سيغوبيا الإسبانية.. مدينة القناطر المدهشة

سيغوبيا الإسبانية.. مدينة القناطر المدهشة

13 يوليو 2015
قناطر سيغوبيا، أحد أشهر معالم المدينة (العربي الجديد)
+ الخط -
سيغوبيا، مدينة لا تشبه أي مدينة. تفاجئك، منذ اللحظة الأولى لزيارتها، بحضور صاعق لصف أعمدة وقناطر طويل، تعود للعصر الروماني، وبعلو شاهق، وببقاء كامل من دون تخريب.
تقع سيغوبيا، هذه المدينة الإسبانية، بالقرب من مدريد العاصمة، ولكنها لا تبعد عن التاريخ أبداً، فهو حاضر في كل حجر من حجارة قناطرها المذهلة، وحاضر أيضاً في الحضارات التي مرت عليها، مثل الحضارة المسيحية والحضارة العربية الإسلامية. لكن المدهش فيها فعلا هو بقاء هذا الأثر الروماني فيها حتى الآن كاملا ومتماسكا، وهو عبارة عن مشروع حيوي أقامه الرومان كي يغذي المدينة الواقعة على جبل بالماء، إذ إنه استطاع أن يجر إليها الماء من مكان بعيد جداً هو جبل آخر فيه واد كبير وبحيرة تبعد ثمانية عشر كيلومتراً عن المدينة، ما أدى إلى خلق حياة جديدة كاملة فيها كانت مستحيلة، بسبب وعورة المسافة وطولها، وبسبب اختلاف الارتفاع.
تتألف هذه القناة المائية المبنية بالحجر الغرانيتي الأحمر، والتي تخدعك حين تشاهدها، إذ يُخيل إليك أنها مبنية فقط لسبب فني أو جمالي أو لسبب دفاعي، من مائة وستة وستين قوساً أو قنطرة، ويصل أعلى حد في ارتفاعها إلى عشرين متراً. يعتبر مشروع الممر المائي، أو القناة المائية هذا، والذي يسمى "الأغوا يدوكتو"، من أهم المشاريع المعمارية الأثرية في العالم، والتي لم تزل تحتفظ ببهائها وشكلها، ولم تؤثر فيه السنون، والتي تعبر عن نفسها بقوة لا مثيل لها، لذا قررت هيئة اليونسكو العالمية ضم مدينة سيغوبيا إلى لائحة التراث العالمي.
إن الدقة المعمارية المميزة لبناء هذه القناة وضخامتها، تترك لدى كل من يشاهدها إحساسا بعظمة الإنسان وعقله. لقد مرت الحضارة الإسلامية التي حكمت إسبانيا على هذه المدينة مثلما مرت على باقي المدن، ولكنها ككل ما تركته هنا في إسبانيا، أصرت على الحفاظ على كل جميل وعلى ترك روح لا تموت. لذا قرر الأمير المأمون، أمير طليطلة، في عام ألف واثنين وسبعين، ترميم الأجزاء التي دمرت من هذه القناة بسبب الحرب التي كانت تدور بين المسلمين والمسيحيين. وأمر بإصلاح ستة وثلاثين قوسا كانت قد أصيبت في هذه الحروب.
ولا يتوقف أثر الحضارة الإسلامية في هذه المدينة الأثرية على مجرد ترميم أقواس الممر المائي الضخم والفريد، وإنما يتعداها إلى وجود بيوت وحارات كاملة لم تزل تحتفظ بطابعها العربي الإسلامي، إذ تجد هنا الحارات الطويلة الضيقة كحارات دمشق القديمة، والتي يبقى الظل والرطوبة فيها طيلة النهار حتى في أشد أيام الصيف حرارة. كما أنك تجد البيوت على نفس طابع بيوت باب توما، إذ تلاقيك باحة كبيرة تتوسطها بركة الماء، كما أن باب البيوت منقوش بالزخارف والكلمات العربية الإسلامية، خاصة عبارة "لا غالب إلا الله" المميزة للحضارة الإسلامية في الأندلس، والتي حفرت على كل جدران وأقواس قصر الحمراء.
وحين تذهب لزيارة سيغوبيا عليك أيضا أن تزور قلعتها الضخمة، والتي أخذت اسمها أيضا من العربية، إذ يطلقون عليها اسم "الكاثير" أو "القصر"، وهي عبارة عن عدة أبراج تحمل الطابع الشرقي، فيها طابق أرضي يحتوي على العديد من اللوحات والمنحوتات والقطع العسكرية القديمة، وفيها درج طويل جدا يصل بك إلى أعلى الأبراج، ليعطيك منظرا للمدينة ساحرا، خاصة لقناتها المائية الطويلة. 7

اقرأ أيضاً: يوم اللاجئ في إسبانيا


تناوبت على هذا القصر كل الحضارات التي مرت بسغوبيا، لكن في عام ألف وثمانمائة وثمانين أعاد الملك الفونسو بناءه بعدما كان مقرا للملك خوان الأول، ثم للأنريكي الرابع شقيق الملكة الكاثوليكية إيزابيل، لكنه الآن يعتبر متحفا عسكريا ضخما.
إن كل ما في المدينة يمسك بالتاريخ ولا يتركه، ويمسك بالزائر أيضا، لكن تبقى القناة المائية فيها سيدة الدهشة التي لا تقاوم.

المساهمون