الدراما السورية: قصة موت معلن... ولا عزاء لسنتياغو

الدراما السورية: قصة موت معلن... ولا عزاء لسنتياغو

17 يونيو 2015
دراما النساء الثرثارات (العربي الجديد)
+ الخط -

تختلط أوراق صناع الدراما السورية اليوم، حتى يبدو حال الدراما حال من "ما طال بلح الشام ولا عنب اليمن"، فتذهب الأسماء الفنية المهمة التي شاركت في صنع مجد الدراما يوماً للعمل بتكنيك فني سوري في أعمال ليست سورية، وتقدم أعمال أخرى بفريق سوري كامل وبمستوى فني مهم ولكنها تفتقد ملامستها لليومي المعاش في الحياة السورية. وبالمقابل تنشغل أيد بدائية تفتقد سحر المهنة بصناعة دراما بدائية بمستوى أقل مما اعتاده الناس من دراما السوريين، وفي الحالات الثلاث نجد أنفسنا أمام موجة دراما سورية لا تشبه ماضيها، تكبر وتسود خلال السنوات الأخيرة الفائتة، حتى تحجب النذر اليسير مما ينتج من دراما تمتاز بخصوصيتها المحلية، وبصناعتها الفنية الخبيرة.

ببساطة تعيش الدراما السورية اليوم الحالة ذاتها التي مر بها "سنتياغو نصار" بطل رواية ماركيز "قصة موت معلن" قبيل قتله على يد الأخوين "فيكاريو"، فالكل يرى أنها ذاهبة إلى حتفها، ولكن لا أحد يفعل شيئاَ لإيقاف نزيفها، رغم أن الدراما السورية حافظت على معدل إنتاجها المعتاد خلال السنوات الأخيرة، بل وتجاوزته هذا العام بتجاوزها حاجز الثلاثين عملاً.

نزيف الدراما السورية، على سبيل المثال، لا الحصر، سببه في موسم واحد، يأتي هذا العام من ذهاب جهد المخرجين الليث حجو وسامر برقاوي ورشا شربتجي ومعهم الكتاب نجيب نصير وريم حنا ونور شيشكلي، والنجوم تيم حسن وعابد فهد وآخرين في تقديم أعمال "بان آراب" (Pan Arab) التي لا يمكن أن تنسب إلى الدراما السورية مع تعدد لهجاتها وتغريب حكاياتها، وإن نسب الفضل في نجاحها للسوريين.. وبالتالي هم يدخلون المنافسة الرمضانية من بوابة غير بوابة الدراما السورية، ومعهم يدخل نجوم مسلسل "بنت الشهبندر" وكاتبه هوزان عكو والمخرج سيف سبيعي.

وبالتوازي سينشغل صناع مسلسلي "نادي الشرق" و"العراب" وهم نجوم كبار في الإخراج والتمثيل والتأليف بصناعة مسلسل سوري يفتقد الخصوصية المحلية السورية، حتى لو كانا يعبران عن حالة سورية بأضعف إيمان حكايتهما، ولكنهما يستجيبان من حيث الشكل، على الأقل، لصورة مأخوذة بأجواء الدراما التركية، التي تفوح منها رائحة العطر وفخامة المظهر ووسامة الرجال والنساء، وإلا لماذا رواية "العراب" اليوم، ولماذا الذهاب في أجواء الجريمة المنظمة، وإن كان الملح والضروري اليوم كشف إمبراطوريات الفساد، فهل أهمية ما تطرحه رسالة العملين تتطلب الذهاب إلى لعبة (سورنة) جزئية أو كلية لرواية ماريو بوزو الإيطالية، وكأن حكايات تلك الإمبراطوريات في سورية ليست (مرمية على قارعة الطريق)، والتقاطها أسهل من بذل الجهد في انطلاق من رواية (العراب) أو (سورنتها)..؟!

اقرأ أيضاً: الدراما اللبنانية: عشرة مواضيع محظورة




تلك الأسئلة لا تلغي أننا سنكون أمام مسلسلين سوريين، تشير الملامح الأولى لهما أنهما سيكونان من أهم الإنتاجات الدرامية السورية، ولكنهما ليسا بالضرورة الأقرب إلى ملامسة واقع المجتمع السوري، نتكلم عن المعاش اليومي في الحياة السورية، ولا نقصد حصر الواقع بالحرب السورية وآثارها السلبية.

