كواليس المحادثات السياسية الليبية في تونس: نحو المرحلة الحاسمة

كواليس المحادثات السياسية الليبية في تونس: نحو المرحلة الحاسمة

14 نوفمبر 2020
ليبيا: الاتفاق على تحديد موعد الانتخابات بتاريخ 24 ديسمبر (فرانس برس)
+ الخط -

تسير المحادثات السياسية بين أعضاء ملتقى الحوار في تونس بخطى بطيئة، فيما تنشط، في كواليس المشهد القريبة والبعيدة، التحركات الباحثة عن دعم الأطراف الدولية والإقليمية في كل الاتجاهات، في الوقت الذي أعلنت فيه البعثة الأممية عن اتفاق أعضاء الملتقى، في تونس، "على تحديد موعد الانتخابات الوطنية في ليبيا بتاريخ 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021". 

وأعلنت رئيس البعثة الأممية بالإنابة، ستيفاني ويليامز، خلال مؤتمر صحافي أمس الجمعة، عن "تمديد المحادثات لبضعة أيام أخرى"، من دون أن تحددها.

وبينما أكّدت أن أعضاء الملتقى يعملون على "تحديد صلاحيات مجلس الرئاسة بعد إصلاحه وحكومة الوحدة الوطنية، التي ستكون تحت قيادة رئيس وزراء منفصل، وبالتالي فصل مجلس الرئاسة عن رئيس الوزراء"، أشارت إلى أنهم قاموا بتحديد معايير الأهلية وآلية الاختيار لهذه المناصب التنفيذية الجديدة. 

وفيما نفت ويليامز وجود أي قائمة أسماء مرشحة لتولي المناصب الجديدة طُرحت بشكل رسمي، أكدت أن البعثة وشركاءها الدوليين لن يقترحوا أو يفرضوا أسماء معينة، لكنها أقرت بأن البعثة ليس بوسعها القيام بـ"مفردها" بالعمل على تطبيق الاتفاق بين الليبيين.

 

وأضافت "نحن بحاجة إلى مساعدة الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية"، بما في ذلك تسجيل عقوبات على معرقلي المحادثات السياسية، فــ "المجتمع الدولي لديه الوسائل اللازمة لمنع المفسدين، بما في ذلك من خلال استخدام العقوبات وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة". ورفضت البعثة مقترحاً من قبل بعض أعضاء الملتقى يطلب جولات أخرى للملتقى لمزيد من الوقت الكافي للتشاور حول ترشيح أسماء لتولي المناصب الجديدة قبل التصويت عليها، بحسب مصادر ليبية مطلعة. 

وقالت المصادر لـ"العربي الجديد" إن جلسة اليوم سيعود إليها أعضاء الملتقى لمواصلة مناقشة الآليات التي لم يتم التوافق عليها حول آلية الترشح للمناصب الجديدة، مشيرة إلى أن كواليس الملتقى تعجّ بأسماء العديد من الشخصيات الليبية، في وقت تشهد عواصم دول عربية وأجنبية زيارات مكوكية لبعض تلك الشخصيات التي تعتبر صاحبة الحظ الأكبر في تولي مناصب بارزة في السلطة الجديدة، خصوصاً رئاسة الحكومة. 

وبحسب المصادر ذاتها، فإن الأسبوع الماضي شهد لقاءات مكثفة بين شخصيات ليبية ومسؤولين في أكثر من عاصمة، منهم محمد المنتصر، السياسي المنحدر من مصراته، الذي زار موسكو، والتقى فتحي باشاغا مسؤولين من أبوظبي في العاصمة الأردنية عمّان.

 وأجرى محمد معين الكيخيا، المقرب من أبوظبي، اتصالات غير مباشرة بمسؤولين أتراك، فيما كشفت مصادر مصرية في اللجنة العليا المعنية بالأزمة الليبية، في وقت سابق من نهار اليوم لـ"العربي الجديد"، عن زيارة نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي، أحمد معيتيق، إلى القاهرة الأربعاء الماضي. 

 

ورغم تأكيد ويليامز أن البعثة والمجتمع الدولي "لن يقترحا أو يفرضا أسماء معينة"، إلا أن "هذه الشخصيات تقدم نفسها لعواصم الدول المتصلة بالملف الليبي وتعرض مشاريعها ورؤيتها في كواليس الملتقى البعيدة المتابعة لمجرياته". 

تنافس حول شغل منصب رئيس الحكومة

ويزداد التنافس حول شغل منصب رئيس الحكومة بعد تقليص صلاحيات ومهام المجلس الرئاسي، الذي تبدو أبرز مهامه تمثيل البلاد خارجياً، وداخلياً الإشراف على حوار مجتمعي لبناء قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات في ديسمبر/كانون الأول من العام المقبل.

