هل نحن أحرار على وسائل التواصل؟

هل نحن أحرار على وسائل التواصل؟

20 نوفمبر 2014
يعتبر المستخدمون أن الرقابة الاجتماعية أسوأ من رقابة الحكومات(Getty)
+ الخط -
في البداية، كانت وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة إطلاق العنان لحُرّيتنا كأشخاص. هكذا، جاءت طفرة استخدام هذه المنصّات في الثورات حول العالم. وكانت الثورة الأبرز في نشر الأخبار وانتقالها على مواقع التواصل في مصر تحديداً، بعد كُلّ التعتيم الإعلامي الذي قام به نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك.

لكنّ هذه المنصّات لم تعُد بمثابة ناقل للخبر فقط. أصبحت جُزءًا لا يتجزّأ من حياتنا. بتنا نستعملها للتواصل مع أصدقائنا، وعائلتنا، أو حتى لإيجاد عمل أو التعرّف على أشخاص حول العالم. لكنّ هذه الوسائل سُرعان ما تحوّلت إلى رقيب يتعدّى على خصوصيّة الأشخاص. وليست حكومات الدول وحدها من يُمارس تلك الرقابة، بل حتى البيئة الاجتماعيّة الملاصقة للمستخدم، والتي تتمثّل في العائلة، الحبيب، الأصدقاء أو حتى ربّ العمل. كما أنّها تحوّلت لبيئة لتجنيد "الجهاديين".


الأهل... عدوّ مواقع التواصل؟
خرجت صوفيا (اسم مستعار) من منزل عائلتها في لبنان، بعد إشكال معهم، لتحاول الحصول على هامش حُريّة كانت محرومةً منه. أنهت دراستها الجامعيّة وعملت في إحدى الشركات. وكما الجميع، أنشأت حساباتٍ خاصّة بها على مواقع التواصل. هُناك، كانت على طبيعتها.
فكتبت ما فكّرت فيه على "تويتر"، ونشرت آراءها على "فيسبوك"، كما نشرت صورها على "إنستاغرام". كُلّ هذا كان طبيعياً، إلى حين بدأ أهلها بممارسة رقابة على حساباتها. فباتوا يُرسلون لها تهديدات لقاء ما تنشره من آراء، وبنشر صورها المأخوذة من "إنستاغرام"، لابتزازها وتشويه سُمعتها في المنطقة التي نشأت فيها.
تقول صوفيا في حديثها لـ "العربي الجديد": "كان كُلّ شيء محتملا إلى أن تواصل والدي مع أحد الأحزاب اللبنانيّة، لمحاولة ابتزازي وتهديدي، فقط لما أنشره". وتُضيف: "ليس هذا فقط، فقد شوّه سُمعتي من خلال تصويري على أنّي عاهرة، فقط لأنّ لدي أصدقاء من الجنس الآخر".
وكانت الضربة القاضية، كما تقول صوفيا، عندما قام والدها بالتواصل مع إدارتها في العمل، وزملائها، ليُرسل لهم صورها أيضاً، وتعليقات عنها بالإضافة إلى مطالبته لهم بفصلها من العمل.... وهذا ما حصل فعلاً!

أرباب العمل: الآراء ممنوعة
لعلّ أبرز ما عُرف عن موقع "تويتر" هو استخدامه من قبل الأشخاص لنشر تدويناتٍ قصيرة عن حياتهم اليوميّة. وبطبيعة الحال، فإنّ العمل جزءٌ منها. يروي عادل (اسم مستعار) أنّه كتب في إحدى المرّات رأيه السياسي بخصوص الوضع في مصر. وكان ما كتبه مُنافياً لرأي مديره، الذي يُؤيّد نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، بينما عادل يُؤيّد الثورة المصريّة.
وكتب عادل حينها في تغريدة: "مهما طال الظلم، سيأتي يوم وتنتصر الثورة... الثورة
مستمرّة...". فما كان من مديره إلا أن فصله من العمل، بعد مشكلةٍ اختلقها معه ودامت ستّة أشهر، بحسب ما يروي عادل لـ "العربي الجديد".
أمّا فادي (اسم مستعار)، فقد كتب تغريدةً على حسابه على "تويتر"، تحدّث فيها عن المشاكل التي تواجهه في العمل، وطريقة تعامل مديره معه ومع زملائه، في ما اعتبره "تقليلاً من شأنه كإنسان وقلّة احترام لكرامته". وأضاف في تغريدة أخرى: "المشكلة أنّني لا أستطيع ترك العمل، فلديّ مسؤوليّات وعائلة، ولا فرص عملٍ أخرى!".
هذا الأمر، قرأه مدير فادي. وأدّى أيضاً، إلى فصله من عمله، كما يروي لـ "العربي الجديد".

الشريك العاطفي أيضاً
دخلت يارا (اسم مستعار) في علاقةٍ عاطفيّة مع عمر منذ 3 سنوات. تروي الأخيرة كيف كانت علاقتهما مليئة بالحُبّ والمشاعر المرهفة في بدايتها، لكنّها تحوّلت بعد ذلك لتحمل الكثير من الشكّ في طيّاتها، بعدما حصلت يارا على وظيفة جديدة. بدأ عمر حينها بممارسة رقابةٍ على حسابات يارا على مواقع التواصل. "لا يُمكن ان تنشري صورك بعد الآن... هُناك رجال قد يرونها"، كان يقول لها. وتواصلت الأحداث، بعد رضوخ يارا لعمر بسبب مشاعرها تجاهه،
لتصل إلى مرحلةٍ منعها فيها من الحديث مع أصدقائها من الجنس الآخر، وإجبارها على مسحهم عن حسابها على "فيسبوك".
تقول يارا لـ "العربي الجديد": "أحسستُ أنّي لم أعد أحتمل العزل الاجتماعي الذي وضعني فيه. لم يكُن بوسعي الخروج مع أي من أصدقائي، ولا حتى التواصل معهم افتراضياً. قطعتُ علاقتي به رغم حُبّي له... لكنّه واصل ممارسة رقابته عبر متابعة كُلّ خطوةٍ كُنت أقوم بها على هذه المنصّات". وتضيف: "الرعب والإحساس بأنّه يُرهبني ويضيق على أنفاسي لم يختف برغم انتهاء العلاقة... فأقفلتُ حساباتي جميعاً!".

