"السينماتك" الفرنسية تحتفل بيوسف شاهين

"السينماتك" الفرنسية تحتفل بيوسف شاهين

14 نوفمبر 2018
هند رستم ويوسف شاهين في "باب الحديد" (فيسبوك)
+ الخط -
في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، تبدأ احتفالية خاصّة بـ"أحد أكبر السينمائيين العرب"، المخرج الراحل يوسف شاهين (1926 ـ 2008)، في الـ"سينماتك" الفرنسية في باريس، بمناسبة الذكرى الـ10 لرحيله. احتفالية تمتدّ على أسابيع عديدة، تكريمًا للمخرج "الاسكندراني" و"المصري" و"العالمي"، كما يصفه كتيّب الاحتفالية، التي تُفتتح بحضور فنانين مصريين عملوا معه، كيسرا ولبلبة ونبيلة عبيد ويسرا اللوزي ومحمود حميدة وأحمد يحيى. كما أن الاحتفالية تتضمّن معرض صُور واستعادة أفلامٍ له.

يُقام المعرض في متحف الـ"سينماتك" بين 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 و28 يوليو/ تموز 2019، وهو عبارة عن جولة في عالم يوسف شاهين، عبر صُوَر نادرة لم تُعرَض سابقًا، وكانت محفوظة في أرشيف المتحف، وتُقدِّم "مسيرة معلِّم في الإخراج، ورجل عاشق للحياة"، وتركِّز على العلامات الفارقة في مسيرته الفنية، وعلى علاقته بالموسيقى الأميركية والمصرية في ثلاثينيات القرن الـ20، أي في بداياته، ثم التزاماته وتوجيهاته في الاستديو وشغفه واهتماماته، وحالات "انفجاره" و"علاقاته العاصفة" بالسلطة، قبل حصوله على اعتراف به وتكريس عالمي لأفلامه.

يسعى منظّمو الاحتفالية إلى تمكّن المعرض من فكّ رموز يوسف شاهين على نحو أفضل، عبر الانغماس "في قلب عملية فريدة من الإبداع، وكشف التأثيرات المُعلِّمة فيها، وفهم قناعاتها وتخمين تطلعاتها". أما استعادة أفلامه في هذا الوقت الذي يشهد "سوء فهم وعدم تسامح وصعود شعبوية"، فـ"دعوة مفتوحة إلى الحوار بين الثقافات، وإشارة أمل، ويد ممدودة نحو الآخر مهما كان ومن كان"، كما في كتيّب المعرض.

يُذكر أن عائلة يوسف شاهين طلبت من الـ"سينماتك" الفرنسية ـ بعد رحيله ـ الاطلاع على أرشيفه. وجاءت فكرة المعرض ـ بحسب تصريح مساعدة منظّم الاحتفالية أمل قرمازي لـ"العربي الجديد" ـ بعد العثور في مصر على أشياء كثيرة تتعلّق بشاهين وأفلامه، كالأزياء والأكسسوارات. يُشار هنا إلى أن هذه "المتعلّقات" ستعاد إلى مصر بعد 10 أعوام، كما نصّ الاتفاق مع العائلة.

وتُنظَّم الاستعادة الكاملة لأفلام يوسف شاهين على مرحلتين: الأولى بين 14 و25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، والثانية في مارس/ آذار 2019. تشتمل عروض الأولى على 16 فيلمًا مُرمَّمًا، تمثّل مراحل عديدة من مسيرته الممتدّة من خمسينيات القرن الـ20 حتى منتصف الألفية الثالثة، مع رجحان كفّة الأفلام القديمة، إذ تمّت برمجة 5 أفلام مُنتجة في تلك الخمسينيات نفسها، كـ"بابا أمين" و"باب الحديد" و"ودّعت حبّك" و"سيرة في الوادي"، واثنين من الستينيات، وهما "فجر يوم جديد" و"صلاح الدين"، فضلاً عن اثنين آخرين من السبعينيات، هما "اسكندرية ليه" و"العصفور". كما تعرض 3 أفلام من الثمانينيات، بينها "وداعًا بونابرت"، و3 من التسعينيات: "المهاجر" و"المصير" و"الآخر". ثم هناك في المرحلة اللاحقة: "الاسكندرية... نيويورك". كما سيعرض"النيل والحياة"، وهو فيلم قصير عن بناء السد العالي في أسوان، الذي وإن افتتح عصرًا جديدًا، فقد "أغرق أيضًا وإلى الأبد" أراضي الأجداد.

