مقبرة كينية تدحض فرضية المجتمعات الهرمية في العصور القديمة

مقبرة كينية تدحض فرضية المجتمعات الهرمية قديماً: لا أسياد ولا عبيد

22 اغسطس 2018
مكان اكتشاف المقبرة (تويتر)
+ الخط -
لقد افترضَ الباحثون منذ فترة طويلة أنَّ المعالم الأثريّة الضخمة في عصور ما قبل التاريخ هي دليلٌ دامغ على أنَّ المجتمعات السائدة في ذلك الوقت كانت هرميَّة، فيها أسياد وعبيد وطبقات مستغلِة وطبقات مستغلَة. ولكن، بعد اكتشاف مقبرةٍ جماعيّة ضخمة في كينيا تعود لأكثر 5000 عام، بدأ التشكيك في هذه المسألة. 

اكتشفت المقبرة بالقرب من موقع "لوتاجام نورث" الأثريّ على بحيرة توركانا، الذي يعتبر أقدم مبنى ضخم في شرق أفريقيا. وجد في المقبرة بالقرب من الموقع الأثري حوالي 580 شخصاً على الأقل، وقد وجدت في المقابر الكثير من المجوهرات والأشياء الشخصيَّة. وقد قام هؤلاء العمال ببناء منصة ضخمة يصل طولها إلى 30 متراً. وحول المنصّة توجد دوائر حجريَّة عالية، ويبلغ قطر كل دائرة 1.5 متر.  

ومن الواضح أنَّ نوعاً كهذا من الصروح لا يمكن إلا أن يبنى من قبل العديد من الناس، وبوجود شكلٍ من أشكال التنظيم الذاتي. سابقاً، كان يعتقد بأنَّ التسلسل الاجتماعي الهرمي هو شرط أساسي لشروط الحضارة في العصور القديمة، إذْ يحتاج ربّ العمل إلى طاقة سياسية واجتماعية عالية حتّى يتمكّن من إجبار الناس على العمل. وهذا ما حصل تقريباً في الأهرامات المصريّة وفي بناء سور الصين العظيم. لكن، عند تحليل العظام من مقبرة كينيا، أكّد الباحثون من معهد "ماكس بلانك" في العاصمة الألمانية برلين، أنّ سكان المقبرة هذه قد عاشوا في مجتمعٍ قائم على المساواة. وقد نشرت نتائج الدراسة في مجلّة "وقائع الأكاديمية الوطنيّة للعلوم". 
وقد توصل فريق معهد "ماكس بلانك" إلى هذه النتائج، من خلال المقارنة بين هذه المقبرة المكتشفة والمقابر الأخرى التي تكون فيها الهرمية الاجتماعية واضحة. إذ في المقبرة الكينيَّة توجد عظام لناس من جميع الأعمار، ولا يوجد أيّ شيء يشير إلى وضع خاصٍ أو مميّز أو طبقي لمجموعة أو لأفراد معينين، كما أنَّ المجوهرات والأحجار الكريمة، وهي الدليل القطعي على التمايز الطبقي، مفروشة بعدالة ومساواة بين كل العظام. وكان من بين هذه الحلي أوان من بيض النعام وأقراط وسلاسل صخرية لتزيين الرقبة أو الخصر أو الكاحل.


وكانت لدى بعض الجثث أقراط مصنوعة من عاج فرس النهر. ويحمل أحد موتى هذه المقبرة غطاء للرأس مصنوعاً من 113 سناً لفئران، في حين كان أحد الموتى مزيّناً بـ 12 ناباً مثقوباً من أنياب فرس النهر. كما عثر الباحثون على مئات الأحجار والمعادن الملونة، وقد أثنوا على ما رأوه من "مهارة إبداع فني" لصناع هذه الزينة. وبحسب الباحثين، كان مشيدو هذه المقبرة رعاة ماشية يعيشون حياة البدو.

في هذا الوقت، أي قبل نحو 5000 سنة، كان مناخ المنطقة جافاً بشكل ملحوظ، بعد أن ظل رطباً على مدى آلاف السنين، كما تراجع منسوب بحيرة توركانا بواقع 55 متراً، وتقلص سطح المياه بنحو النصف. ويبدو أن رعاة أغنام وماعز وأبقار وصلوا آنذاك إلى البحيرة حيث كان يعيش صيادو أسماك وصيادو حيوانات برية، وآخرون عاشوا على التقاط الثمار. وقال الباحثون إن المقبرة كانت مكاناً لإقامة المراسم والطقوس لتعزيز الهوية الاجتماعية في وقت التحول الكبير.

المساهمون