وزير المالية السابق، أيمن بن عبد الرحمن، وزيراً أوّل، من خارج البرلمان، ضمن القراءة الحرفيّة للدستور، ما أثار بعض التعجّب من خيار التعويل عليه، بدلاً من الذهاب إلى تعيين وزير أوّل من الكتل المساندة للسلطة، واعتبار ذلك متلائماً مع نصّ المواد الدستورية المذكورة، وإن من حيث روحها فقط.

الكتل التي حصلت على مقاعد في البرلمان لم تصل إلى تحقيق الأغلبية

بالنتيجة، قرار الرئيس هو الممارسة العملية الأولى للدستور المُعدّل في إطار تجربة سياسية لم تطرأ بسببها أيّة تغيرات على الخريطة السياسية للبلاد، كذلك فإنّها لم تدفع بتجربة الإصلاح، بعد تجربة عهدات (ولايات) الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة (20 عاماً)، وتعامله مع الانتخابات والنخبة السياسية، إلى الأمام، بل أبقت على الأمور كما هي، حتّى لا نقول إنها تمثّل تراجعاً عن المُثُل التي كان من الممكن أن تفضي إليها سنتان من الحراك. ورغبة القطيعة مع "العصابة" و"القوى غير الدستورية" وفق عبارات الفريق قايد صالح - رحمه الله - التي وصف بها تصرّفات القيادة السياسية السابقة للبلاد. ويؤدّي هذا كلّه بنا إلى القول إنّ الحكومة المرتقبة ستكون اقتصادية حصرياً، بالكامل، ملتفتة إلى العمل، ضمن أُطُر سيحدّدها الرئيس، وهي، على وجه الخصوص، الأزمة الاقتصادية، وتداعيات جائحة كورونا على المستوى الاقتصادي، وتآكل مخزون النقد الأجنبي، وتواصل انهيار أسعار المحروقات، إضافة إلى قرار اللجوء إلى الاقتراض الخارجي والاستمرار في سياسة تخفيض قيمة العملة الوطنية، وما يرتبط بها من إجراءات الرفع/ الإلغاء التدريجي للدعم والتخفيض الإلزامي للتحويلات الاجتماعية، جرّاء انخفاض إيرادات الدولة من العملة الأجنبية، بسبب انهيار أسعار المحروقات، أساساً.

يؤدّي ما تقدّم ذكره إلى تصوّر شكل التعيينات القادمة للوزراء الذين سيكونون، حتماً، بالنسبة إلى الوزارات السيادية (العدل، المالية، الداخلية، الطاقة) من نصيب الرئيس، حصرياً، كما جرت العادة، في حين أنّ الوزراء الآخرين، ربّما، سيكون بعض منهم من نصيب تلك الكتل، إعمالاً للدستور، وعلى خلفية مشاورات الرئيس مع الأحزاب وكتلة الأحرار، وسيكون الآخرون منهم، خصوصاً المناصب ذات الصلة بتسيير قطاعات تقنية، من نصيب الوزراء أنفسهم الذين سبق لهم العمل مع الوزير الأوّل عبد العزيز جراد، بما أنّ الرئيس سيكون أمام خيار التجديد لهم، باعتبار الإشكالات الخاصة بالقطاعات التي أشرفوا عليها، وهي، تخميناً، قطاع الموارد المائية، الطاقات المتجدّدة، والتشغيل، والزراعة.

تشير التحليلات إلى أنّ الرئيس، عبد المجيد تبّون، يكون قد حسم أمره بالنّسبة إلى منع الحكومة المقبلة من التّعرُّض للإشكالات السّياسية، ومنها العلاقات مع المؤسّسات والمعارضة، بشكل خاص، وهو ما يقوّي الاتّجاه الذي يتحدّث عن إمكانية فتح الرّئاسة قنوات حوار مع المقاطعين للانتخابات والأغلبية الصّامتة، إضافة إلى محاولة فهم رفض بعض الأحزاب المشاركة في الانتخابات أخيراً، المشاركة في الحكومة، على غرار حركة مجتمع السّلم، بما يعني أنّ الرّئيس سيكون أمام ورشاتٍ سياسيةٍ سيعمل على الإشراف عليها، إلى جانب متابعة عمل الحكومة على الملفّات الاقتصادية، خصوصاً العاجلة، وهي توفير المخزون المالي اللازم للاستيراد والعمل على إدارة تداعيات تعطّل الآلة الاقتصادية جرّاء الفسـاد، وانعدام الكفاءة أو نقصانها، وجائحة كورونا.