إلى ذلك، تُلقي أمل قرمازي (باحثة في الموسيقى) محاضرة بعنوان "يوسف شاهين، عملية موسيقية إبداعية" (21/ 11)، عن الدور الأساسي الذي يعطيه شاهين للموسيقى في أفلامه، وسيرافق المحاضرة عزف لها على الكمان لمقطوعات مشهورة من أفلامه، يتبعها عرض "المصير" (1997). كما تصدر بالمناسبة، في مارس/ آذار المقبل، أسطوانة مدمّجة للفيلم المرمّم "وداعًا بونابرت"، وألبوم يحتوي على 9 أفلام مُرمّمة، إلى كتابين بالفرنسية: "يوسف شاهين: ثورة في القلب" (طبعة Cine -–Festival) و"يوسف شاهين الثوري الهادئ" (مقابلة مع توفيق حاكم حول شاهين).

بموازة احتفالية الـ"سينماتك"، تُشارك الصالات الفرنسية بعرض 12 فيلمًا مُرمَّمًا، أنجزها شاهين بين عامي 1954 و1999، كـ"صراع في الوادي" (1954) و"الآخر" (1999)، بينما يُعرض "عودة الابن الضال" في "معهد العالم العربي".

للحفاظ على أفلام يوسف شاهين، تعاونت مؤسّسات فرنسية ودولية عديدة، ساهمت في تنظيم المعرض أيضًا: "أفلام مصر العالمية" والـ"سينماتك" الفرنسية و"جمعية يوسف شاهين" و"الأرشيف السمعي البصري لموناكو" و"مؤسّسة السينما" في المدينة الإيطالية بولونيا.

على هامش الافتتاح الصحفي للحدث، المُقام في الـ"سينماتك" في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، التقت "العربي الجديد" 3 أجيال من الممثلين العاملين مع شاهين، طارحة عليهم سؤالاً عن الأثر الذي تركه العمل معه على مسيرتهم الفنية. يسرا اللوزي ("الاسكندرية ـ نيويورك"، 2004) قالت إنّ تجربتها معه مختلفة، لأنها لم تكن ممثلة سابقًا، ولأنها كانت في الـ16 من عمرها عند لقائها به: "كنت متوترة جدًا. لكن، بعد ثوان قليلة على بداية اللقاء، أشعرني بالاطمئنان بفضل حيويته وطاقته. لم يعاملنا، أحمد يحيى وأنا، كصغار، بل كان يناقشنا في السياسة والقضايا المختلفة، ويستمع إلى آرائنا. كانت لديه حلاوة روح، وكان يدرك نفسية الممثل". أما يُسرا، فتتذكّر أنه كان يبقى إلى جانب الكاميرا، كي يشعروا بوجوده فيستمدّون الثقة من نظرته، ولا يرتبكون من المحيطين بهم. أضافت أنه كان يهتم بالتماع العينين، خاصة لدى الممثل.

أما محمود حميدة، فشاهين بالنسبة إليه أب، "حتى في طريقة "الخناقات" بيننا". أضاف أن حبّه له "لم يأتِ إلا بعد تعاملنا مع بعض. أثّر بي وأثّرت به على مستوى علاقة المخرج بالممثل في التوجيه الدرامي. عملي معه في "المهاجر" غيّر طريقته في إدارة الممثل". من جهتها، بدت لبلبة في قمة سعادتها وانفعالها بهذا الحدث، وقالت إنه رغم أفلامها الـ85، فإن فيلمين اثنين تحديدًا تفخر بهما: "الآخر" و"الاسكندرية... نيويورك". قالت إنها تعلّمت منه الكثير، وإنّ أوّل شيء تعلّمته هو أن "لا شيء في الشغل يحدث صدفة، بل كل شيء مدروس وبدقّة". كما أنها روت كيف قابلته للمرّة الأولى: "اعتنيت بأناقتي جدًا، فهذا شاهين من سألتقيه. لكن، بمجرّد أن فتح الباب لي حتى صاح بي: "لا أريدك هكذا. أفضّلك وجهًا جديدًا أكتشفه، فيه شبه من لبلبة. أريدك في دور بهية. أتعرفين من هي بهية في أفلامي؟ إنها مصر". أضافت أنه أصرّ عليها أن تقرأ السيناريو في المكتب، مع أنها وافقت قبل قراءته، وهذا "كي أعمل حاجة حلوة وأحسّ بالدور".

لبلبة سعيدة بهذا التقدير العظيم ليوسف شاهين في فرنسا: "إنه في قلبي، وأحسّ بأنه موجود معنا هنا، مع أشيائه وأوراقه وكلماته التي كان يخاطبنا بها. لن أنساه أبدًا".

المساهمون