الوسيط اللبناني زياد تقي الدين يسحب شهادته ضد ساركوزي

الوسيط اللبناني زياد تقي الدين يسحب شهادته ضد ساركوزي

12 نوفمبر 2020
عمل تقي الدين مبعوثاً سرياً لحكومة ساركوزي (جاك ديمارتون/ فرانس برس)
+ الخط -

في وقت متأخر من ليل الأربعاء، ظهر الوسيط اللبناني الفرنسي زياد تقي الدين، أحد الشهود الرئيسيين ضد الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي في التحقيق بشبهات تلقيه أموالاً ليبية من العقيد الليبي الراحل معمر القذافي لحملته الانتخابية عام 2007، بعد اختفائه منذ يونيو/ حزيران الماضي في أعقاب إدانته في الجانب المالي لقضية "كراتشي".
ومن العاصمة اللبنانية بيروت، بثت مجلة "باري ماتش" وقناة "بي اف ام" مقابلة مع تقي الدين، تراجع فيها عن شهادته التي أدلى بها أمام القضاء الفرنسي، وأدت في 16 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلى توجيه لائحة اتهام رابعة بحق ساركوزي.


"أقولها بصوت عالٍ وواضح، هذا القاضي (سيرج) تورناير (قاضي التحقيق السابق المسؤول عن القضية) كان لطيفاً بما يكفي ليحرف أقوالي بطريقته الخاصة.. جعلني أقول أشياء تتعارض تماماً مع الكلمات التي قلتها. (...): لم يكن هناك تمويل لحملة ساركوزي الرئاسية"، قال تقي الدين.


ساركوزي يرد
وكأنه كان على علم مسبق بها، لم يتأخر نيكولا ساركوزي في التعليق على المقابلة، برغم أنه كان قبل بثها أحد ضيوف الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون بمناسبة ذكرى نهاية الحرب العالمية الأولى ومئوية دفن الجندي المجهول.
وقال ساركوزي في بيان على حسابه بموقع "تويتر": "الحقيقة تظهر أخيراً"، معتبراً أن تغيير تقي الدين لشهادته "يضع الإجراءات القانونية بشأن هذه القضية في مأزق تام". وأضاف "لمدة سبع سنوات ونصف، لم يكشف التحقيق عن أي دليل على أي تمويل غير مشروع. المعلومات القضائية التي فتحت بشأن التصريحات الكاذبة الوحيدة لزياد تقي الدين هي اليوم في مأزق كامل. المتهم الرئيسي (تقي الدين) يعترف بأكاذيبه. لم يمنحني أي أموال ولم يكن هناك أي تمويل غير قانوني لحملتي في عام 2007".


وأكد ساركوزي أنه طلب محاميه الخاص تييري هيرتسوغ "تقديم طلب بالفصل والشروع في إجراءات إدانة تشهير ضد زياد تقي الدين، الذي تسببت مزاعمه السابقة في ضرر كبير لي".
دور تقي الدين في القضية
بين عامي 2006 و2007، عمل تقي الدين مبعوثاً سرياً لحكومة ساركوزي في وزارة الداخلية إلى النظام الليبي، وقد اعترف بالمشاركة في الحصول على الأموال الليبية؛ تلك القضية اتخذت منعطفاً حاسماً مع نشر موقع "ميديا بارت" وثائق في نهاية عام 2019، تشير إلى أن تيري جوبير، أحد مساعدي ساركوزي وأحد الأصدقاء المقربين من ذراعه اليمنى الوزير السابق بريس أورتفو، تلقى في فبراير/ شباط عام 2006 من حساب سري تم فتحه في جزر الباهاماس ما يقرب من نصف مليون يورو من المال الليبي، تم سحب نصفها نقداً آنذاك في فرنسا قبل الانتخابات الرئاسية.
تلك الأموال مرت عبر شركة خارجية للوسيط زياد تقي الدين، تم استخدامها لجمع الأموال من النظام الليبي (ما يقرب من ستة ملايين يورو في المجموع في عام 2006) مقسمة إلى ملاذات ضريبية لا حصر لها.