وبالتوازي ستواصل ما يعرف بمسلسلات البيئة الشامية، اللعب في السوق حسب أحكامه الاستهلاكية، حتى عمقت جرح ابتعاد الدراما السورية عن خصوصيتها المحلية، بإصرارها أن الشام مجرد معارك خناجر وتفتيل للشوارب وصراعات نساء، واستجابة للعبة السوق أيضاً ستبالغ دراما "صرخة روح" بقصص الخيانة والحرام، مأخوذة بما كنا نعتقده سر انتشار الدراما التركية بمقاربتها قضايا مثل الحب الحرام.

 وبعد أن كنا نفخر بموجة (دراما الحب) السورية في "أهل الغرام"، و"ندى الأيام" و"سيرة الحب" و" اسأل روحك"، و"هيك تجوزنا"، وهاهم منتجو "صرخة روح" يؤسسون لـ (دراما الحرام) فيقدمون جزءاً ثالثاً من خماسيات الخيانة الزوجية ويسوقونه بأسماء نجوم تمثيل كبار، النجوم أنفسهم الذين سيخرجون علينا بعد قليل لينظّروا علينا برسالة الفن وسموها، الفن ذاته الذي باعوه وهو يوقعون عقود "صرخة روح".

الحكايات الهجينة سيزيد طينها بلة منتجون يجيدون لعبة (الأرخص يكسب)، بتقديمهم لأعمال متواضعة فنياً وإنتاجياً، عبر أسماء مغمورة وهاوية، ويسوقونها تحت اسم الدراما السورية.. أولئك باتوا يحجزون لأنفسهم ما يفوق عشرة أعمال سنوياً، وتجد أعمالهم طريقها إلى الفضائيات، باعتبارها بضاعة سورية رخيصة، لتكرّس بعرضها رداءة فنية تحسب على الدراما السورية، رغم أن هذه الأخيرة بريئة منها.

مع انتشار دراما "باب الحارة" وأخواتها، وتبنّي نجوم كبار لدراما الخيانة والحب الحرام وتوسع تمدد المسلسلات المنتجة بكلف رخيصة وبمستوى فني رديء، ستبدو مهمة تبديد ما تكرسه هذه المسلسلات من مضمون فكري ومستوى فني صعبة للغاية، ربما يتجاوز مخرجو الدراما السورية المخضرمون ونجومها اليوم حاجز الرداءة الفنية بتقديم أعمال سورية وصناعة أخرى بروح سورية مميزة، ولكن من يزيح الصورة النمطية التي كرستها تلك المسلسلات عن السوريين..؟

هل يستطيع مسلسل "حرائر" إزاحة الصورة النمطية التي كرستها دراما البيئة الشامية عن النساء السوريات، بنسائه اللواتي يحملن رسالة التنوير ويسبقن الرجال أحياناً في حملها، هل ستبدد ماري عجمي ونازك العابد صورة أم عصام وفريال في أذهان الناس؟ كم يستطيع وجع السوريين في "غداً نلتقي" و"بانتظار الياسمين" و"وجوه وأماكن" وسواها.. أن يطغى على إثارة الصورة والكلمة في حكاية الخيانات والحب الحرام.. هل بوسع حكايات "دنيا" العفوية تبديد هزالة الضحك في ما يقدم على أنه كوميديا سورية؟

الصورة السابقة للدراما السورية ليست نهائية، والحكم عما بوسع إنتاج 2015 أن يفعله تبقى رهن العرض، ولكن ذلك لا يمنع من القول إننا نشهد نذير حالة موت للدراما السورية شبيهة بموت"سنتياغو نصار" في رواية ماركيز (قصة موت معلن)، فصناع الدراما (لا تجارها) اليوم موزعون اليوم بين من يشبه صديق سنتياغو (كريستوبيدويا) الذي تحول ظروفه ومشاكله من منع قتل صديقه، وعمدة القرية الذي يتباطأ في منع الأخوين (فيكاريو) من اقتراف الجريمة لاعتقاده أنها لن تتم بسرعة، وبين من يشبه أم سنتياغو التي أغلقت الباب في وجه ابنها وهي تعتقد أنها تغلقه في وجه قاتليه، ومن صناع الدراما أيضاً من يشبه سنتياغو نفسه الذي يرى موته بعينه ولا يدافع عن نفسه. ويبقى أشد ما أتمناه أن أكون أنا مثل الأخوين (فيكاريو) استعجل الحكم على ما تنجزه الدراما السورية اليوم، كما استعجلا هما الحكم على سنتياغو، ونكون كلنا، أنا والأخوان القاتلان، مخطئين.

 

دلالات

المساهمون