الكسكس المغربي: أكثر من مجرد وجبة

الكسكس المغربي: أكثر من مجرد وجبة

23 فبراير 2015
الكسكس المغربي: "الجديد لو جدة والبالي لا تفرط فيه"
+ الخط -
لا تكاد تخلو مائدة في المغرب، في البوادي كما في الحواضر، من وجبة الكسكس على الأقل مرة في الأسبوع، لا سيما يوم الجمعة، حيث يتفاءل الكثيرون بإعداد وأكل قصعة من الكسكس بعد أداء صلاة الجمعة، ويعتبرون ذلك نوعاً من الاحتفال بـ"عيد المؤمنين" الأسبوعي.

ورغم تغير عادات الأكل لدى المغاربة بسبب تحولات وضرورات الحياة السريعة، حيث انتشرت بكثرة الأكلات الخفيفة واللجوء إلى المطاعم خارج البيت، لدواعي العمل والانشغال، فإن وجبة الكسكس ظلت محافظة على مكانتها في نفوس الناس.

"الجديد لو جدة والبالي لا تفرط فيه"، مثل مغربي معروف يعني أن "الشيء الجديد يتميز بالجدة، غير أن القديم لا يمكن التفريط فيه"، بهذا ردت رقية علو، (56 عاماً) على مسألة ارتباط المغاربة بوجبة الكسكس، بالرغم من زخم الأكلات الجديدة والسريعة.

وتابعت السيدة، لـ "العربي الجديد"، إن "الكسكس وجبة قديمة في المغرب، وتعود إلى عصور غابرة، فأجدادنا تربوا على الكسكس، وسلموا شعلته إلى أبنائهم ثم أحفادهم، وهكذا سنسلم الارتباط بالكسكس إلى الأجيال الجديدة، لأنه أحد رموز الكرم المغربي، ومن أساسيات المائدة عند الأسر".

وتتذكر السيدة علو كيف كانت والدتها تحرص على لمِّ أفراد أسرتها، ودعوة حتى نساء وأبناء الجيران، من أجل تناول وجبة الكسكس في بيتها كل يوم جمعة، مضيفة أن "عادة العديد من المناطق بالمغرب، أن نساء الحي يتناوبن على إعداد الكسكس كل أسبوع، ويتم اختيار المكان الذي يجتمعن فيه لتناوله".

الباحثة المغربية، ابتسام العوفير، قالت لـ"العربي الجديد" إن الكسكس بات علامة اجتماعية لصيقة بالمغاربة، فبمجرد ذكر الكسكس يأتي على الذهن المغرب خصوصاً، لأن أهله برعوا في إعداده بمختلف الطرق والمكونات، كما أنه يكون حاضراً في مختلف مناسباتهم التي يعيشونها.

ويبدو أن شهرة الكسكس لا تعود فقط إلى ارتباط المغاربة به، كما أيضاً شعوب شمال أفريقيا من جزائريين وتونسيين وليبيين، بل أيضاً لأنه شكل دوماً مثار إعجاب الشعراء والفلاسفة والمؤرخين، فهذا المؤرخ الفرنسي الراحل، شارل أندري جوليان، خص الكسكس باهتمام كبير في كتابه "تاريخ أفريقيا الشمالية".

أما الشاعر المغربي، سعد سرحان، فقد أفرد لوجبة الكسكس حيزاً طاغياً في كتابه الذي صدر حديثاً، ووسمه بعنوان "ديوان المائدة"، حيث وصفه بأيقونة المطبخ المغربي، وقال إنه يستحق أن يُؤلف من أجله كتاب ضخم يشترك في تأليفه نخبة من علماء التغذية، والأنثروبولوجيا، والتاريخ، والأركيولوجيا، والسيميائيات، وغيرها من العلوم.

وحاول سرحان أن يؤرخ لأصل ومبتكري الكسكس، فقال "لأن الأجداد الأوائل في أرض المغرب هم الأمازيغ، فمن المرجح أن يكونوا هم من أبدعوه، ذلك أن كلمة "كسكسو" كلمة أمازيغية وتعني كويرات أو حبيبات"، مبرزاً أن "الكسكس ليس له ملامح المدينة، بل هو سليل الجبال".

ويُتناول الكسكس، الذي يصنع من طحين القمح والذرة، إما باليد مباشرة، وهي عادة أغلب أهالي القرى والبوادي، أو بالملاعق كما يفعل أبناء هذا الجيل من الشباب، فيما يتم إعداده من طرف ربات البيوت الطاهيات الماهرات، عن طريق الفتل والبخار، قبل أن تضاف إليه الخضر واللحم أحياناً.


اقرأ أيضاً: خديجة المراكشية تعشقُ صباغة الكراسي

المساهمون