موسم الحناء المغربية

موسم الحناء المغربية

03 يونيو 2015
الحناء على أيدي النساء (Getty)
+ الخط -
رغم تنوع بيئتهنّ الثقافية والاجتماعية، تلتقي النساء المغربيات بفضاء متعارف عليه لاستخدام الحنّاء في الزينة وتخضيب اليدين والقدمين بزخارف مختلفة باختلاف المدن والبوادي. وتحظى الحناء عندهنّ بمكانة قبل وبعد الزواج بعد أن ارتبطت بمتخيل عامة الناس على أنها نبتة من الجنة وجب تقديسها حدّ النعمة ومعاملتها بلطف. كل ذلك جاء بوراثة المعتقدات والأدوار الاجتماعية من جيل لآخر.
في الطقوس الاحتفالية كالأعراس، تبقى الحنّاء مكوناً من مكونات الحفل لا يمكن الاستغناء عنه ولا يستثنى العريس منه أيضاً، حيث يخضب وسط كفه على شكل دائري دلالة على مشاركته عروسه ابتهاجهم بالفرح.
أما العروس، فبعد أن تلبس القفطان تُحنّى بواسطة امرأة تنقش الحنّاء بشكل جميل، ويشترط أن تكون طيبة القلب حتى تعطي الحنّاء مفعولها الصحيح في الوضوح والبروز. هذا ما قالته بعض النساء اللواتي يجلسن في ساحة جامعة الفنا بمراكش وبسوق الأحد في أكادير لـ"العربي الجديد".

إقرأ أيضاً: عيد باكستان.. فرحة مشتركة


سميرة، التي كانت تجلس أمام محلّ مخصص لنقش الحناء في سوق الأحد، تقول: "ورثتُ عادة الحنّاء من أمي التي كانت تنقشها بالعود وتستخدمها لترطيب الشعر والتداوي من الجروح والأمراض الجلدية"، متابعة: "يكثر الإقبال عليها عند ارتفاع درجات الحرارة". ومن الشائع أن الناس تحكم على ظاهرك من نقش حنائك، وفق كلامها.
على باب الدكان، تضع سميرة لائحة لأشكال النقش المتنوعة بين الصحراوي المغربي (الشُلحي) الذي يتميز بأشكال طبيعية أو نقش فاسي أو مراكشي، أو الخليجي أو الهندي ذي الخطوط المكثفة، وتخلط الحنّاء المغربية التي تسوق غالبا بمراكش بالماء وقليلا من الزيت ومادة "التوليا" الكيماوية تباع في الأسواق وتساعد على إعطاء نضارة للحنّاء، في حين كانت النضارة في الماضي تأتي من إضافة الليمون والشّبة.
كما لا يختلفن على توظيف الحنّاء في المناسبات الدينية، إذ يكثر إقبالهنّ على نقشها احتفالا بيوم المولد النبوي، والأيام المباركة في شعبان، أما
. كما يتخضبن بها يوم ختان الأطفال الذكور.


تقول سميرة: "لا مكان للجلوس بأيام العيد ورمضان. الكل يأتي لينقش الحنّاء".
ما قبل الزواج، ترتبط برغبات الفتيات المراهقات المكبوتة التي تتمثل بنقش رمزي يوحي إلى الحبيب أو اسمه أو صفة يوسم بها. تتزين بها المرأة الحامل بشهرها السابع تيمنا بولادة مباركة، وبمناسبة العقيقة لا بدّ للمرأة النفساء من الحنّاء.
تقول بشرى الشيتواني إن "المرأة السوسية تتشبث بالحنّاء السوداء والغامقة جداً، وتمنع الفتيات الصغيرات من تخضيب القدمين، لأنها علامة على الزواج. ومن ترغب في شعر أحمر أو جسم أبيض يضاف لخليط الحناء العكّار الفاسي والشاي مع البنجر (البربار)"، مضيفة: "الرجل السوسي يحب أن يرى المرأة المحنية يديها وقدميها، وسواك في فمها، وكحل أمازيغي تقليدي في عينيها. وعادة أخرى أن المرأة تباشر بالحنّاء وكأنها عروس عندما يعود زوجها من سفر طويل مع حمام بزيت وكريمات مصنوعة من الأركان". وعن حنّاء المرأة بالشهر السابع، أوضحت الشيتواني: "تنتشر هذه العادة عند العرب في مدينة فاس ومكناس ومناطق الداخل والشمال، ولكن منطقة سوس جهة أكادير تتأثر بها، فأصبحت المرأة الحامل تدعو صديقاتها وجيرانها لحفلة تلبس فيها لباسا تقليديا، وتحنى درءاً للحسد وحماية حملها من الإجهاض، وتطعمهم اللحم لتمرّ ولادتها بسلام. تنقش على يديها وقدميها. المرأة السوسية تبدأ بالحناء منذ شهورها الأولى، وتستخدمها بالحمام مع الحامض لتقشير الجسم وتوريده، أي جعله ورديّاً".
ومن الطقوس الاحتفالية أن النساء في الماضي كنّ لا يشترين الحنّاء المطحونة، إنما يجتمعن قبل العيد بثلاثة أيام ويطحنّها بالرحى مع غناء وأهازيج استقبالا له، وذات العادة تطبق في مواسم الأعراس. أما في زاكورة فيعدّون خلطة الحنّاء مع الورد للعروس حتى يشمّ عريسها رائحتها عند الدخلة. كما يضفرون لها ضفائر مخضبة بالحناء، وبعد اليوم السابع من انتهاء العرس تذهب للحقول بعد أن تضع حزاما من حرير تيمنا بالإنجاب الكثير، كما ذكرت الشيتواني.
تُزال الحناء الجافة بالعطر، وتغسل كفّا العروس بالحليب في إناء حتى تتمكن أمها أو قريبة لها أن تلقيه على جذع شجرة أو غرسة ما حتى تصبح حياتها مثل الحبق. كما تجب إزالتها بإسوار من الفضة درءاً للحسد، وتُخبأ عن الناس ظنّاً حذراً من السحر والشعوذة.


الحناء ضمن خط المغرب الأخضر

تزدهر زراعة الحناء بمنطقة الجنوب الشرقي الممتد من تزارين إلى حدود فم زكيد، بإقليم طاطا المغربي منذ مئات السنين. لذلك تتميز بالجودة خصوصاً القادمة من "حوض المعيدر" بإقليم زاكورة، نتيجة العوامل البيئية التي تتميز بها المنطقة كالتربة، والمناخ الجاف والحار، وتوفر الضوء اللازم لشتلة الحناء. وتنتشر زراعتها على مساحة إجمالية تقدر بـ1640 هكتارا، كما يبلغ الإنتاج السنوي 2160 طنا.
ويقوم المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بمدينة ورزازات الآن باعتماد دراسات وتجارب مخبرية لاستخراج الزيوت من وردة الحناء، وإعادة تأهيل عملية الهيدروفلاحية كالسواقي، وتقنيات الريّ، والأراضي، واستخدام الأسمدة من أجل زيادة الإنتاج والتنافس في الأسواق ضد الحناء المستوردة من الهند أو باكستان، ومن أجل تحسين المدخول المادي للمنتجين كما أشار بدر رغوب، المهندس الزراعي التقني، مضيفاً: "تستهلك الحناء المحلية بنسبة 90%، بينما 5% تخضع للطحن والتعليب"، مضيفا بأن "الحنّاء ترتبط بعادات وتقاليد الفلاحين والناس بشكل عام".

المساهمون