مدينة السويداء السورية.. متحف مفتوح

مدينة السويداء السورية.. متحف مفتوح

15 اغسطس 2016
(Getty)
+ الخط -
في مدينة السويداء في سورية، تعيدك الحجارة السود إلى الماضي، وكأنَّها خطوات خيلٍ أصيلٍ، كلَّ ما ستحاول اكتشافه لم يستطع أن يكون وفيَّا للحقيقة كاملة، فهي المدينة التي صنفتها "اليونسكو" كلّها بمتحفٍ مفتوحٍ للأوابد التاريخيَّة، إذ أنَّ كلّ مراحل التاريخ البشري قد مرَّت من هناك.

فقد عثرت البعثة الفرنسيَّة للتنقيب في مراح كوم التينة القريب من قرية كفر اللحف، على آثارٍ تعودُ للعصر الحجري موجودةٍ في تلك الكهوف التي كانت السكن الأوَّل للإنسان. كما وجدت في مراح المزرعة، آثاراً تدل على العصر البرونزي، وهي عبارة عن لقى حجريةَّ وأدوات صوانيَّة، وستلاقيك أينما وجهت قلبك في هذه المحافظة، آثارٌ خلفها الآراميون والصفويون والأنباط الذين دخلوها بعد انتصارهم في موقعة مونا (امتان) على السلوقيين عام 88 ق.م.

في عهد الأنباط، أصبحت كلُّ مدن هذه المحافظة الصغيرة التي تحرسُ الخاصرة الجنوبيَّة لسورية مراكز هامة، وخاصَّة مدينة صلخد التي غدت بقلعتها الشامخة مركزاً تجاريا واقتصادياً وعسكرياً متميّزاً. وقد وجد الباحثون آثاراً وكتابات نبطية في مدينة السويداء المدينة، وفي قرية سيع، وأهمُّها تلك الكتابة بالعربية التي تعود إلى عام 328م والمحفورة على قبر الشاعر امرئ القيس.

وبسبب قوة الأنباط الاقتصادية والعسكرية، لم يتمكَّن الرومان من احتلال المحافظة عندما احتلوا سورية عام 64 ق.م. غير أن ضعف الأنباط الذي أخذ يتزايد شيئاً فشيئاً، مكَّن الاحتلال الروماني من بسط سيطرتهم على مدن المحافظة آنذاك لتتشكل مدينة شهبا المذهلة في منتصف القرن الثاني الميلادي، وليكون فيها أول امبراطورعربي يحكم روما "فيليب العربي"، الذي حلم بدولة ذات ملامح عربية في شهبا، أي روما الصغرى، والذي كان عليه أن يدفع حياته ثمناً لهذا الحلم. حلمٌ بقي على شكل لوحات فسيفساء، هي أجمل وأقدم لوحات للفسيفساء في العالم.

أعمدة تعلوها تيجان من الحجر المنحوت كتاج على غرة الزمن، قناطر تصل بين الماضي والحاضر والمستقل، مسرح كامل وحمامات لم تزل تغسل وسخ التاريخ ووسخ الحاضر.
ستترك مراحل التاريخ القديمة لتخبرك المدينة عن تاريخها الحديث، ولتقول لك إنَّ أوَّل علم عربيٍّ عُلِّق في ساحة المرجة قبل وصول قوات الشريف حسين، كان قد حِيْك بأيادي نساء بلدة القريا.

وإن، ذوقان الأطرش، والد السلطان، باشا الأطرش، أعدم على يد الأتراك عام 1911. وسيخبِرُك صرح الثورة السورية الكبرى في القريا، حين سيطلُّ على روحك بعز وفخر عن كل شهداء الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسين عام 1925، وعن ملحمة المزرعة التي ستبقى الأجيال تعيدها كي تتمرى بها، وكي تحتمي من كل هذا الخراب. سيخبرك الصرح عن السلطان، باشا الأطرش، الذي رفض أن تقسم سورية، حتى لو سلموه رئيساً لدولة طائفية، والذي قال: "الدين لله والوطن للجميع".

ستقول لك الحجارة الكثير، ولن تتمكَّن من تجاوز التاريخ، فمن السويداء المدينة إلى شهبا إلى صلخد وقلعتها التي ستسكن روحك، وصولاً إلى قنوات المدينة التي شكل أهلها في عام ستين قبل الميلاد، أهمّ شبكة تجاريّة تصل دمشق.
هناك، دائماً عليك أن تعيش حالة التوحد بين الزمان والمكان، وستكتشف أن كل ما في السويداء عربي، الاسم الثاني للسويداء هو جبل العرب، وفيليب هو "فيليب العربي"، والقهوة هناك هي العربية، والزي التقليدي هو البدلة العربية، والخبز الذي له طعم الأصابع التي ترقه هو الخبز العربي، والشعر الشعبي هو الشعر النبطي العربي القديم.


المساهمون