السينما والفُشار

السينما والفُشار

12 أكتوبر 2014
الفشار أكبر من السينما في العمر(Getty)
+ الخط -
يعدّ الذرة ثالث أهمّ منتج زراعي بعد الأرز والقمح. ومن أبرز الدول التي تنتج هذه النبتة فرنسا والأرجنتين. والموطن الأصلي لها هو جنوب المكسيك. وهي نبتة تنقسم إلى أنواع عديدة، أهمّها: الذرة السكريّة، التي تستعمل في السلطات، إما مسلوقة أو نيئة، والتي تباع داخل علب زجاجية أو معدنية مع مواد حافظة داخل المتاجر الاستهلاكية. وأيضاً هناك الذرة المنغوزة، وهي تستعمل للأعلاف الحيوانية. كما يستعمل الذرة في إنتاج الزيت النباتيّ والدقيق. والأشهر طبعاً ذرة الفُشار، أي الـPop Corn، كما يُطلق على الفشار باللغة الإنكليزية. وهي التسمية الأكثر انتشاراً حول العالم، في بلاد اللغات المختلفة.

والإسم العلميّ هو "الذرة المفرقعة". إذ تتوسّع نواة الذرة عند تعرّضها إلى الحرارة، فيصبح حجمها أكبر، بسبب المياه الموجودة داخل البذرة، فيصبح شكل حبّة الذرة عشوائياً بملمس هشّ جداً ويكون لونها أبيض. مع التطور العلمي تنوّعت طرق فرقعة الفُشار (البوشار، باللهجة المحكية في عدد من البلدان العربية)، وأبرز طرق صناعتها من خلال آلات الفُشار التجارية التي جرى اختراعها في العام 1885 من قبل شارلز كريترز. ومن يومها بات الفُشار من أهمّ الوجبات السريعة المرتبطة بالضيافة، خصوصاً في أثناء مشاهدة أفلام السينما، إلى جانب رقائق "الناتشوز" (Nachos) والمشروبات الغازية.

لكن تبيّن أنّ الفشار أكبر عمراً من السينما نفسها. فبعد خمس سنوات من اختراع آلة صناعة الفُشار، اخترعت أوّل كاميرا تنتج صوراً متحرّكة، أو ببساطة جرى اختراع "كاميرا الفيديو"، في العام 1890. في البدء لم يكن الفُشار موجوداً في صالات العرض السينمائية، بل كان يجري بيعه أكثر في أماكن السيرك والمهرجانات الاستعراضية. كما لم يكن في الإمكان تحمّل صوت قرمشة الفُشار أثناء مشاهدة فيلمٍ صامت. ففي تلك الحقبة، كانت تُنتج الأفلام من دون صوت، حتّى العام 1927. مع تطوّر الإنتاج السينمائي ودخول الصوت إلى الأفلام المتحرّكة، وازدياد مدّة أفلام السينما، بدأت تظهر عربات الفُشار خارج صالات السينما.

ومع الوقت، عندما أصبحت صالات السينما كبيرة نوعاً ما، بدأت تخصّص ركناً لعربات الفُشار التي كانت تبيع زبائن السينما بشكل يدويّ، أيّ بالطبخ العاديّ ومن دون أيّ تكنولوجيا. إلا أنّ ماكينات صناعة الفُشار باتت متداولة في السوق وأثبتت جدارتها في زيادة كميات الإنتاج وسرعتها في تقديم الطلبات، مع ازدياد روّاد السينما.

كما أنّ هذا المنتج أثبت جدواه في تأمين الربح الاقتصاديّ الكبير. إذ إن كلفته قليلة جداً مقارنة بهامش الربح الذي يحقّقه. وسعر المبيع كان في متناول الفقير والغنيّ، ما ساهم في بيعه بكميّات كبيرة. أما الآن في عصرنا هذا، فقد تحوّلت عربات الفُشار إلى أكشاك كبيرة تمتدّ على مساحة صالات السينما، وتقف أمامها طوابير طويلة من روّاد السينما. يبتاعون الفشار على أنواعه: فُشار بالكراميل، فُشار بالشوكولا، فُشار بالجبنة، فُشار بالزبدة، فُشار بالعسل، فُشار بالثوم والبصل، فُشار بالحرّ، وغيرها الكثير من الأنواع الجديدة. وفي كلّ نكهة يتغيّر لون الفشار، من البنيّ إلى الأصفر والأحمر والأزرق والأبيض...