من أفكار يجب الاهتمام بها، مستقبلاً، ربط الإشكالات الاقتصادية بمشروع استراتيجي. .. خطط للأمن الغذائي، والخروج من الشحّ المائي والذهاب إلى الانتقال الطاقوي باعتماد الطاقات البديلة

من تداعيات ما تقدّم، أي التفريق بين الملفّات السياسية والاقتصادية، يتكفّل الرئيس بالجانب السياسي، حصرياً، وعودة مؤسسة الرئاسة إلى عهدها السابق، أي القوّة التي تقرّر في الملفّات المحورية، إلى جانب، طبعاً، المؤسّسة العسكرية، في إطار توازن معروف في السياسة الجزائرية، خصوصاً بعد عامين من المشكلات (2019 و2020) التي كادت تعصف بتلك التوازنات التي حفظت للجزائر، على مرّ العقود السابقة، استقرارها وجنّبتها التّعرّض للأزمات العميقة، ما عدا أزمة العشرية السوداء (تسعينيات القرن الماضي)، ما يعني أنّ الحاجة ماسّة لاستشراف التوجّهات المقبلة على المدى القصير (خمسة أعوام)، حفاظاً على تلك التوازنات والاستثمار فيها لبناء الإصلاح المنتظر في إطار توافق مأمول يجب الاهتمام بإنشائه، حتماً.

من أولى الأفكار للمستقبل وجوب التدقيق في أداء الفريق المستقيل، لمعرفة أيّ الملفات نجح فيها، وتلك التي بقيت تراوح مكانها، بقصد توجيه الأولويات إلى الوجهة التي تعوّض نسبة الفشل المحقّق، مع الاستمرار في العمل وفق الخطط التي تكون قد أثبتت نجاعتها، وهو ما لا نراه في العمل السياسي، في الجزائر، ما يوجد القطيعة، تلو الأخرى، بين عمل فريق وزاري وآخر، بالنظر إلى غياب ثقافة النقد والتدقيق. بالنتيجة، يحتاج الخروج من ظروف الدولة الرخوة إلى إقرار تلك الثقافة، خصوصاً أنّ الدستور المعدّل ينصّ على فرضية أن تكون هناك وزارة من خارج التقليد المعروف بالموالاة المساندة، على الدوام، منذ عقود، برنامج الرئيس، ما سيوجد في الجزائر نخبتين؛ تكنوقراطية وسياسية، على معرفة بأنّ الأداء والكفاءة هما مؤشرا النجاح في الفوز بثقة الصندوق الانتخابي، مستقبلاً.

من الأفكار التي يجب الاهتمام بها، مستقبلاً، ربط الإشكالات الاقتصادية بمشروع استراتيجي، بمعنى أن تكون هناك خطط للأمن الغذائي، والخروج من الشحّ المائي (ببناء محطّات تحلية وسدود)، والذهاب إلى الانتقال الطاقوي باعتماد الطاقات البديلة، خصوصاً الشمسية ، ثم، وهو الأهم، الخروج النهائي من منطق الريع بإقرار استراتيجية تنموية معتمدة على الطاقات البديلة، والزراعة، خصوصاً الصحراوية، والإبداع الرقمي بالاعتماد على التقنيات الحديثة للاتصالات، لربط مختلف نواحي البلاد الشاسعة (حوالى 2.5 مليون كلم مربع)، ما يسهل الانطلاق في تلك المشاريع الاستراتيجية وتحقيق النجاح فيها، على المدييْن، المتوسّط (10 أعوام) والطويل (25 عاماً).

من أولى الأفكار للمستقبل وجوب التّدقيق في أداء الفريق المستقيل، لمعرفة أيّ الملفات نجح فيها، وتلك التي بقيت تراوح مكانها

من الأفكار المستقبلية تركيز الاهتمام بالإنسان من خلال مؤشّر جودة التعليم، والصحة، وسبل الحياة الكريمة (سكن، عمل، مواصلات، اتصالات، إلخ) لأنّها شروطٌ كفيلةٌ بتوفير جيل من الأيدي العاملة الكفوءة اللازمة للمشاريع الاستراتيجية المشار إليها، وهي مجالات، للذكر، كانت وما زالت محور اهتمام السلطات الجزائرية، وإن تغيّرت نسبة الاهتمام، بسبب رشادة الحكم، من ناحية، وتوجّه أولويات السلطات، منذ تسعينيات القرن الماضي، إلى ما بات يُعرف بالإصلاح، من دون نتيجة تذكر، من ناحية أخرى.

تلك بعض أفكار يمكن الاهتمام بها، وهي مبثوثة في ثنايا دراساتٍ كثيرةٍ ومقالاتٍ عمل الخبراء الجزائريون على نشرها، لتستفيد منها النخبة السياسية، قليل منها لقي طريقه إلى التجسيد، ومنها، وهي الكثيرة عدداً، التي لم تلقَ آذاناً مصغية ولا اهتماماً من السلطات المتعاقبة، لتبقى الجزائر رهينة الريع وحبيسة سياسات مؤقّتة لم تفلح، على الرغم من الجهود والأموال، في إخراج البلاد من دوامّة التبعية والأزمات المتلاحقة.

هي دعوة جديدة إلى الاهتمام بالأفكار وتحويلها إلى قراراتٍ لإنتاج سياسات عامّة، كفيلة بإخراج الجزائر ممّا هي فيه، لعلّها تجد طريقها إلى النور مع الحكومة الجديدة وفي المستقبل القريب.