حماسة لوبان بعد فوز ترامب: حلم الانتصار يصطدم بالواقع

حماسة لوبان بعد فوز ترامب: حلم الانتصار يصطدم بالواقع

16 نوفمبر 2016
تحدثت لوبان عن "بزوغ عالم جديد" بفوز ترامب(سيلفان لوفافر/Getty)
+ الخط -
لم يصفق أحد في فرنسا لانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، مثلما صفقت بحرارة رئيسة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف مارين لوبان. بل إن لوبان استبقَت النتائج النهائية والرسمية وكتبت تغريدة على حسابها في "تويتر" مهنئة ترامب بالقول: "كل التهاني لرئيس الولايات المتحدة الجديد دونالد ترامب وللشعب الأميركي الحر". والأحد الماضي صرحت لوبان بأن "انتصار ترامب هو لبنة إضافية في اتجاه بزوغ عالم جديد سيُبنى على أنقاض عالم قديم، وبفضله تحوّل المستحيل إلى ممكن. وأتمنى أن يستطيع الشعب الفرنسي قريباً قلب الطاولة على النخبة التي تتحكم في خياراته".
هكذا صارت لوبان مقتنعة بأن انتصار ترامب يُعبّد لها الطريق شخصياً للوصول إلى سدة الحكم في الانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا التي ستُنظّم في مايو/أيار المقبل. وكدليل على هذه القناعة، تشدد لوبان على أوجه التشابه بين أفكارها وأفكار ترامب، قائلة إن "انتخابه نبأ سار بالنسبة لبلادنا، رفض معاهدة التبادل الحر بين أوروبا وأميركا (تافتا) والعولمة المتوحشة بشكل عام، تهدئة العلاقات الدولية، والمصالحة مع روسيا، وقف التدخلات العسكرية في الخارج، ورفض الهجرة". كما أن لوبان التي تخوض حرباً شرسة ضد مؤسسات استطلاع الرأي التي تُجمع على خسارتها في المرحلة الأخيرة من أي استحقاق انتخابي على الرغم من احتمال كبير لنجاحها في الأدوار الأولى، ترى في فشل هذه الاستطلاعات في التنبؤ بفوز ترامب فألاً حسناً عليها.
وليست لوبان الوحيدة التي ترى في نجاح ترامب هدية شخصية نزلت خيراً وفجأة من السماء الأميركية، فالعديد من الشخصيات السياسية الفرنسية وبعض المحللين النافذين بادروا غداة إعلان نتائج الانتخابات الأميركية إلى التحذير من أن فوز ترامب يمهد لزلزال سياسي فرنسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وعلى رأس هؤلاء رئيس الوزراء اليميني السابق والقيادي في حزب "الجمهوريون" المعارض جان بيار رافاران، الذي صرح لإذاعة "إر تي إل" الخميس الماضي بأن "فوز ترامب يفتح الباب أمام إمكانية فوز مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية المقبلة". الأمر الذي يعكس نزوعاً متعاظماً في أوساط النخبة السياسية الفرنسية نحو الربط بين ظاهرتي ترامب ولوبان.
منذ أشهر عدة تراهن رئيسة "الجبهة الوطنية" على السياق العالمي ومعطياته الجديدة لتحويل حلم الانتصار في الانتخابات الرئاسية إلى فرضية منطقية، ولهذا تستعين لوبان بانتصارات من تعتبرهم حلفاء لها في الخارج من أجل ترويج هادئ لفكرة احتمال وصولها إلى السلطة بشكل تدريجي في أوساط الرأي العام. ومن هنا تهليلها الصاخب لنتيجة الاستفتاء البريطاني الذي صوّت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ودعوتها إلى تنظيم استفتاء مشابه في فرنسا يعطي الكلمة للشعب الذي تراه لوبان على شاكلتها، معادياً للاتحاد الأوروبي ومناصراً لقومية منغلقة على نفسها. من هنا أيضاً دفاعها المستميت عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والدعوة لإقامة علاقة شراكة قوية معه، تماماً مثلما يفكر بذلك ترامب، ذلك أنها تعتبر سيد الكرملين نموذجاً سياسياً يُحتذى به، وهي التي قالت ذات مرة إن "النموذج الذي يدافع عنه بوتين هو نموذج المنطق والدفاع عن الدولة القومية والبحث عن مصالح بلاده والتشبث بالهوية الوطنية وهو نموذج يعجبني".
كما أن لوبان في غاية الارتياح لنجاح الاشتراكي رومين راديف في الانتخابات البلغارية الإثنين الماضي، لكونه رئيساً حديث العهد بالسياسة ويعتمد خطاباً مهادناً حيال روسيا ومعادياً للاتحاد الأوروبي. كما أعلنت لوبان مساندتها لرئيس الوزراء المجري الشعبوي فيكتور أوربان، على الرغم من فشله الأخير في إقرار تعديل دستوري يكرس سياسته المناهضة للهجرة، ورفض البرلمان لاستفتاء نظمه لرفض الخطة الأوروبية حول توزيع اللاجئين.


