حكواتي: جنّية عبدالوهاب

حكواتي: جنّية عبدالوهاب

30 مايو 2015
عبدالوهاب وابتسامته المعروفة (فيسبوك)
+ الخط -
في ستينيات القرن العشرين، قبل سنوات من اندلاع الحروب المتتالية في لبنان، تألّقت بلدة بحمدون اللبنانية، مصيفاً متميّزاً، يجذب السائحين من كلّ صوب وحدب، تحديداً من مصر، وقد قصد مشاهير الفنّ المصريون بحمدون لتصوير بعض أفلامهم وللاستجمام أيضاً.

البلدة الجبلية ضمّت حينها عدّة فنادق فخمة، كانت تستقبل الفنانين وتشهد حفلاتهم.
فندق "الشيبرد" كان واحداً منها، وفيه تجري حكايتنا التالية.

شهد "الشيبرد" حفلات تاريخية عدّة، كتلك التي قلّد بها الرئيس اللبناني شارل حلو، وسامَ الأرز للفنّانة صباح عام 1970. واستضاف سيدة الطرب العربي، أم كلثوم، حين أحيت حفلها في كازينو بيسين عاليه عام 1965...

لكنّ بحمدون لم تكن فقط مركزاً للحفلات ولعمل الفنانين، بل كانت تجمع أهل الفنّ بأحبّتهم، وتشهد مناسباتهم السعيدة، وعطلاتهم العائلية، ففي الشيبرد تعرفت صباح على زوجها السابق النائب يوسف حمود، وفيه أمضى الزوجان العاشقان، الموسيقار محمد عبد الوهاب وحرمه السيدة نهلة المقدسي، إجازات رومانسية، وهما كانا يسهران في الشيبرد منذ عام 1957، وكانت السيدة نهلة تقيم في فندق قريب اسمه الباسادور.

ذات صيف من ستينيات القرن الماضي، نزل عبد الوهاب كعادته في الشيبرد. كان حريصاً على عدم لفت انتباه الكثيرين لوجوده، بغية التمتع بالإجازة والراحة المطلقة قبيل الحفلات التي كان يحييها.

تعامل الفندق مع طلبات عبد الوهاب كالأوامر العسكرية، وحرصوا على تأمين كافة سبل الراحة للموسيقار الأشهر. لكنّ الأمر لم ينطلِ على رجل كمحيي الدين سلام، والد الفنانة نجاح سلام، وهو كان أحد أشهر عازفي العود في لبنان، وكان موظّفاً كبيراً في الإذاعة اللبنانية.
دخلت سيّدتان وقورتان لوبي فندق شيبرد. طلبت إحداهما لقاء عبد الوهاب، قالت لموظفي الاستعلامات بثقة: "قولوا له أنا أم يوسف".

تردّد موظّفو الاستعلامات في أخبار الموسيقار بأمر الضيفة، لكن إصرارها ورفيقتها دفعهم للاتصال به، وهم موقنون أنّه سيعتذر وتنتهي الجلبة. لكن الموسيقار أدهش الجميع ووافى الداعية في بهو الفندق.

كانت أم يوسف في العقد الرابع، تضع على رأسها شالاً يكشف فقط غرّة شعرها، كذلك رفيقتها. لباس السيدتين كان يدلّ على أنهما من عائلات بيروتية محافظة.
اعتلت الدهشة وجه الموسيقار حين شاهد آلة العود في يد أم يوسف!

جلست السيّدة قبالة عبد الوهاب ورجته أن يستمع لعزفها. بابتسامته المعروفة، أشار لها موافقاً، من دون أن تفارقه علامات التعجب.أخذت أمّ يوسف تعزف ألحان الموسيقار، وتغنّي. طلب منها الاستمرار، من دون أن يبدي رأيه أو يأتي بأي انفعال أو ردّ فعل.

ثم بدا كأنه يخضعها لامتحان، إذ طالبها بعزف النوتات الصعبة. بدت أمّ يوسف متمكّنة وماهرة في تأدية الالحان بدقّة متناهية، كذلك طبقات الصوت. تجمهر عدد من النزلاء حول أمّ يوسف. أجّل عبد الوهاب أغلب مواعيده حينها، مستمتعاً بأداء السيدة البيروتية. كانت كلما أنهت معزوفة يطالبها بالمزيد حتى مضى الوقت.

ظنّ الموسيقار أنّ السيدة تريد دخول عالم الفنّ. لكنّها أجابت بالنفي وبأنها أتت فقط لتسمع عبد الوهاب "شطارة البيارتة" كما قالت. سألها كيف وصلت إليه، فأجابت أنّ محيي الدين سلام أبلغها بمكانه.

وقبل أن ينتهي نهار الموسيقار على وقع عزف أمّ يوسف صرّ على مرافقتها خارج الفندق. ازدادت دهشته حين شاهدها تجلس خلف المقود وتمضي بسرعة فائقة. صباح اليوم التالي سأل عبد الوهاب محيي الدين سلام عن السيدة، فأجابه أنّها حرم الفنان اللبناني محمد شامل، أضاف سلام: "اسمها الحقيقي رشدية قعبور"، ابتسم عبد الوهاب قائلاً: "دي رشدية دي ..رشدية؟ دي جنّية... جنية مش رشدية".

إقرأ أيضاً: حرب الكنافة: هكذا بدأت في بيروت

دلالات

المساهمون