هل نعي إلى أيّ درجة نحن عنصريون؟

هل نعي إلى أيّ درجة نحن عنصريون؟

24 مارس 2015
تظاهرة في لبنان ضد العنصرية والاستعباد (حسين بيضون)
+ الخط -
الشاب المتخرج من الجامعة في لندن، والذي يعمل فيها منذ عدة سنوات، زار بيروت ليعرّف أهله على المرأة التي أحبها وسيتزوجها. هي امرأة ناجحة تعمل في مجال الاستثمارات العقارية، لطيفة، اجتماعية، جميلة، ذكية، إلاّ أنّ "مشكلتها" الوحيدة هي أنّها صينية الجنسيّة.
بعد أسبوع على إقامة الشاب مع خطيبته في منزل أهله، قالت له أمه ببراءة مفتعلة: "أشكر الله أنّها لا تفهم اللغة العربية، لأنه لم تبقَ جارة إلاّ وسألتني عن "خادمتنا" الفيليبينة الجديدة".

ليست هذه حادثة منفصلة، فمنذ عدّة سنوات، حين أتت صديقتي اللبنانية المقيمة في نيويورك، لتمضي فصل الصيف في بيروت مع زوجها الأميركي الأسود وطفلهما الخلاسي الذي لم يبلغ عامه الثاني، مُنعت من الدخول معهما إلى أحد المسابح الشهيرة، لأنّ الإدارة لم تسمح لزوجها الأسود بالسباحة، متعلّلين بالقرار الرسمي الذي فُرض عليهم بعد انزعاج السابحين.

زوجها، الذي لم يتحمّل الإهانة، أوضح لها أنّه لن يبقى يوماً إضافياً في هذا البلد ولن يعود إليه. قطعوا الزيارة، وحزموا الحقائب، وسافروا. صديقتي لم تعد إلى بيروت منذ تلك الحادثة، ويقوم أبواها كلما اشتاقا إلى حفيدهما بالسفر إلى نيويورك.

تكفي جولة على مسابح العاصمة، حيث نرى الخادمات الآسيويات والأفريقيات ينضحن عرقاً تحت الشمس الحارقة، منتبهات على أطفال مستخدميهم يلعبون في بركة السباحة، من دون السماح لهن بالتمتع ببرودة الماء كغيرهن من رواد المسبح، ذلك كي نفهم إلى أية درجة متأصلة هي العنصرية في مجتمعنا.

متأصلة لدرجة أنّ مهندساً "مثقفاً"، تخرّج من الجامعة منذ أكثر من عشرين سنة، يقول في جلسة الغداء كلمة "عبيد"، في معرض حديثه عن الأفارقة! يقولها من دون أي شعور منه أنّ ما قاله تمييز عنصري. وفيما كنت على وشك الرد عليه، أتاه الرد من شخص آخر، من ابنه المراهق. بدا الإبن خجِلاً بأبيه، على الرغم من ردّه الشديد التهذيب الذي فسّر من خلاله بتجرد لغوي معنى كلمة "عبد"، وكيف أنّها ليست حكراً على عِرق محدّد. وقبل أن ينهي المراهق كلامه، أسكته والده "المتعلّم" ساخراً: "يلعن الساعة يللي بعتّك فيها على مدارس أجنبية. بعدك ما فقّست من البيضة وجايي تعلّمني"! صمت الإبن. حتى في صمته، بدا أكثر رُقيّاً من أبيه. وفكرت، إنّ من غير المعقول أن يكون هذا الأب قد ساهم في تربية هذا الابن. أشعرني المراهق أنّ ثمة أمل.


وبالعودة إلى الشاب الآتي من لندن مع خطيبته الصينية، دخل يوماً إلى المنزل، فوجد أمه جالسة في الصالون مع إحدى الخالات، التي ما إن رأته حتى سألت: "ألم تجد بنت حلال تتزوجها بين كل معارفنا وأقاربنا، لكي تأتينا بواحدة صينية لا نعرف أصلها وفصلها"؟ علا صراخ الشاب. ومع احتدام الصراخ، دخلت خطيبته إلى الغرفة مستفسرة عن السبب، فأخبرها. ضحكت وقالت: "يعتبرونني أدنى مستوى لأنني صينية"؟ كيف كانوا سيعيشون لولا البضائع التي ننتجها؟

المساهمون