أين يقف شيخ الأزهر؟

أين يقف شيخ الأزهر؟

15 فبراير 2022

شيخ الأزهر أحمد الطيب في قصر بيليم الرئاسي في لشبونة (15/3/2018/Getty)

+ الخط -

ضرب الزوجة مباح، "ولكن"… هكذا يفعلها شيخ الأزهر أحمد الطيب دائماً. المشكلة ليست في "مباح"، المشكلة في أنّنا لا نسمح لأنفسنا بسماع ما بعد "ولكن". يقر الشيخ الطيب بالوجود "التاريخي" للحكم، لكنّه يعقّب بأنّه يجوز "تقييد المباح" بالقانون، وفق القواعد الأصولية، التراث، المخزون النفسي والحضاري للأمة الذي يساعد المستمع "الخائف" من التغيير، المتحفّز إزاءه، المسكون بهواجس المؤامرة، على تجاوز الحاجز بينه وبين قيم النصوص من ناحية، ومتغيرات الواقع من ناحية أخرى. والنتيجة النهائية أنّ الضرب لم يعد مباحاً، إنّما جريمة تستوجب العقوبة القانونية. هذا هو الفرق بين الصياغات "المجانية" لتسجيل الموقف، والصياغات "المهنية" لتغيير الموقف، من السهل أن تطالب بالتغيير، الأصعب هو أن تغيّر فعلاً.
هل هذا ما يؤمن به الشيخ حقاً (ويعمل من أجله)، أم أنّه تراجع و"جاب ورا" أمام زحف النسويات؟ يحتاج السؤال إلى معرفة الواقع، وإلى معرفة الشيخ. الواقع أنّ ثقافة المجتمع في ما يتعلق بالمرأة "رايحة في داهية"، وأنّها الأقوى، ولها ما يبرّرها من التراكم التاريخي، ودعم الخطاب الديني الشعبوي الذي يتقرّب إلى الله بانتهاك المرأة وحقوقها، ناهيك عن تواطؤ السلطة وغضّها الطرف، واكتفائها بالخطابات من دون الممارسات الجادّة، الأمر الذي يجعل من الكلام عن تراجع الشيخ "كوميديا". يتقدّم الشيخ ولا يتراجع، يُسَخّر منصبه لموقفه وليس العكس. يواجه مزايدات التنويريين الحكوميين على عبارة الضرب مباح، ويواجه مزايدات شيوخ الدولة داخل الأزهر وخارجه على ما بعد "ولكن"، ويواجه مزايدات متنطّعي الإسلاميين ووعاظ "فيسبوك" و"تويتر"، الحاضرة دائماً وأبداً، وفق مقتضيات "التريند". والآن، ومع الأسف، يواجه مزايدات محسوبين على التيار الديمقراطي في مصر (ويناير) بدلاً من دعمهم، لأنّه تجرأ على "صياغات" مركّبة، وغير مرضية مزاجنا الطهراني.
أما معرفة الشيخ، فهو أهم من شغلوا هذا المنصب لسببين: الأول، أنّه ينتمي للتيار الإصلاحي، وهؤلاء، على امتداد تاريخ الأزهر، قليلون ومضطهدون، وفي مواجهة دائمة مع السلطة والمحافظين في آن؛ محمد عبده، ومحمود شلتوت، وعبد المتعال الصعيدي، والمراغي، والخولي، وغيرهم. الطيب امتداد لهذه المدرسة في أفكاره وتوجهاته، لكن ليس في سياساته. وهذا هو السبب الثاني لتميزه، يتفوّق السابقون في إسهاماتهم الفكرية، ويتفوّق الطيب في قدرته على تحويل هذه الأفكار إلى واقع، بالتدريج، واستثمار ممكنات التراث، والبحث عن تراث الإصلاحيين، وإعادة طبعه، ودعم جيل جديد من الإصلاحيين داخل الأزهر، وإرسالهم في بعثات علمية، لصقلهم، والعمل على تطوير المؤسسة، مناهجها وكوادرها، والتحرك في ذلك كله، بهدوء وحذر.
هنا يقف شيخ الأزهر، حيث المشاركة الفاعلة، والواقعية، في اللحاق بالزمن، وهذا هو موقف الطيب في الملفات كلها، والأوقات كلها، يسأله الإعلامي عمرو الليثي، في العام 2012، زمن صعود الإخوان المسلمين والسلفيين، وقبل انتخابات الرئاسة، عن دين الحاكم، فيبدأ الإجابة بأنّه يتمناه صاحب دين "ولكن". هنا يغلق الطيب الباب أمام مزايدات خصومه، وينتزع مساحة آمنة لشرح فكرته، ويقول بوضوح: "الحاكم يحتاج إلى الضمير والمسؤولية، أما الدين فالله من يحاسبه، وليس نحن، لن نأكل بدينه، الحاكم في الخارج قد يكون ملحداً، لكنّه ناجح، لأنّه صاحب ضمير ومسؤولية". ينزع الشيخ القداسة عن السياسة، ويبشّر بالحاكم الدنيوي، لا "الحاكم بأمر الله"، فما الذي يطمح إليه "تيار ديمقراطي" مفترض من شيخ المؤسّسة الدينية، في زمان صعود الحركات الدينية السياسية، أكثر من ذلك؟ تتكرّر الانحيازات نفسها، وآليات الإجابة نفسها، فالسلفية المعاصرة مشروع سياسي، لم يصنعه التاريخ إنّما الأموال الخليجية، أفكارها "بدع" لم يعرفها الإسلام، خطاباتها ساذجة، اختراقها الأزهر والتدين المصري معركة سوف يخوضها الأزهر بالتعليم، هكذا يصرح الطيب، ولكن بعد توضيح عن السلف الصالح وأئمتهم، وانحيازه لهم، وموقفه منهم. إجابات الطيب عن أسئلة المنهج، الاختلاف، السنة النبوية، الحجاب، النقاب، الفنون، التصوّف، الخطاب الديني، كلها تبدأ بإثبات الموقف التاريخي، والاعتراف بوجوده، ثم ينطلق الشيخ من النص إلى الواقع، ومن الماضي إلى المستقبل، ويخوض معركته.