ثم انتقلت هذه الأنواع إلى البيت أيضاً، إذ أصبحت مقاديرها وكيفية تحضيرها بمتناول الجميع داخل وصفات في المجلات الخاصّة بالطبخ وعلى المواقع الإلكترونيّة الخاصّة بالطهيّ. كما باتت متوافرة في أكياس يمكن طهيها داخل طناجر عادية على النّار باستخدام الزيت أو الزبدة. بالإضافة إلى توافرها داخل أكياس ورقية يمكن طهيها بسرعة كبيرة، خلال ثوانٍ قليلة، داخل آلات المايكرويف، وأيضاً بنكهات مختلفة. وجرى اختراع ماكينات منزلية تطهو الفُشار بطريقة تشبه تلك التي تُبَاع في صالات السينما. وحتّى الكلفة الشرائية للفُشار في المراكز الاستهلاكية لا تتجاوز الخمسة دولارات أميركية. ومثلما انتقل الفُشار إلى البيت، السينما أيضاً انتقلت معه إلى البيت، فأصبحت الأفلام متوافرة على أقراص مدّمجة يجري عرضها عبر DVD Player، أي مشغّل الأقراص المدمجة. إذ يجتمع الأصدقاء يوم العطلة أو في الليل ويشاهدون أفلامهم المفضّلة، القديمة والجديدة، طبعاً مع الفُشار وأكياس البطاطا والمشروبات الغازيّة. وحتّى العشّاق راحوا يُفضّلون "DVD Night"، أيّ يحبّون مشاهدة الأفلام في البيت مساءً بدلاً من الذهاب إلى صالات السينما. إذ تُعتَبَر الليلة أكثر رومانسية لهم، وربما أقلّ كلفة على الصعيد الماديّ، بالنسبة إلى العشّاق الفقراء أو العاطلين عن العمل منهم.

وإذ صارت أفلام السينما متوافرة بكثرة، بسبب عمليات النسخ، وبأسعار متدنية، بات في الإمكان أكل الفُشار ومشاهدة فيلم سينمائيّ بخمسة دولارات فقط. وأيضاً يمكن إطفاء الضوء وتحويل غرفة البيت إلى صالة عرض خاصّة.

وهكذا ارتفعت أسهم الفُشار في المنازل، بعدما كانت حكراً على السينما، وبات سوقها أكبر وبيعها أشمل.

لكن، في زمن "الدايت"، هل يحمل الفُشار الكثير من السعرات الحرارية؟ وهل يزيد الوزن أم أنّه وجبة معتدلة؟ سألنا المتخصّصة في برامج التغذيّة اللبنانية، نعيمة بوّاب، التي أكّدت أنّ الفُشار "يُعتَبَر من الحبوب الكاملة، إذ يعتبر مغذّياً، وهو غنيّ بالألياف والفيتامينات، خصوصاً الفيتامين "ب"، وبالتالي يمكن اعتباره وجبة كاملة وسريعة يُنصَح بها ما بين وجبة الغداء ووجبة العشاء". وشرحت، في حديث لـ "العربي الجديد"، أنّ "كلّ ثلاثة أكواب من الفُشار تعادل ثمانين سعرة حرارية، أي ما يوازي فلقة خبز، أي نصف رغيف فقط". وهي تنصح بأكله "أكثر من الشوكولا وأكياس الشيبس (البطاطا المقلية المعلّبة).

وقالت إنّ الفُشار يُوصَف في بعض الحالات للأشخاص الذين يعانون من "الإكتام ومشاكل المعدة، إلا أنّه يؤذي الجسم عند إضافة الملوّنات والنكهات، الاصطناعية منها أو الطبيعية، مثل الزبدة أو الكراميل أو الشوكولا. هذه المكوّنات التي غالباً ما تُباع مع الفُشار في صالات السينما".

دلالات

المساهمون