إشكاليات الدساتير العربية على طاولة مؤتمر المركز العربي

إشكاليات الدساتير العربية على طاولة مؤتمر المركز العربي

27 سبتمبر 2020
من جلسات قضايا الديمقراطية والتحوّل الديمقراطي (المركز العربي)
+ الخط -

شهد المؤتمر السنوي التاسع لقضايا الديمقراطية والتحوّل الديمقراطي، الذي ينظّمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بالتعاون مع المنظمة العربية للقانون الدستوري، الأحد، ثلاث جلسات بعناوين "تجارب عربية في الدستور وقضايا الهوية"، و"قضايا وإشكالات الدساتير العربية"، و"التحول الديمقراطي في تونس".

وقدّم رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا بالإنابة، عبد الوهاب الأفندي، بحثاً في الجلسة الثامنة حمل عنوان "المعضلة الدستورية في السودان: الهوية والقانون والسياسة"، ناقش فيه فرضية مفادها بأنّ الأزمة السياسية في السودان هي في جوهرها أزمة دستورية تتلخّص في العجز عن التوافق في إطار دستوري يعزّز الاستقرار الديمقراطي، وتتبع  جذور الأزمة منذ بداية الحكم الاستعماري الذي قام على ازدواجية مثلثة بين دعاوى سيادة مصر على السودان من جهة، ودعاوى السلطنة العثمانية السيادة على مصر؛ ومن ثمّ السودان، ثم واقع الهيمنة البريطانية الفعلية على السودان ومصر معاً.
وخلص الأفندي إلى أن الأولوية في تعزيز عملية الانتقال الديمقراطي في السودان يجب أن تكون لبناء مؤسسات دستورية راسخة، وليس لصفقات وقتية ذات أهداف قصيرة الأمد، مشيراً إلى أنّ الأمر يتطلب قدراً كبيراً من التجرد الوطني، والإبداع الفكري والنظري.
وأضاء الباحث المغربي محمد بليلض على "التيارات الإسلامية والأمازيغية ودورها في مسار مراجعة الدستور المغربي عام 2011"، وتطرّق إلى مقاربة إشكالية مرتبطة بكيفية تعاطي المشرع الدستوري مع مطالب هاتين الحركتين، وهما الحاملتان لمشروعين مجتمعيين متناقضين، مشيراً إلى بروز الصراعات في الوثيقة الدستورية بين التيارات الإسلامية والأمازيغية، وأن المشروع الدستوري تعامل معها بشكل براغماتي من دون اللجوء إلى حسم في الاختيارات والتوجهات، ما أفرز دستورية قابلة للتأويلات، واستخلص أن الوثيقة الدستورية لم تؤسس للانتقال الديمقراطي؛ إذ تحوّلت إلى وثيقة لتدبير الأزمة والخروج منها.

 

وناقشت الجلسة التاسعة "الدستور والتحوّل الديمقراطي في تونس"، وأظهرت ورقة قدّمها رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس سابقاً، المحامي محمد شفيق صرصار، التوافقات حول المؤسسات السياسية في تونس، وكيفية التوصل إلى اختيار النظام الهجين القائم على الجمع بين ثنائية السلطة التنفيذية، مع ثنائية التمثيلية الشعبية بانتخاب رئيس الدولة والبرلمان مباشرة من البرلمان، وخلص إلى أن المسار التأسيسي التونسي جاء متميزاً في سياقه، ولكن بعد ستة أعوام من وضع الدستوري، ما زالت الآراء متناقضة حول تقييم المسار.

بدوره، قدّم الأستاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة المنار التونسية شاكر الحوكي بحثاً تناول "الدستور التونسي 2014: التدويل والانتقال الديمقراطي"، وطرح عدة نتائج سجلت أن المشروع الدستوري لم يخضع لقواعد التدويل الكلي، كما لم ينخرط في المنظومة القانونية الدولية، وحافظ الدستور على مفهوم تقليدي ومبدئي للسيادة بوصفه القانون الأعلى للدولة، كما لم يأخذ بمقترحات المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، ولم ينصّ على القانون الدولي بوصفه مرجعية الحقوق والحريات في الدستور.

