الصفقات مع الحكم تنسف الثقة بالصحافة الإسرائيلية

الصفقات مع الحكم تنسف الثقة بالصحافة الإسرائيلية

18 يناير 2017
يديعوت كانت تلتزم خطاً مضاداً لنتنياهو(توماس كوكس/فرانس برس)
+ الخط -
تهدّد الفضيحة التي تفجرت أخيراً في أعقاب الكشف عن سلسلة لقاءات بين كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وبين مالك صحيفة "يديعوت أحرنوت"، أرنون موزيس، بتقويض ثقة الجمهور الإسرائيلي بالإعلام. وعلى الرغم من أن الكثير من الانتقادات قد وجه في الماضي لطابع العلاقة التي تربط الإعلام بالحكم في دولة الاحتلال، إلا أن التفاصيل المتواترة التي نشرتها الصحف العبرية عن مضامين هذه اللقاءات بين الرجلين، زادت من مستويات الشك إزاء الاعتبارات التي تحكم التغطيات الصحافية للأحداث. 

وكانت التسجيلات لهذه اللقاءات قد تمت بإيعاز من نتنياهو نفسه، وقام بتنفيذها مساعده مايك هارو. وعثرت الشرطة الإسرائيلية عليها في هاتف مايك هارو الذي كان خضع لتحقيق في ملف فساد آخر. ودلت هذه التسجيلات على أن الرجلين تناولا، في لقاءاتهما، محاور كثيرة توحي بشبهات يمكن إدراجها في باب المخالفات الجنائية والرشوة (عرضها وقبولها). وكان هدف نتنياهو الرئيسي من اللقاءات مع موزيس، التوصل لتفاهم، يلتزم موزيس بموجبه بإحداث تغيير على طابع تغطية "يديعوت أحرنوت"، التي تعد أكثر الصحف انتقاداً لنتنياهو ولعائلته والأكثر حماسة لتغطية قضايا الفساد التي يتورط فيها هو وعائلته، بحيث تتبنى الصحيفة تغطية "حميمية" تجاه رئيس الوزراء.

في المقابل، عرض نتنياهو سن قوانين تستفيد منها إمبراطورية موزيس الإعلامية، من بينها القانون الذي كان تقدم به أعضاء من المعارضة والائتلاف الحكومي لمنع استمرار صدور صحيفة "يسرائيل هيوم" بشكل مجاني. وقد اضطر نتنياهو لاحقاً، بعد سلسلة التحقيقات، إلى الاعتراف بأنه سعى إلى تبكير موعد الانتخابات وحل الحكومة السابقة، لمنع مواصلة تشريع القانون الذي كان مر في الكنيست بالقراءة التمهيدية، وأقر نتنياهو بذلك في منشور له على صفحته في "فيسبوك".

وبحسب التسريبات فقد بحث نتنياهو وموزيس بلورة آليات تضمن التزام كل منهما بمراعاة مصالح الآخر. وقد برز من التسجيلات بشكل خاص، تعهد موزيس لنتنياهو بأنه سيضمن له "البقاء أطول فترة في الحكم" من خلال تبني صحيفته، التي تعد ثاني أوسع الصحف انتشاراً في الدولة العبرية، تغطية "إيجابية" تجاهه. وعرض موزيس على نتنياهو أن يرشح له عددا من كتاب اليمين للكتابة في صحيفة يديعوت أحرنوت.

وتلقفت وسائل الإعلام الإسرائيلية هذه القضية وهي تواصل شن هجمات لاذعة على نتنياهو و"يديعوت". وتحاول الصحف المنافسة استغلال القضية لزيادة مبيعاتها. وقد حرصت وسائل الإعلام الإسرائيلية على التشكيك في مهنية الاعتبارات التي وجهت الخط النقدي، الذي تبنته يديعوت تجاه نتنياهو والتلميح إلى أن ذلك مرتبط بحسابات موزيس الاقتصادية.



ووقع المعلقون الذين يعملون في "يديعوت"، والذين يعدون الأكثر شهرة من بين المعلقين في وسائل الإعلام، في حرج شديد. وأقر بن دورون يميني، أحد المعلقين في الصحيفة بأن الكشف عن القضية يضفي شرعية على إثارة الشكوك حول المسوغات التي دفعته مع زملائه لتوجيه انتقادات لنتنياهو في الماضي.
وفي مقال نشرته الصحيفة في عددها الصادر الأحد الماضي، نوه يميني إلى أنه تناول نتنياهو في مقالاته منتقدا وممتدحا دون أن يكون لديه أية معلومات عما كان يدور من وراء الكواليس بين مالك الصحيفة ونتنياهو.
ومع تواصل تدفق التسريبات من التحقيقات التي تجريها الشرطة في القضية، اضطر كبير المعلقين الاقتصاديين في الصحيفة سيفر بلوتسكر إلى مطالبة موزيس بالتخلي عن كل مواقعه التي تتيح له التأثير على الخط التحريري في الصحيفة.
وفي مقال نشرته الصحيفة الاثنين، اعتبر بلوتسكر أنه لا يمكن للصحيفة أن تحافظ على مصداقيتها في حال ظل موزيس يتولى أي موقع يتيح له التأثير.

وتكمن المفارقة في أنه في الوقت الذي سمح معلقو يديعوت أحرنوت لأنفسهم بتوجيه انتقادات لموزيس، فإن السياسيين الإسرائيليين تجنبوا توجيه انتقادات له، خوفاً من رد فعله. فقد اتهمت قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية، الاثنين، الساسة الإسرائيليين بتجنب انتقاد موزيس حتى لا تقوم الصحيفة بالمس بهم من خلال تغطيتها.
وأشارت صحيفة "هآرتس" بشكل خاص إلى الحذر الشديد الذي اتسمت به تعليقات وزير المالية السابق يائير لبيد، رئيس حزب "يوجد مستقبل" على القضية. وبحسب الصحيفة، فإن لبيد الذي تتنبأ استطلاعات الرأي بحصول حزبه على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات القادمة، غير معني بالتورط في مواجهة مع موزيس.

ومقابل الخط المعارض لنتنياهو في يديعوت أحرونوت، فإن صحيفة "يسرائيل هيوم"، أوسع الصحف انتشارا، تجاهر بالعمل كبوق لنتنياهو، على اعتبار أن مالكها الملياردير الأميركي اليهودي شيلدون أدلسون، صديق نتنياهو الحميم، دشنها فقط لتمثل خدمة دعائية لرئيس الحكومة الإسرائيلية، إذ إن الصحيفة توزع مجاناً على الجمهور وهو ما زاد من سعة انتشارها وجعلها تهدد المصالح الاقتصادية ليديعوت، بما في ذلك تراجع الاعلانات عن الصحيفة وخسارتها لأموال طائلة لكونها تباع مقابل 5 شيقل يومياً، فيما توزع يسرائيل هيوم في مختلف محطات الباصات المركزية ومحطات القطارات.

ودفع اعتراف نتنياهو بأنه فضل التوجه لانتخابات جديدة لمنع سن القانون المناهض ليسرائيل هيوم، بقادة المعارضة الإسرائيلية، إلى مطالبته بالاستقالة فورًا من منصب وزير الاتصالات.​





دلالات