 ووفقاً لذات المصادر، فإن الأسماء الأكثر تداولاً في كواليس الملتقى لشغل كراسي المجلس الرئاسي الثلاث هي: عقيلة صالح ممثلاً عن الشرق الليبي، وفايز السراج ممثلاً عن الغرب الليبي، وعبد المجيد سيف النصر ممثلاً عن الجنوب، بالإضافة إلى وجود أسماء أخرى تمتلك حظوظاً للمنافسة مثل عمر أبو شريدة ممثلاً لتيار أنصار النظام السابق، وكمال حذيفة الهوني عضو المجلس الانتقالي الوطني السابق من بنغازي، وعلي زيدان رئيس وزراء ليبيا السابق. 

وتتحدّث أوساط ليبية عن أسماء أخرى، تدور في كواليس الملتقى، تنافس باشاغا والكيخيا ومعيتيق والمنتصر، على شغل منصب رئاسة الحكومة، مثل العارف النايض سفير ليبيا السابق لدى الإمارات، وعثمان عبد الجليل وزير التعليم الأسبق بحكومة الوفاق والمنحدر من الزنتان، ومحمد البرغثي سفير ليبيا لدى الأردن، لكنها لا تلقى قبولاً كبيراً في أوساط عواصم الدول ذات الثقل في الملف الليبي، بحسب معلومات الباحث السياسي الليبي في العلاقات الدولية مصطفى البرق. 

ويرجح البرق أن تنتهي جهود أعضاء الملتقى إلى ما انتهى إليه ملتقى الحوار في الصخيرات المغربية قبل ست سنوات.

وأوضح أن "المتابع لسير أعمال الملتقى يلاحظ أن الإدارة الأممية للحوار تشابه إدارتها للحوار في الصخيرات من خلال سياسة التقدم خطوة والتراجع أخرى في نفاش ذات المسائل وإعلان نتائج في مؤتمراتها الصحافية، خلال ما يتسرب من قاعات الملتقى والسماح بتعديل وثيقتها المطروحة للنقاش ثم إفساح المجال للمعارضة للعودة لنصوصها الأولى، كل هذا جرى في الصخيرات لإرهاق المشاركين والوصول للنتيجة التي توسطت واشنطن لتفاهم الدول الكبرى حولها مسبقاً".  

وأوضح أن "حالة الشد العصبي" لدى المشاركين سمحت بتمرير صيغة التوافق على الانتخابات بشكل ضبابي لم يلتفت إليه أكثر المتابعين، فضلاً عن المشاركين في الملتقى، وهي إعلان ويليامز انتخابات "وطنية"، مشدداً على أنه تم "تمييع للألفاظ" وتكرار للصيغ التي استخدمت في اتفاق الصخيرات. 

وفيما يعتقد البرق أن "نصّ الاتفاق النهائي سيحتوي على صيغ مفخخة كالسابق، يضيف "أُرجح بشكل كبير أن ندخل في جدل تفصيل الانتخابات، هل ستكون برلمانية فقط، أم رئاسية، أم الاثنين معاً في ظل ضبابية استخدام صيغة الانتخابات الوطنية فقط". 

ويتوقّع أن تعلن البعثة الأممية نتائج ختام أعمال الملتقي في 15 من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وهو لا يكفي لمداولة الأسماء المرشحة والتصويت عليها، بحسب الآليات المتفق حولها، وبالتالي "فخروج ما يدور في الكواليس إلى القاعة الرسمية سيخلق حالة من التدافع المفاجئ نحو التوافق على شخصيات معينة، وفي ذات الأجواء المرهقة وهي ذات النهاية التي مرت بها الصخيرات سابقاً، وأفرزت مجلساً رئاسياً وحكومة وفاق لا يعرف حتى الآن من دفع بأسمائها واختيارها". 

ومقابل لهجة الحذر والتحذير التي يتحدث بها البرق، إلا أن الناشط السياسي الليبي رضوان الغويل يرى أنه لا بديل عن القبول بنتائج الملتقى أياً كانت و"البديل الوحيد هو العودة للحرب، خصوصاً وأن اتفاقات اللجنة العسكرية المشتركة لم تخرج من الورق إلى أرض الواقع، والسلاح لا يزال في خطوط التماس والأصوات الرافضة للحوار تعلن عن نفسها مقابل صمت مريب من جانب حفتر"، بحسب قوله. 

ويرى الغويل في حديثه لــ"العربي الجديد" أن "الحديث عن وجود عاصمة كواشنطن أو غيرها حشدت لرؤيتها دولياً لتوجه عمل البعثة في ليبيا حديث من نافلة القول"، معتبراً وجود هذا التوافق الدولي من الضمانات المهمة لشلّ تأثير الأطراف الخارجية، التي لا يعد خافياً أنها من تغذي حالة الصراع خصوصاً. 

ومهما اختلف المشاركون في الملتقى حول شاغلي السلطة الجديدة، يشير الغويل إلى أن "وثيقة البعثة الأممية وفّرت شروطاً مهمة لتحديد الفترة الانتقالية وأخرى تتعلق بشاغلي المناصب"، ويراها شديدة الاتصال بما توصلت إليها اللجنة العسكرية المشتركة، مؤكداً أن الحلّ السياسي والعسكري سيكون في شكل حزمة واحدة تضطر الفاعلين الجدد للاتجاه في طريق واحد نحو تقليص آثار الأزمة الماضية.