الدرج الوحيد

الدرج الوحيد

27 أكتوبر 2015
(Getty)
+ الخط -
أيها الدرج الوحيد الباقي من تلك البناية، الوحيد والعاري كالصمت، الصارخ والباقي كالصوت، الصامت والمتكلم كقصيدة، أيها الدرج الطالع من خرابنا ومن صفحات فيسبوك كصورة غريبة، الصاعد من أحلامنا اليتيمة بتحدي البراميل التي تسقط علينا من السماء، لماذا أيها الدرج أمسكت بي صورتك هكذا؟ هل أنت تشبهنا لهذه الدرجة؟ أم أننا نستعيذ بك من سقطونا كاملين بكل أسقفنا فوق القلوب التي كانت تسكننا وفوق كل شرفاتنا وورودها؟
ترى ما الذي حماك وحدك من السقوط؟
هل هي الأحلام التي كان يحملها الصاعدون والهابطون عليك، حين كانوا يعيشون حياتهم كاملة والتي كانت أصعب من أن تنكسر؟
هل هو شغب الأطفال كل صباح، وهم ينزلونك ذاهبين الى المدرسة بحقائب محشوة بالوظائف التي تفكر بالهروب من الدفاتر وبسندويشات الزيت والزعتر الملفوفة مع الكثير من الحب والدعاء؟
أم أنه صوت الأمهات وهو ينزل مع أطفالهم عليك، حين لا تمل الأم من الوصايا الكثيرة والمكررة، وحين لا يمل الأطفال من إهمالها، أم أنها قلوب الأمهات التي كانت تهبط مع أولادهن وتذهب معهم للمدرسة.
أم أن أصواتهم وهم عائدون من المدرسة ويتوعدون اليوم بمزيد من اللعب وقليل من الدراسة؟ هل حمتك آثار أحذيتهم الصغيرة عليك؟ أم أنها تلك القبلة السريعة المخفية التي سرقها ذاك الصبي من ورود خد البنت الخجولة، وطار بها إلى البيت؟ أم أن قلب المحب حين كان يصعد عليك قبله، ويطرق باب الحبيبة وقلب الحبيبة الذي كان يسمع صوت أقدامه عليك وكأنه قادم من السماء.
هل هو دعاء ذاك الأب كل يوم، وهو عائد من عمله الطويل بالرزق والعافية كي يستطيع أن يحمل حمل عائلته كي يبقى قادرا على حمل السعادة مع الأغراض الكثيرة التي يصعد بها كل يوم عليك لتلاقيه بذلك الرضا أم العيال.
لا أدري أيها الدرج الوحيد الباقي، الوحيد واليتيم كأم فقدت طفلها.
ربما يكون صراخ الأطفال حين كانت الطائرات تبدأ بالتحليق فوقهم، الطائرات التي كانت تصعد من أحلامهم ولا يفهمون، لماذا هي أكبر بكثير من طائراتهم الورقية، لماذا صوتها قوي لهذه الدرجة، لماذا تبدأ بالتحليق وهم ما زالوا نياما، ولماذا وضع ذاك الطفل الذي يلعب بها ويربطها بخيط لا يروه، لماذا وضع فيها برميلا كبيرا، ألم يفكر في ألعاب الأطفال الآخرين، ألم يفكر بأن البرميل حين يسقط سوف يكسر الألعاب، الأطفال الذين كانوا يصرخون وهم يهبطون عليك كي ينزلوا إلى الطابق الأرضي أو إلى القبو حين تطلع الطائرات، ينزلون ويتركون ألعابهم في الأعلى وحدها خائفة،
وربما هو صوت تلك الأم حين ودعته، بكرها الأجمل، بكرها الذي هرب من الجيش كي لا يقتل والذي عاد إليها برصاصتين في القلب.
من حماك يا أيها الوحيد كأغنية في الحرب؟
ربما حماك صوت ذاك الأب العاجز، وهو يقول لابنه الذاهب للمظاهرة اصرخ بصوتك وصوتي يا ولدي أم أنه صوته، وهو يفتح الباب كل أذان ويدعو فقط أن يعود ابنه هذا يوما من أقبية التعذيب.
لماذا بقيت صامدا هكذا بوجهنا؟ لماذا؟ هل كنت تريدنا أن نتفرج على أنفسنا، على ضعفنا، يا أيها الصامد والوحيد،
هل درجاتك لم تتحمل أن تسقط فوق هؤلاء الأطفال؟ أم أنها بقيت فقط كي تسمح لأرواحهم أن تصعد مع شغبها وألعابها، مع وظائفها، مع غمزاتهم والحكايا، أن تصعد كلها إلى الله.



اقرأ أيضاً: السوريون يلتحقون بدراما "الحريم"

دلالات

المساهمون