الإكسبرس بعد عام على أحداث نوفمبر: كيف تغيّرت فرنسا؟

الإكسبرس بعد عام على أحداث نوفمبر: كيف تغيّرت فرنسا؟

16 نوفمبر 2016
(برتران غواي/فرانس برس)
+ الخط -

في ملحقها الأسبوعي الأخير، تناولت صحيفة "الإكسبرس" الفرنسية، الذكرى السنوية الأولى لاعتداءات 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، والتي خلّفت 130 قتيلاً و413 جريحًا، في باريس وضاحيتها السان دنيس.

الملفّ الخاص شكّل القسم الأكبر من محتويات العدد، إضافةً إلى بورتريه تعريفي عن مرشح الرئاسة، فرانسوا فييون، بقلم اريك ماندونيه، حمل عنوان "الرجل الرزين"، عدا عن تسليط الضوء على فوز الروائية الفرنسية، ليلى سليماني، بجائزة غونكور الأدبية عن روايتها "أغنية هادئة".

في افتتاحية العدد "الأحمر قبل الأسود"، كتب رئيس التحرير، كريستوف باربيه، عن مأساة الحزب الشيوعي الفرنسي الذي أصبح محكوماً بين خيارين على خلفية موقفه من الانتخابات الرئاسية: "إمّا الدفن أو الدفن". وشرح الكاتب أهم الأسباب الخارجية والداخلية التي جعلت عدد المنتسبين إلى الحزب لا يتجاوز الخمسين ألفا، وعدد الناخبين الفرنسيين الذين صوتوا له في الانتخابات المحلية الأخيرة، وقدّر بحوالي 330 ألفا، مقابل 6 ملايين صوت في الانتخابات التشريعية سنة 1978.

وصوّب باربيه على العلاقة "غير الواضحة" مع جان لوك ميلانشون، زعيم جبهة اليسار. ورأى في تحالف الشيوعيين معه أبلغ مأساة لفكرة الحزب الطليعي، ولعنة اليسار الإصلاحي العاجز والراديكالي المشتّت. وخلص باربيه إلى القول إنّ "مارين لوبن ستحصد الفشل الذي زرعه شيوعيو هذه البلاد في أبريل/نيسان المقبل، كما الليل الأسود يأتي بعد المغيب الأحمر، وها نحن نعيش ظلاميات مخيفة تحفر تحت أقدامنا".

"سنة كاملة على أحداث نوفمبر.. ما الذي تغيّر اليوم في معاش الفرنسيين؟"، تحت هذا العنوان أعدّ آن فيدالي ورومان روسو ملفًا خاصًا عن ذكرى الاعتداءات، محاوليْن مقاربة المتغيرات التي طرأت على حيوات الفرنسيين في تعاطيهم مع الخوف الذي ما زال يلازمهم.

استهلّت فيدالي الملف بمادة تناولت فيها التزام الفرنسيين، خصوصاً الفئات الشبابية، بالانخراط في مجالات العمل التطوّعي من الإسعافات الأولية في الصليب الأحمر إلى التدرّب على مبادئ الحماية المدنية ونشر ثقافة التضامن الأهلي، تحسّبًا لأي عملية إرهابية قد تستعيد رعب سيناريو الثالث عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

وقالت الطبيبة النفسية مورييل سالمونا: "تحت ثلاثة عناوين (مساعدة، حماية، دفاع) يتطوّع الشباب الفرنسي منذ اليوم التالي للمذبحة في جمعيات أهلية ومبادرات فردية طابعها: مدني يهدف إلى التوعية والتدريب على التعامل مع الاعتداءات الإرهابية، وعسكري يسعى إلى الدفاع عن أرض الوطن ومكوّناته الأهلية". 



"مسلمون.. زمن الريبة"، تحت هذا العنوان أجرى بوريس تيولاي وآن فيدالي تحقيقًا حول أحوال المسلمين الذين عاشوا يوم 13 نوفمبر، في مقاربة تتناول "إسلام فرنسا" ومستقبله، في ظل تخبّط كبير تعيشه البلاد بين الخوف من تجدّد الاعتداءات الإرهابية (في ظل حديث عن 700 مقاتل فرنسي عائدين إلى الأراضي الفرنسية) وأزمة المهاجرين. بالإضافة إلى انفراط العقد الاجتماعي، عدا عن مشكلة البطالة التي فشل الرئيس الحالي، فرانسوا هولاند، في معالجتها. وليست قضية البوركيني في الصيف الفائت وما رافقها من عواصف، سوى انعكاس عن السؤال حول مكانة ومستقبل المسلمين في فرنسا.

