سعيد يقطين.. عن مستقبل السرديات ما بعد الكلاسيكية

سعيد يقطين.. عن مستقبل السرديات ما بعد الكلاسيكية

14 أكتوبر 2020
(سعيد يقطين)
+ الخط -

في محاضرة "السرديات ما بعد الكلاسيكية: واقع وآفاق" التي نظّمها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" ظهر اليوم الأربعاء، أوضح الناقد والباحث المغربي سعيد يقطين أنه اختار عنوان محاضرته لسببين؛ أولهما علاقته المتواصلة مع الموضوع منذ الثمانينيات وحتى اليوم، وثانيهما أهميته الخاصة في الحياة وفي الإبداع وفي مجال الدراسات الأدبية، حيث لا يمكن اعتباره إلا شاملاً لمختلف أجناس الخطاب التي ينتجها الإنسان.

وأضاف: "من الأهداف وراء الاختيار هو العمل على مأسسة السرديات كاختصاص في الجامعات العربية، لأن الاهتمامه بها يتزايد خاصة في كليات الآداب، وبما أنه أصبح في صلب الاهتمام الأكاديمي والثقافي العربي بصورة عامة، فإن الأمر يستدعي التفكير في تأطيره ومعرفة ما يشهده من تطوّر على الصعيد العالمي"، مبيناً أن التعامل مع السرد يتمّ "من دون رؤية منهجية أو خلفية علمية".

بدأ التوّجه نحو دراسة السرديات في العالم العربي خلال الثمانينيات والتسيعينات تحت تأثير البنيوية، بحسب يقطين الذي أشار إلى أنه "سرعان ما تمّ التحول منها نحو ما يسمّى النقد الثقافي، وبذلك اعتبرنا أن المرحلة البنيوية قد انتهت، وهو ما يجعلنا لا نستفيد مما أُنجز في العالم العربي خلافاً لما نجده على الصعيد العالمي".

التعامل مع السرد يتمّ من دون رؤية منهجية أو خلفية علمية"

وعاد صاحب كتاب "الكلام والخبر: مقدمة للسرد العربي" للتذكير في بداية المحاضرة بالسرديات الكلاسيكية، ثم انتقل بعد ذلك إلى واقع السرديات ما بعد الكلاسيكية، وبعدها تحدّث عن آفاق السرديات مع الإشارة إلى ما يمكن القيام به على الصعيد العربي.

وأشار يقطين إلى أن السرديات تأسّست في فرنسا خلال الستينيات، وكانت أهمّ خاصية تميّزت بها هي أنها تسعى إلى تجاوز ما كان يُعرف سابقاً بالنقد الروائي أو النقد القصصي، بجعلها اختصاصاً علمياً يسعى إلى دراسة السرد حيثما وُجد وأيّاً كان نوعه، بالتركيز عليه في ذاته. ليُنظر إليها في مرحلة ما بعد البنوية من خلال منظورين: "هناك من يرى أنها انتهت، وهناك من يرى أنها قابلة للتطوير".

وقال إن "ديفيد هيرمان اقترح عام 1996 مصطلح السرديات ما بعد الكلاسيكية، حيث أصبح رائجاً إلى جانب مصطلحات مثل السرديات الجديدة والسرديات ما بعد الكولونيالية والسرديات الحداثية وما بعد السرديات، وهناك من يتعلم عنها كعلم مفرد أو أنها جمع بين عدّة علوم، حيث انتقلت من اختصاص لدراسة السرد لتدرس السرد في كل شيء، وهذا الحضور سنجده ينتقل من فرنسا إلى العالم كلّه خاصة في المدرستين الألمانية والأنكلوالأميركية، مع انفتاح على علوم إنسانية وتجاوز المجال الفني الذي كان مرصوداً للأعمال السردية من قصة ورواية وسواهما".

يتساءل في المحاضرة: هل تحافظ السرديات على نفسها كاختصاص؟

وهنا، طرح يقطين تساؤلات مثل: هل تحافظ السرديات على نفسها كاختصاص أم أنها ستتداخل مع نظريات وتحليلات سردية مختلفة؟ وهل بقيت علماً قابلاً لأن يتطوّر وينفتح على العلوم الأخرى كاختصاص له هويته وله حدوده وقابل لأن يفرض لغته ومصطلحاته على الاختصاصات الأخرى، أم أن أي تحليل سردي يمكن أن يندرج في إطار السرديات ما بعد الكلاسيكية؟ موضحاً أن ذلك من الجوانب التي تُعدّ محط نقاش وحوار بين المشتغلين في السرديات.

كما اعتبر صاحب "معجم السرديات" أن "تطوير المفاهيم والمصطلحات وأفق الدراسة السردية عربياً هو الرهان الحقيقي الذي يمكن أن يسهم في جعل السرديات ما بعد الكلاسيكية مؤسسة على خلفية دقيقة"، مؤكداً أن "جعل أي عمل سردي مهما كان نوعه وأية نظرية للسرد مهما كان نوعها باعتبارها سرديات ما بعد الكلاسيكية هو نوع من الفوضى التي لا يمكن أن تخدم الاختصاص".

وختم يقطين بالإشارة إلى أنه "من دون توفير بنيات البحث العلمي وإقامة المختبرات والمراكز على أسس دقيقة تراعي أهمية وشروط العمل البحثي العلمي، فإنه لا يمكننا أن نؤسس للسرديات ولا أن نعمل على تطويرها، وسنظل نبحث في متاهة، كما كنا نتحدث سابقاً عن السرد أو النقد وعلاقته بالمجتمع وعلم النفس. وبالتالي، فإن أفق تطوير السرديات هو أن توضع في نطاق ما يسمّى الآن بـ"الإنسانيات الرقمية"، وبذلك يمكن أن تصبح قادرة على تحليل السرد الشفاهي والسرد الكتابي والسرد الطباعي والسرد الرقمي من خلال الاستنارة بالتصورات الأدبية والنظريات، وأن تعمل على الاستفادة من الدراسات الحديثة في تحليل الصوت والصورة".

المساهمون