اسمها مصر بالصاد يا ريّس

اسمها مصر بالصاد يا ريّس

20 يوليو 2021
+ الخط -

كان المشهد عبثيا بامتياز، حين اجتمع الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، رحمه الله، بنخبٍ سياسيةٍ لمناقشة خطر سد النهضة، وإمكانية تجاوزه. كان "الاجتماع السري" كاشفا عن إمكانات الرئيس وفريقه وأغلب معاونيه، ممن كنا نعتبرهم وقتها نخبا وقادة رأي، وما زال بعضنا يضعهم في المكانة نفسها! سمعنا كلاما و"هريا" عجبا. اقتراحات بإرسال فنانين ولاعبي كرة، نور الشريف ومحمد أبو تريكة وآخرين، والتدخل في الشأن الإثيوبي بالدسّ والمؤامرات والإشاعات. بدا الاجتماع كوميديا، والمفاجأة أنه كان على الهواء مباشرة، بدون علم الرئيس وضيوفه!
ظل الاجتماع موضع تندّر إعلام الدولة العميقة، وقتها، واستمر فترة طويلة "أكل عيش" عمرو أديب وأحمد موسى وآخرين. كلما جاءت سيرة سد النهضة، وحاول إعلام النظام تجاوز عجز الدولة عن الفعل، أو القول، كان اجتماع مرسي وإخوانه هو الفقرة طوق النجاة، منها نسخر، وعليها "نسفّ"، وبها نتذكّر ما كنا فيه، ونحمد ربنا أن اجتماعات الرئيس عبد الفتاح السيسي السرية ليست على الهواء مباشرة، وأن الرئيس "مسيطر".
يظهر السيسي في اجتماع، ليس سرّيا، على الهواء مباشرة، بمعرفته، وعلمه، وعلم رجاله، وإعلامه، في الاستاد، وسط عشرات الآلاف. يظهر وسط أزمة هي الأخطر والأكثر تهديدا لأمن مصر القومي، وواقعها، ومستقبلها، فالماء ليس عبثا، ليس تهريجا. ليس أمرًا هيّنا، أو عاديا، أو بسيطا، أو يمرّ. ليس أرضا تشتريها السعودية وتمرّ. الماء هو البلد، هو الأرض وتاريخها وحضارتها، ملايين المصريين يتابعون بقلق، وخوف، ووعي، فيما يظهر الرئيس مبتسما، مبتهجا، منتشيا، منتفخا، فرحا بالهتافات والتصفيق. يتحدّث عن حواراته مع الله، والبركة التي منحه الله إياها، ويطلب من المصريين أن يتوقفوا عن الكلام عن أكبر تهديد وجودي يتعرّضون إليه. يطلب من محكوم عليه بالإعدام أن يتوقف عن الدفاع عن نفسه، والمتابعة مع محاميه، والتفكير في الاستئناف والنقض، وإمكانية الإفلات، أو تخفيف الحكم. ليس ذلك فحسب، بل إن الرئيس يرى أن قلق المصريين على بلادهم "هري"، ويطالبهم بالتوقف عن مجرّد الكلام، وبأن يطمئنوا، ويعيشوا حياتهم.
هذا المشهد حقيقي، واقعي، مصوّر، مسجّل، موجود على "يوتيوب"، حفل يحمل وسم "حياة كريمة"، يقام على هامش الملء الثاني للسد الإثيوبي الذي يهدّد الأمن المائي لمصر، ويمتلئ بدوره بفقرات لفنانين، يغنون، و"يمثلون"، ويبكون من التأثر، ويتوجهون إلى السيد الرئيس بأسمى آيات الشكر والعرفان. قد يبدو "إخراج" المشهد أكثر إتقانا من مشهد "الاجتماع السرّي" على الهواء، أيام مرسي، إلا أن مشاهدة كل منهما، مع استدعاء سياقه، وتحدّياته، وتوقيتها، وحساسيتها، ودرجة حرارتها، والمقارنة، المجرّدة، والمنصفة، بينهما، يكشف عن خطأ فادح، وربما فضيحة، لا يمكن تبريرها، أيام مرسي، مقابل جريمة مكتملة الأركان، لا يمكن فهمها، بالمنطق أو بالعقل، أيام السيسي. مجتمع كامل مهدّد بالعطش، السكين على رقبته، يغنّي ويرقص ويشكر المسؤول الأول عن الكارثة، ويهتف له، فلا يكتفي المسؤول بذلك، بل يطالب بالتوقف عن مجرّد مناقشة الأزمة في المجال العام، لأن ذلك لا يليق!
يحتاج الرئيس، أحيانا، إلى من يذكّره ببديهيات عن البلد التي يحكمها، اسمها مصر، بالصاد، يا ريس، وليس بالسين كما تنطقها منذ ثماني سنوات. والنيل هو شريان الحياة في مصر، وليس الكباري، أو الدائري، أو القطارات الكهربية، أو العاصمة الإدارية، أو مدينة العلمين. النيل هو المعنى الحقيقي لعبارة "سبعة آلاف سنة حضارة"، وليس المعابد، على عظمتها، أو المومياوات، على افتخارنا بها، أو المتاحف، على أهميتها الثقافية والحضارية، والاقتصادية أيضا. النيل وحده هو ما تبقى من حضارة المصريين، النيل وحده هو ما يصل بيننا وبين هذه الحضارة، بين الماضي والمستقبل. "سبعة آلاف سنة حضارة" جملة مجرّدة، معناها الحقيقي، وربما الوحيد، هو سبعة آلاف سنة زراعة واستقرار على جانبي النيل. المائة مليون مصري، هم أهل مصر، أصحابها، بعد إذنك وإذن السادة الضباط، وكلامهم عن النيل ليس هريا، إنما مسؤولية، هل تعرف معنى المسؤولية يا ريّس؟

3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
3FE3B96A-2A94-45F9-B896-FDC0381B3B7F
محمد طلبة رضوان
محمد طلبة رضوان