جدران الثورة السورية في باريس

جدران الثورة السورية في باريس

09 مارس 2015
ثورة بدأها الأطفال على الجدران واغتصبها الكبار(Getty)
+ الخط -
مع أنني أذهب من حين لآخر إلى "المطعم السوري" في باريس، لكنني لم أنتبه إلا في المرّة الأخيرة لجدرانه من الداخل. اعتدت الجلوس في الخارج، مختارة، على الأغلب، طاولة الزاوية على الرصيف، لأتمكّن من العثور على ركن ملائم لنرجيلتي.

بسبب الطقس البارد أولاً، وموعدي الصباحي الباكر على توقيت النرجيلة، جلسنا في الداخل، أنا وصديق سوري قادم من لندن، وكان هو من حدّد المكان: "المطعم السوري"، الذي يعرفه أغلب السوريين، المعارضين أو المقربين من المعارضة.

انتبهت بغتة إلى الجدران، واندهشتُ من نفسي: لكنّها ليست المرّة الأولى التي أجلس فيها في الداخل. ولكن ربما مضى وقت على تلك السهرة الواسعة التي جمعتنا، مجموعة كبيرة من السوريين، توجهنا لتناول العشاء، بعد أن حضرنا الأمسية الشعرية مع الأصدقاء الشعراء القادمين من عدة أماكن آنذاك: تركيا ـ ألمانيا - فرنسا.. ربما بسبب الازدحام والفوضى، وكثرة الأصدقاء، وتنقّلنا من طاولة لأخرى، ليتسنّى لنا التحدّث مع بعضنا. كنا نتبادل الكراسي، ما بين الصالة الداخلية و"التراس" في الخارج، فلم أنتبه إلى الجدران.

ربما ظاهرة الكتابة على الجدران ليست محصورة في الثورة السورية، التي اندلعت من كتابات أطفال درعا على الجدران، فظاهرة الغرافيتي اليوم صارت عالمية، ولا تخلو الكثير من جدران كبرى العواصم الغربية، كباريس أو بروكسل أو غيرهما، من الكتابات والرسوم التي يخطّها عابرو سبيل نزقون، أو فنّانو الغرافيتي المحترفون، والتي غالباً تتمّ بشكل خارج عن القانون. أما أن توجد هذه الكتابات داخل مقهى في أوروبا، مُكتسبة هذه الشرعية، فأغلب الاعتقاد أنها ظاهرة سورية.

في مدينة ليون، ومن المطاعم التي زرتها، تفنّن أصحاب تلك الأماكن، في جعل الزبائن يمارسون تعبيراتهم، وكانت تتجلّى مثلاً في قصاصات ورقية، يكتبها الزبائن بعدّة لغات، ويثبّتها صاحب المحل بدبابيس أو بشريط لاصق على الجدار، بما يشبه التواقيع والعبارات التي يخطّها زوار المتاحف والمعارض، والتي غالباً تحمل طابعاً عاطفياً يعبّر عن رضا الزبائن عن خدمات المكان ووصف الطعام. أما أن يُخصص الجدار لقضية، فهذه، أغلب الاعتقاد، ظاهرة سورية.

الفارق بين ظاهرة الغرافيتي العشوائية، أو المنظّمة في الشوارع ومحطات المترو والقطارات الكبرى، أنها تخلو غالباً من أسماء أصحابها الصريحة، لكنّ جدران "المطعم السوري" تحمل أسماء شخصيات معروفة بين السوريين، ناشطين وفنانين وسياسيين وطلاب ولاجئين... دوّن كلّ منهم عبارته، وكتب اسمه الصريح.. وهو بهذا يثبّت موقفاً سياسياً، لا مجرد تعبير نزق على الجدار.

بين الاحتجاج الاجتماعي والفنّ، كأحد أسباب ولادة "فن الشارع"، تبقى جدران المطعم السوري، حالة مختلفة، فالجدار داخل المقهى، ولكنه ينتمي إلى مدرسة الشارع، ولكنها تنوس بين مفهوم الثورة، وتقترب من الشكل الفني، بحيث جدران الثورة هي أيضاً الشكل الجمالي والوجه السلمي للثورة التي بدأت من الأطفال، وحاول الكثير من الكبار والكثير من العسكر تغيير مسارها.

إقرأ أيضاً:غرافيتي يخلّد شهداء اليرموك برواية سِيَرَهم على جدران

المساهمون