"ملف سري"... قبلة الحياة للمسرح السوداني

"ملف سري"... قبلة الحياة للمسرح السوداني

23 يناير 2018
أعادت المسرحيّة الجمهور إلى دور العرض المسرحيَّة (فيسبوك)
+ الخط -
لم يفكر الشاب السوداني، نزار العباسي، طوال حياته الممتدة لـ30 عاماً، في الذهاب إلى المسرح، والجلوس على مقاعد المتفرّجين، لمشاهدة مسرحية سودانية. وله في ذلك أكثر من مبرر، أهمها، ضعف مستوى الإنتاج المسرحي وطابعه التقليدي وبُعد دُور العرض عن مكان إقامته، وارتفاع أسعار تذاكر التي دوماً ما تكون فوق طاقته. العباسي، وبعد نصيحة أكثر من صديق، حضر يوم السبت الماضي، لمشاهدة آخر عرض لمسرحية "ملف سري". وخرج بانطباعات جيدة عن العمل، الذي أعاد الجمهور للمسرح، بعد سنوات من القطيعة.

ويقول العباسي لـ"العربي الجديد" إنه وجد في مسرحية "ملف سري" ما كان يبحث عنه، من واقع اقتصادي وسياسي واجتماعي في السودان، مُتجسّداً في قوالب كوميدية ساخرة، غايتها الإضحاك والإسعاد، بالإضافة إلى التفاعل مع أعماقها الإنسانية، وأبعادها السياسية. وبدأت فرقة "الأصدقاء" المسرحية عرض مسرحية "ملف سري"، لأول مرة في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في مسرح "قاعة الصداقة" في وسط الخرطوم. ولم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن تستمر عروضها لأكثر من ثمانية أسابيع. لكنها استمرت لأكثر من 15 أسبوعاً، وبعرضين في اليوم، في بعض الأحيان.
وتتناول المسرحية قصة ملجأ للعجزة، حيث يعيش العجزة تراجيديا هجر الأبناء، وإهمال الدولة، مع استغلال إدارة الملجأ لهم، من أجل الحصول على مكاسب مالية، وتحويلها للمنفعة الشخصية. فضلاً عما يواجهه العجزة من أمراض الكبر التي تحيط بهم من كل جانب، خاصة مرض ألزهايمر الذي يعيدهم في كثير من المشاهد المسرحية إلى تاريخهم وحياتهم الأولى، قبل إيداعهم في ذلك الملجأ.
وأراد المؤلف، بصورة أدقّ، عكس المشكلات الاجتماعية في السودان، والسخرية من الواقع السياسي، والفساد في المؤسسات الحكوميَّة. بينما استطاع مخرج المسرحية التعامل مع النص بحرفية خاصة، خصوصاً في لحظات حنين "العجزة" إلى ماضيهم، وتوجّعهم من واقعهم المرير.
ويقولُ مُؤلف المسرحيّة، عوض شكسبير، لـ"العربي الجديد"، إنَّ الفكرة سيطرت عليه حينما زار داراً للعجزة والمسنين. ولمس مشاكل نفسيّة حقيقيّة واجتماعيّة. ووجد ذلك "ملفاً سريّاً"، لم يجرؤ الإعلام ولا الدراما على الاقتراب منه. مُنبِّهاً إلى أنّ كتابة النص استمرت نحو ثلاثة أشهر، حتى ظهرت المسرحيَّة بصورتها الأخيرة.
وأضاف شكسبير الذي مثّل أيضاً دور طبيب انتهازي يعمل في دار المسنين، ويريد الحصول عل كل شيء لإكمال بناء منزله، أنّه حاول بصعوبة متناهية تحويل التراجيديا التي تعيشها شريحة المسنين إلى قالب كوميدي مسرحي، أضحك غالبية من شاهدوه.
وأشار المؤلف إلى أنَّ المسرحيَّة، وحسب تقدير كثير من الناس، أعادت الجمهور إلى دور العرض المسرحيَّة، والتصالح معها من جديد، بعد انقطاع طويل جداً. مُشيراً إلى أن كثيراً من الشباب دخلوا المسرح لأول مرة لمشاهدة العرض. وذلك يمثل أوضح مؤشر على نجاح المسرحية، بعد مثابرة الفنانين المشاركين فيها ومغامرة الشركة المنتجة.

وأعلن شكسبير عن جولات للفرقة ستقوم بها في عدد من البلدان العربية، لعرض المسرحية، خاصة أن مشكلة العجزة والمسنين تعُمُّ كل المجتمعات العربية، وليست حصراً على المجتمع السوداني، على أن تعود للمسارح الداخلية في مارس/ آذار المقبل.


المساهمون