 

ولفت أستاذ القانون العام بكلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة سوسة، عمر البوبكري، في بحثه، إلى "اختيار النظام السياسي في المسار التأسيسي التونسي وتداعياته"، وخلص إلى أن بناء نظام ديمقراطي يضمن توازن السلطات، ويحول دون عودة الاستبداد كهدف للتحول ظل محلاً للاختلاف، وبدا النظام شبه الرئاسي حلاً وسطاً بين تطلعات القوى السياسية، غير أنه سرعان ما تبيّنت هشاشة المسار التأسيسي مع تطبيق الدستور الجديد، وظهور العديد من الصعوبات التي اعترضت النظام السياسي.

وأوضح البوبكري أنه في المقابل لا يمكن إنكار أن النظام أدخل تغييراً مهمّاً على منظومة الحكم، وديناميكية جديدة غير معهودة تقوم على التوزيع الفعلي للسلطات، وعدم تركيزها في جهة معينة على حساب المؤسسات الأخرى، وعلى تفعيل آليات الرقابة الحقيقية في ما بين السلطات، وخاصة رقابة السلطة التشريعية على الحكومة من جهة أخرى.

 

وناقشت الجلسة العاشرة "قضايا وإشكاليات الدساتير العربية"، وبيّن أستاذ القانون في المعهد العالي للدراسات التكنولوجية في بنزرت عدنان نويوه، في ورقته "الحكامة ومكافحة الفساد في الدساتير العربية لفترة ما بعد ثورات الربيع العربي"، أن تلك الدساتير تبنَّت مبادئ وقواعد وإجراءات ومؤسسات جديدة للحكامة الجيدة ومكافحة الفساد؛ واعتبر أن تلك المبادئ وما يرتبط بها من سياسات تحمل في طياتها خطر البقاء مجرد "حبر على ورق"، بسبب صعوبات مرتبطة بضعف دولة القانون، والهوة التي كانت تفصل باستمرار النص القانوني عن الممارسة.

 

وخلص الباحث التونسي إلى وجود ارتباط وثيق بين نجاعة القواعد الدستورية المرتبطة بمكافحة الفساد، ونجاعة المبادئ والأحكام المتصلة بتوزيع السلطة وحماية حقوق الإنسان باعتبارها تشكل جوهر الدساتير قديماً وحديثاً، وأن القيمة المضافة لقواعد مكافحة الفساد إنما تكمن في ربطها بالديمقراطية، وبتعديل ممارسة السلطة عن طريق الفهم المتجدد للتفريق بين السلطات، وعن طريق مؤسسات الرقابة الدستورية التي غدت اليوم ضرورة لضمان حسن التفاعل بيت النصوص الدستورية والقوانين الأقل منها مرتبة وبين النصوص الدستورية والممارسة السياسية في مجال مكافحة الفساد.
وقدّم الباحث بجامعة لافال فيكندا نضال المكي ورقةً بعنوان "تأثير القانون الدولي لحقوق الإنسان في الدساتير العربية الجديدة"، وأفاد بأنّ التطوّرات الحديثة في القانون الدولي تذهب في اتجاه بلورة قاعدة قانونية مفادها ضرورة الإعداد الديمقراطي للدساتير الجديدة، سواء عبر الجمعيات التأسيسية المنتخبة انتخاباً عاماً ومباشراً، أو عبر الاستفتاء.
ويعقد المؤتمر غداً الإثنين جلستي عمل تناقشان "التجربة الدستورية المغربية بين الإصلاح والتعثر"، و"التطور الدستوري العربي"، ويختتم أعماله بعد غد الثلاثاء.