لعبة الدمى المتحركة في الإعلام التونسي

لعبة الدمى المتحركة في الإعلام التونسي

11 سبتمبر 2018
(تشادلي بن إبراهيم/NurPhoto)
+ الخط -
نشرت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية في شهر تموز/ يوليو الماضي مقالاً كشفت فيه عن تمويلات بريطانيّة لحملات إعلاميّة واتصاليّة تقوم بها حكومة يوسف الشاهد، في إطار محاولتها إقناع التونسيين بالإصلاحات الاقتصادية التي تقوم بها والتي لا تلقى رضا من قبلهم، خصوصاً أنّها قد أضعفت قدرتهم الشرائية، وهو الأمر الذي تسبب في موجة من الاحتجاجات الشعبيّة.


الحكومة البريطانية، وفقاً لصحيفة "ذا غارديان" كلّفت وكالةً عالميّة مختصة بتولي مسؤولية الحملة الإعلامية والاتصالية وهي وكالة "ساتسي أم سي" M&C Saatchi التي تولّت بدورها التعاون مع وكالة تونسية لتطلق "حملة نحب نخدم" (أرغب في العمل) للتعريف بالإصلاحات الاقتصادية في مختلف المؤسسات الإعلامية التونسية. إلى هنا يبدو الأمر عادياً، فالحكومة التونسية تريد تسويق إصلاحاتها الاقتصادية حتى تقنع التونسيّين بها، لكنّ ما ليس عادياً هو نشر موقع تونسي غير معروف (هو موقع "تونس اليوم" Tunisia Today) لقائمة بالأسماء، عُرضت فيها أسماء صحافيين تونسيين ومواقع إلكترونية اتّهمت بتلقي أموال من بريطانيا لتلميع صورة يوسف الشاهد وحكومته في صراعه مع حزب "نداء تونس" - شقّ حافظ قايد السبسي نجل الرئيس التونسي الحالي.

قائمة الصحافيين التي لم تنشرها "ذا غارديان" ضمّت نقيب الصحافيين التونسيين ناجي البغوري وعدداً من المواقع الإخبارية مثل "بزنس نيوز" لصاحبه نزار بهلول، وموقع "كبتاليس" لصاحبه رضا الكافي. نشر قائمة الصحافيين والمواقع والصحف والإذاعات والتلفزيونات التي تلمّع صورة رئيس الحكومة التونسية عبر موقع مجهول، جعل الكثيرين يعتقدون أن المسألة تتعلق بتصفية حسابات سياسية في إطار لعبة تكسير العظام ولعبة تحريك الدمى الإعلاميّة في الصراع على السلطة بين الشاهد وحافظ قايد السبسي.

بعض الذين أورد موقع "تونس اليوم" أسماءهم، ومنهم نقيب الصحافيين التونسيين، اعتبروا المسألة تشويهاً لهم من قبل لوبي سياسي في تونس، لذلك لجأوا إلى القضاء التونسي. إذ تمّ رفع دعوى من قبل النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين لملاحقة من نشر هذه الأخبار. وكلّف القضاء التونسي، الأمن التونسي، بالقيام بتحريّاته وبحثه، ليفاجَأ الجميع يوم الجمعة 7 أيلول/سبتمبر الماضي، بالإعلان عن إلقاء القبض على المدون والناشط السياسي أديب الجبالي، القريب من شق حافظ قايد السبسي المدير التنفيذي لحزب "نداء تونس". كما أنّ أديب الجبالي سبق له العمل في قناة "نسمة تي في"، حيث تولّى مسؤوليةً داخل مؤسسة "نسمة ديجتال" التي يملكها نبيل القروي، وهو واحد من أشدّ خصوم يوسف الشاهد.



ووُجّهت للجبالي تهمة نشر أخبارٍ زائفة، باعتباره مدير موقع "تونس اليوم" الذي نشر قائمة أسماء عشرين صحافيا تلقوا تمويلاً لتلميع صورة يوسف الشاهد.
وسارع حزب "نداء تونس"، بعد القبض على أديب الجبالي واتهامه، إلى الردّ، عبر نشر المستشار السياسي للحزب برهان بسيس تدوينةً أعلن فيها تضامنه مع عائلة الجبالي. وأكّد أن أديب أُلقي القبض عليه بسبب تدويناته التي وجّه فيها نقداً لعمل الحكومة التونسية ولرئيسها الشاهد، وهو الأمر الذي سخر منه الكثيرون، باعتبار أنّ جلّ التونسيين ينتقدون عمل الحكومة التونسية ورئيسها ولم يزجّ بهم في السجن. أما الخطوة الثانية التي اتّخذها حزب "نداء تونس" تعبيرًا منه عن تضامنه مع المدون أديب الجبالي فكانت قرار الحزب بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية لكشف مصير التمويلات البريطانية لحملة يوسف الشاهد والكشف عن الصحافيين والمؤسسات الإعلامية التي استفادت منها.

في مقابل ذلك، أعلنت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين يوم السبت 8 أيلول/ سبتمبر عن إطلاقها لحملة حماية الصحافيين من الهجمات في الفضاء الافتراضي، وتكليف الطاقم القانوني للنقابة بمتابعة كل اعتداء على الصحافيين في منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونيّة وهو ما يعني أن النقابة ستكون طرفاً رئيسياً في قضية إدانة أديب الجبالي.

ويبدو أنّ الأيام المقبلة تحمل مزيداً من التوتّر في الساحة الإعلاميّة التونسيّة، خصوصاً أنّ الأطراف السياسية المتصارعة على السلطة تحاول استرضاء وجذب الإعلاميين إلى صفّها، وهو ما ترفضه النقابة التي تنادي بالاستقلالية والحياد، وفقاً لما يحدده ميثاق الشرف المهني.