وتتطلع كذلك بشغف إلى نتائج الانتخابات الرئاسية في النمسا التي ستُنظم في ديسمبر/كانون الأول المقبل التي يخوضها حليفها مرشح اليمين المتطرف نوربرت هوفر. غير أن فوز ترامب هو الحدث الأساسي الذي رأت فيه لوبان جرعة أوكسجين قوية تمنحها ما يكفي من النَفَس لكسر السقف الحديدي الذي تضعه النخبة السياسية أمامها للحؤول دون وصولها إلى السلطة، ذلك أن خسارتها المدوية في الدور الثاني من الانتخابات الإقليمية العام الماضي، رسخت فكرة وجود هذا السقف الجمهوري الواقي الذي شيّده في تحالف موضوعي، اليمين واليسار، كي لا تفوز برئاسة أي مجلس إقليمي في الدور الثاني من الانتخابات، على الرغم من أنها فازت بالمرتبة الأولى في الدور الأول في أقاليم عدة.
ومن هذا المنطلق، يكمن ضعف فرضية أن تصير لوبان "ترامب فرنسا"، لأن النظام الانتخابي الفرنسي، بخلاف نظيره الأميركي الذي يقوم على دور انتخابي واحد ونظام الثنائية الجمهورية/الديمقراطية، يرتكز على الغالبية النسبية ودورتين انتخابيتين، ما قد يسمح ببروز خيار ثالث إضافة إلى مرشحي اليسار واليمين. لكن الخيار الثالث يواجه دوماً تحالف اليسار واليمين ضده في الدور الثاني، وهذا ما حدث بالضبط لجان ماري لوبان، الذي خلق المفاجأة في الانتخابات الرئاسية عام 2002 وتقدّم على المرشح الاشتراكي ليونيل جوسبان الذي أقصي، ومر لوبان إلى الدور الثاني في مواجهة جاك شيراك الذي انتصر في النهاية بفارق كبير بفضل دعوة اليسار إلى التصويت له لقطع الطريق على لوبان.
كما أن الولايات المتحدة لها تاريخ اجتماعي وسياسي مختلف تماماً عن فرنسا، لكونه موسوما بتاريخ العبودية والتمييز العنصري، ما يعطي للانتخابات طابعاً عرقياً حاسماً. أما فرنسا فما زالت تعيش على إرث جمهوري إنساني يشترك فيه اليسار واليمين، ويحول دون الانزلاق نحو تصويت مبني على العِرق. هذه العوامل مجتمعة إضافة إلى نقاط أخرى متعلقة باختلافات جوهرية إضافية في طبيعة المشهدين الفرنسي والأميركي تخفف من فورة الحماسة التي أذكاها فوز ترامب في صفوف اليمين الفرنسي المتطرف.