وبحسب التقرير، فإنّه "بعيدًا عن المغزى الذي يريده تنظيم (الدولة الإسلامية) "داعش"، وهو حرب أهلية بين المسلمين و"الكفار"، فإنّ فرنسا تبدو اليوم بعيدة عن هذا الواقع، وإن كانت الأرقام التي يشير إليها المرصد الوطني ضد الإسلاموفوبيا في الأشهر الثلاثة الأولى التي تلت الإعتداءات مخيفة، إذ سجلّت حوالي 600 حالة من الاعتداء اللفظي والعنصرية تجاه مسلمين في الشارع، عدا عن آلاف الرسائل المباشرة وغير المباشرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي".

وبحسب تقرير أعدّه معهد Montaigne للدراسات حول "إسلام فرنسي ممكن"، فإنّ 31 بالمائة من مسلمي فرنسا يذهبون إلى المسجد مرة على الأقل في الأسبوع، مقابل 8.2 بالمائة من غير المسلمين. وبحسب التقرير نفسه، فإنّ نسبة الفرنسيين الذين يعتقدون أنّ هناك مسلمين مندمجين في المجتمع الفرنسي لا تتعدّى الـ30 بالمائة‏. وبحسب مركز الإحصاء "ايبسوس" (Ipsos)، فإنّ 56 بالمائة من الفرنسيين لا يتقبّلون أن تتزوّج ابنتهم من مسلم، مقابل 29 بالمائة إذا كان الشاب يهودياً، و7 بالمائة إذا كان كاثوليكيا.

وتعود آن فيدالي في التحقيق إلى الحديث عن الوجه الآخر للتبادل الثقافي والديني بين مكوّنات المجتمع الفرنسي. وتضرب مثلاً بحيّ "لا دوشير" (La Duchère) الشعبي الشهير، في الدائرة التاسعة في مدينة ليون. وهو مثال صارخ على الإخاء والتضامن بين قاطنيه، فالحي الذي يسكنه عمال جزائريون يهود ومهاجرون مغاربة وفرنسيون كاثوليك في بقعة سكنية صغيرة لا يتجاوز سكانها الـ12 ألفا، يُعدّ اليوم، بفضل مجموعة تطلق على نفسها اسم "أبراهام"، مسرحاً للحوار الديني الهادئ بين مسلمين ويهود وكاثوليك وبروتستانت. وتتناول الندوات الأسبوعية قضايا إشكالية كالحجاب والعنف ومكانة المرأة في الأديان.

أمندين هيرو أعدّت تحقيقًا، بدورها، عن الأطفال والمدارس بوصفها هدفًا دائمًا للإرهاب. وشرحت أهم الإجراءات التي اتخذتها وزراتا الداخلية والتربية الوطنية منذ اليوم الأول للعام الدراسي 2016/2017. بالإضافة إلى عرضها تقنيات التدريس التي يعمل عليها بعض الأخصائين في سعيهم لتخفيف حجم الاعتداءات إذا ما حصلت، والانتقال سريعًا من الاستيعاب إلى مقاومة الصدمة جسدياً في طور أول، ونفسياً في طورٍ ثانِ".

وفي الملف أيضًا، حوار مع القانوني والأمين العام لمعهد الدراسات العليا حول العدالة، أنطوان غرابون، يشرح فيه واقع فرنسا اليوم بين السلام والحرب في ما يسميه "حالة توتر ما بعد الصدمة" (stress post traumatique)، يضاف إليها غياب مسرح زماني ومكاني في المواجهة مع من يصفهم الإعلام الغربي بالجهاديين "وتهديد مباشر لمبادئ الجمهورية وديمقراطيتها".

هذا بالإضافة إلى شهادات لمواطنين ناجين من مجزرة الباتكلان، عرضها كريستوف كاريير في مادة حملت عنوان "استعادة الحياة.. بعيدا"، يتحدّث فيها شهود على المذبحة عن جحيم الحياة في باريس في اليوم التالي لصدمة 13 نوفمبر.



دلالات