كلمة القضاء الأخيرة
تقي الدين، البالغ من العمر 70 عاماً، وجهت له اتهامات بالتواطؤ في الفساد واستغلال النفوذ، والتواطؤ في اختلاس الأموال العامة على ذمة هذه القضية. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2016، ادعى تقي الدين أنه سلم أكثر من خمسة ملايين يورو بين أواخر عام 2006 وأوائل عام 2007 إلى ساركوزي، الذي كان وزيراً للداخلية آنذاك، ومدير مكتبه كلود جيان.
وبعد شهادات من شخصيات ليبية، وملاحظات من المخابرات في طرابلس، واتهامات الوسيط، جمع القضاة بعمل استغرق 7 سنوات مجموعة من القرائن أعطت مضموناً للفرضية التي عمل عليها بشأن تمويل حملة ساركوزي من قبل نظام معمر القذافي، لكن مع ذلك لم يتم العثور على أي دليل مادي مقنع حتى الآن، برغم كل العمليات المشبوهة لنقل الأموال.
الهروب من فرنسا
بعد نحو أسبوعين من إصدار القضاء الفرنسي أحكامه في ما يعرف بـ"قضية كراتشي"، هرب تقي الدين من فرنسا في رحلة طويلة، حطت به أخيراً في موطنه الأصلي لبنان. تلك القضية كان بطلها تقي الدين أيضاً، وهي فضيحة فساد يعود تاريخها إلى عام 1994 اتهم بموجبها رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق ادوارد بالادور بتلقي رشاوي مالية من صفقة بيع ثلاث غواصات إلى باكستان بهدف تمويل حملته للانتخابات الرئاسية عام 1995.
الدور الذي لعبه تقي الدين آنذاك، يكاد يتطابق مع الدور الذي لعبه في تمويل القذافي لحملة ساركوزي، حيث نال حكماً في شهر يونيو/ تموز بالسجن لخمس سنوات، ليختفي بعدها ويهرب من فرنسا، ما أثار العديد من التساؤلات حينها عن أدوار ربما لعبتها شخصيات كبيرة ساعدته على الفرار، خصوصاً وأنه في رحلة هروبه استخدم وسائل تنقل عادية مثل القطارات ليصل بداية إلى مدينة نيس، قبل أن يتوجه بعدها إلى إيطاليا ثم اليونان وإسطنبول، قبل وصوله إلى بيروت.
وأول ظهور لتقي الدين بعد هروبه من فرنسا كان في مقابلة أجرتها معه صحيفة "لو جورنال دو ديمانش" في 28 يونيو/ حزيران الماضي، ادعى خلالها بالبراءة من التهم الموجهة إليه. وقال إن دوره في "قضية كراتشي" اقتصر على "حل المشاكل والمساعدة في توقيع العقود"، وهدد أنه "سيفجّر كل شيء ويفضح الجميع.. سأعمل كل يوم في حياتي على إزعاج فرنسا"، إذا ما ذهب إلى السجن.
أما في ما يخص قضية "تشكيل عصابة إجرامية" مع ساركوزي، فأكد تقي الدين سابقاً أنّه نقل شخصياً من القذافي إلى ساركوزي خمسة ملايين يورو نقداً في حقائب، وأضاف أنه لم يكن يعرف أن اعترافه بالأمر سيتسبب بتوجيه التهم إليه.

واليوم يعود تقي الدين للظهور من بيروت، عند سفح أفخم المباني في بيروت، بحسب ما يصف فرانسوا دو لابار، الصحافي الذي أجرى المقابلة، وأسماه "زيكزاك تقي الدين" لكثرة الروايات التي قدمها بشأن قضية ساركوزي، وحتى "كراتشي". 
وإلى أن يصدر القضاء الفرنسي موقفاً حيال هذه التطورات الجديدة، سيتمكن تقي الدين من ممارسة حياته الطبيعية في موطنه الأصلي، إذ لن يكون بمقدور باريس أن تطلب من لبنان إعادته إلى فرنسا، لعدم وجود اتفاقية بين البلدين تقضي بتسليم المطلوبين للقضاء.

المساهمون