الحكومات المنتهك الأبرز للخصوصيّة
بعد انتشار وسائل التواصل بشكل عالمي، فرضت الحكومات نوعاً من الرقابة عليها. هكذا، منعت حكومات دولٍ عدّة، مواطنيها من الولوج إلى مواقع التواصل خوفاً من انتشار أخبار عن ممارساتها بحقّ الشعب، أو قمعها له. ولعلّ أبرز هذه الدول، إيران، التي يخاف المحافظون فيها من تطبيقات "فايبر" و"فيسبوك" و"تويتر"، وحتى "إنستاغرام"! فقامت إيران بحجب هذه المواقع.
لكنّ دولاً أخرى، لم تلجأ بشكل إلى حجب المواقع، إنّما لممارسة رقابة عليها، وضغطٍ على القيّمين عليها للحصول على معلومات منها عن المستخدمين. فكانت من تلك الدول ألمانيا
والنمسا وفرنسا، والهند وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا، وباكستان، والسعودية وغيرها. لكنّ الولايات المتحدة كانت أكثر دولةٍ طلبت بيانات عن المستخدمين على "فيسبوك"، و"تويتر".
وحاول القيّمون على الشبكات الأبرز، كـ"غوغل"، و"فيسبوك"، و"تويتر"، و"ياهو" خلق هامش مصداقيّة مع المستخدمين، فأصدروا تقارير شفافيّة. وفي تقريرها في سبتمبر/أيلول الماضي، أكّدت شركة "غوغل" أنّها تواجه ضغوطاً كبيرة ومتزايدة من الحكومات في مختلف دول أنحاء العالم، للكشف عن معلومات المستخدمين. وأوضح التقرير، أنّ عدد الطلبات زاد بنسبة 15 بالمائة في النصف الأول من عام 2014 الحالي. كما زادت الطلبات بنسبة 150 بالمائة في الأعوام الخمسة الماضية، أي من عام 2009، الذي بدأت فيه الشركة إصدار تقارير الشفافية.
كذلك كان حال "فيسبوك"، الذي أوضح في تقريره الأخير أوائل نوفمبر/تشرين الثاني الحالي تزايد طلب الحكومات لمعرفة بيانات عن المستخدمين. وشهدت الأشهر الستة الأولى من عام 2014، ما مجموعه 34946 طلباً من الحكومات المختلفة في العالم، بزيادة بنسبة 24 بالمائة منذ النصف الأخير من عام 2013 الماضي. كما زادت نسبة المحتوى المقيّد بسبب القوانين المحلية 19 بالمائة، بحسب تقريرها نفسه.
أمّا "تويتر"، فضاق ذرعاً بهذه الطلبات وعدم قدرته على كشف بيانات على مستوى واسع، مما دفعه لاتّهام الحكومة الأميركيّة بانتهاك خصوصيّة المستخدمين، ورفع دعوى قضائيّة ضدّها. وفي أبريل/ نيسان الماضي، اقترح "تويتر" على الحكومة الأميركية نشر تقرير الشفافية، لكنّ المسؤولين رفضوا حتى الآن طلب الشركة لنشر التقرير كاملاً على الملأ. ويتضمّن التقرير معلومات معينة بشأن طبيعة وعدد طلبات المعلومات المتعلقة بالأمن القومي عن مستخدمي "تويتر".

انتهاك لحريّة التعبير
تُعتبر الانتهاكات التي تقوم بها حكومات الدول حول العالم لخصوصيّة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، انتهاكاً لحُريّة التعبير أيضاً. فالحكومات لا تلجأ فقط إلى الطلب رسمياً من القيّمين على مواقع التواصل الاجتماعي معرفة بيانات عن المستخدمين، ولا تلجأ إلى حجب تلك المواقع بشكل تلقائي أيضاً، بل هي تعتمد سياسة المراقبة. وفي رقابتها هذه، تعتقل الحكومات
من لا يُعجبها كلامه وآراؤه على وسائل التواصل. وقامت بذلك مؤخراً السعودية باعتقال سعاد الشمري. كما اعتُقل علاء عبدالفتاح في مصر في السابق، بسبب تعليق كتبته له إحدى المتابعات على "تويتر". وفي لبنان، بدأت الحكومة بممارسة الرقابة والقمع الإلكترونيين عبر مكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة، وكان آخر المعتقلين كريم حوا، بسبب تعليق عن وزير الداخلية كتبه على "فيسبوك".
بالإضافة إلى ذلك، فهناك تقارير عدّة منفصلة عن قمع تُمارسه الحكومات، منها الحديث عن مراقبة المنصّات في مصر، والذي نفته الحكومة المصريّة، بالإضافة إلى حجب مواقع إلكترونيّة عدة في الأردن. وتعمد الحكومات في بعض المرات إلى التحجّج بآفات اجتماعية لفرض رقابتها، وهذا ما حدث مؤخراً في موضوع المخدرات الإلكترونيّة.

المساهمون