حفريات يني قابي: تاريخ إسطنبول يكتب من جديد

حفريات يني قابي: تاريخ إسطنبول يكتب من جديد

13 ابريل 2020
موقع الحفر في يني قابي (فيسبوك)
+ الخط -
ما إن تُذكَر إسطنبول، حتى تقفز إلى الذاكرة مقولة نابليون بونابرت: "لو كان العالم كله دولةً واحدة، لكانت إسطنبول عاصمتها"، أو تأخذنا الذاكرة إلى أسماء بيزنطة والقسطنطينية والأستانة وحتى إسلامبول، وقت كانت إسطنبول عاصمة للإمبراطورية الرومانية 330، وعاصمة الإمبراطورية البيزنطية عام 339، وصولاً لكونها عاصمةً للدولة العثمانية من عام 1453، حتى أكتوبر/ تشرين الأوّل عام 1923، وقت نقل مصطفى كمال أتاتورك العاصمة من إسطنبول إلى أنقرة.

ولكن، قلما تجرأ باحث أن ينسب إسطنبول إلى العصر الحجري، إلى أن جاءت حفريات نفق مترو مرمراي، الواصل بين الشطرين الآسيوي والأوروبي، عام 2004 بمنطقة يني قابي على مساحة 60 ألف متر مربع. لتقول هذه الاكتشافات للمؤرخين: توقفوا، هذه المدينة كانت مستعمرة بشرية قديمة منذ العصر الحجري الحديث، وتعود إلى الألفية السابعة قبل الميلاد، أي حتى قبل أن يتكون مضيق البوسفور.

كانت المدينة الواقعة في قارتي آسيا وأوروبا عاصمة لعدد من الدول والإمبراطوريات عبر تاريخها الطويل، وذلك بحكم موقعها الجغرافي والحضاري المركزي. ودخل العثمانيون القسطنطينية يوم 29 مايو/ أيار عام 1453 للميلاد بقيادة السلطان محمد الثاني الملقب بـ"الفاتح" بعد حصارها لمدة 53 يوماً، وبعد عمليات عسكرية معقدة لتجاوز خطوط دفاع "سور القسطنطينية" التي تحمي المدينة من البر والبحر. وبعد الفتح العثماني، نقل "الفاتح" عاصمة الدولة العثمانية من أدرنة إلى القسطنطينية التي أصبح اسمها إسلامبول (أي مدينة الإسلام). وبدأت مرحلة جديدة في تاريخ المدينة، ارتبطت بعاصمة الامبراطورية العثمانية التي مثّلت الإسلام حينذاك وتوسعت، بدءاً من الاستيلاء على مناطق سيطرة البيزنطيين في الأناضول وآسيا الصغرى خلال حكم أولاد أرطغرل، وصولاً إلى بلاد الشام ومصر بعهد سليم الأول، ثم في أوج عصرها، إلى جزيرة رودس، والقسم الجنوبي والأوسط من بلاد المجر، وطرابلس الغرب، وذلك في زمن الابن سليمان الذي لُقب بـ"القانوني".

لكن من أسرار إسطنبول، أنها باقية وتتمدد رغم نقل العاصمة إلى أنقرة، ومحاولات أنطاليا السياحية سرقة الضوء. فبحسب آخر بيان لهيئة الإحصاء التركية، زاد عدد سكّانها عن أعداد سكان 131 دولة حول العالم، وذلك بعد أن بلغ عدد سكانها 16 مليون نسمة، لتتجاوز بعدد سكانها بلجيكا (11.5 مليون نسمة)، واليونان (11.1 مليون نسمة)، والنمسا (8.8 ملايين نسمة)، وبلغاريا (7 ملايين نسمة).

ولكن، على أهمية ما تضمُّه إسطنبول، جاء كشف ماضي المدينة الممتد لـ 8500 عام ليعيد النظر في كل ما سلف.
وفي هذا السياق، يقول البروفسور أوفوق قوجاباش، عضو الهيئة التدريسية بكلية الآداب لدى جامعة إسطنبول، ورئيس مشروع الحطام في منطقة يني قابي: "حفرنا ميناء بيزنطياً، وعند وصولنا إلى الطبقة السفلى في الحفريات، اكتشفنا أطلالاً تعود لفترة العصر الحجري الحديث، أي قبل حوالي 8000 – 8200 عام من الآن". ويضيف: "هذه المنطقة المكتشفة ضمن شبه الجزيرة التاريخية بإسطنبول، تعدّ أقدم منطقة مأهولة في المدينة. كما توصلنا بفضل هذه الحفريات إلى بقايا ميناء ثيودوسيوس، أحد أهم موانئ القسطنطينية لما كانت عاصمة الإمبراطورية البيزنطية. عُثر داخل الميناء على حطام 37 سفينة، وعشرات الآلاف من الآثار البحرية". كما عثر فريق البحث على سفينة تحتوي على مقتنيات وأشياء خاصة كان يستخدمها قبطان وطاقم السفينة في حياتهم اليومية، منها سلة من الحصير، وبداخلها بذور كرز وحبات الزيتون. يبدو أنها كانت سفينة وصلت إلى القسطنطينية محملة بالبضائع، ولم تكن قد أفرغتها بعد.

ويضيف الأكاديمي التركي خلال مقابلة نشرت عبر الموقع الإلكتروني الرسمي لولاية إسطنبول قبل أيام: "أكثر المكتشفات التي أثرت فيّ، هي آثار أقدام تعود لسكان العصر الحجري الحديث. حيث عثرنا خلال الحفريات على أكثر من 3 آلاف من آثار هذه الأقدام، تمَّ استخراجها من مكانها بكل دقة، والاحتفاظ بها. أحد الآثار الأخرى التي تم العثور عليها في الطبقة البيزنطية، هو دفتر خشبي، قسمه الداخلي مصنوع من الشمع، على الأغلب، قبطان السفينة كان يستخدم هذا الدفتر، ويسجّل ملاحظاته عليه. كما أن للدفتر فتحة خاصة، عند فتحها نجد ميزان صائغ.

المساهمون