حكومة الأكثرية في لبنان... متى دعت حاجة "8 آذار"

حكومة الأكثرية في لبنان.. متى دعت حاجة "8 آذار"

03 أكتوبر 2018
الحريري متمسك بتشكيلته الحكومية التي رفعها لعون(حسين بيضون)
+ الخط -
أعاد مقترح رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، عن "حكومة أكثرية"، النقاش حول فكرة هذه الحكومة، خصوصاً أن الحكومات عادة في لبنان، ذات صبغة "توافقية" بعنوان "حكومة وحدة وطنية". وفي حالات نادرة، تمّ اعتماد "حكومة أكثرية"، مثلما حصل مع حكومة نجيب ميقاتي عام 2011، التي تشكّلت بعد إطاحة سعد الحريري. ودائماً ما ارتبط اسم "حكومة أكثرية" بفكرة "إقصاء فريق سياسي" عن السلطة. بالتالي فإن طرح عون، يبدو أقرب إلى فكرة الإقصاء من فكرة المشاركة.


صحيح أنه عادة ما تستقيم اللعبة الديمقراطية وفق منطق الأكثرية التي تحكم، والأقلية التي تعارض. لكن في لبنان اللعبة السياسية محكومة بالمحاصصة الطائفية – الحزبية، وبالموازين الداخلية والإقليمية والدولية، ما يفرز دوماً ممارسات هجينة، غير موجودة حول العالم سوى في لبنان.

قبل اتفاق الطائف (1989) كانت اللعبة الديمقراطية في لبنان، تسير وفق قواعد واضحة، كان يحكم من يحكم، وكان يعارض من يعارض، وكان مجلس النواب يقوم بدوره الرقابي والتشريعي، وكان يحتضن جلسات صاخبة، كانت خلالها قوى المعارضة تحاسب الحكومات وترفع الصوت. بعد الاتفاق، باتت اللعبة أسيرة حسابات أخرى، وكان النظام السوري ضابطاً لها، فلا معارضة إلا في المنفى أو في السجن، ومن يحكم يحكم بغطاء ورعاية النظام السوري، وسط خلافات ثانوية بين الأفرقاء في لبنان، كان عادة يعود للنظام السوري دور ضبطها وتأطيرها.

انسحب النظام السوري في 26 إبريل/نيسان 2005. ومنذ هذه اللحظة، بات لزاماً على اللبنانيين الحكم بأنفسهم، من دون رعاية، ومن دون ضابط إيقاع، فشكلت أولاً ما اصطلح على تسميته بـ"الحكومة الحيادية" برئاسة ميقاتي. وقامت بدورها بإجراء الانتخابات النيابية، التي أفرزت فوزاً لقوى 14 آذار، لكنه بقي حبراً على ورق بسبب عدم قدرتها على الحكم ورفض قوى 8 آذار القيام بدورها في المعارضة.

منذ انتخابات عام 2005، بدأ مصطلح "حكومة الوحدة الوطنية" بالتداول لبنانياً، حتى بات أمراً مكرساً، وبديلاً من أساسيات اللعبة الديمقراطية، على الرغم من أن حكومة الوحدة عادة ما تشكل في لحظات سياسية حرجة، تتطلب تكاتفاً وطنياً. شُكّلت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى (2005) والثانية (2008)، ثم حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى (2009)، وكلها كانت تحت شعار "الوحدة الوطنية"، التي من خلالها تكرست مفاهيم جديدة، تحت حجة الدستور، ومنها "الميثاقية"، وتمثيل الطوائف. واختُزل منذ ذلك الحين تمثيل المكونات اللبنانية ببعض الأحزاب، فباتت أي حكومة لا تضم الثنائي الشيعي (حزب الله وأمل)، غير ميثاقية، وإن كانت تضم شخصيات شيعية من خارجهما. كما بات أي تمثيل مسيحي لا يضم "التيار الوطني الحر" يقال عنه منقوصاً، بعد أن ادعى "التيار" خلال هذه الفترة أنه يمثل 70 في المائة من المسيحيين.



هكذا أعادت استقالة الوزراء المحسوبين على "حزب الله" وحركة "أمل" في نوفمبر/تشرين الثاني 2007، من حكومة السنيورة الأولى فتح النقاش الدستوري على مصراعيه، خصوصاً أن الدستور يلحظ استقالة الحكومة في حال استقال ثلث أعضائها أو رئيسها، لكن في هذه الحالة قاد الثنائي الشيعي حملة على الحكومة معتبراً إياها بحكم المستقيلة، بما أن الوزراء الشيعة استقالوا وبالتالي لا ميثاقية لهذه الحكومة استناداً إلى مقدمة الدستور التي تنصّ على أن "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك". مع ذلك، استمرت حكومة السنيورة حتى مايو/أيار 2008.

ما كان مسموحاً لقوى "8 آذار"، وما كرسته عملياً منذ عام 2005 تحت شعار ميثاقية العيش المشترك، عادت هي فعلياً للتخلي عنه عندما استقال الوزراء المحسوبون على "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" وحركة "أمل" من حكومة سعد الحريري الأولى في يناير/كانون الثاني 2011، وتلاها تكليف ميقاتي تشكيل حكومة أكثرية استُثني منها فريق 14 آذار، بعد أن فرض عامل أحداث 7 مايو 2008، تموضعاً جديداً في الوسط لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، فانتقلت الأكثرية من يد 14 آذار إلى يد 8 آذار وجنبلاط، قبل أن يعود الجميع إلى لعبة حكومة الوحدة الوطنية في حكومة تمام سلام (2014) ولاحقاً حكومة الحريري الثانية (2016).

عملياً، لم تسمح سطوة سلاح "حزب الله" لقوى 14 آذار يوماً بأن تحكم، ولم تسمح المحاصصة إلا بتكريس تمثيل أحادي أو ثنائي لكل طائفة، وبات معها أي استثناء لأي حزب يعني استثناء الطائفة، وفق ما كرسه فريق 8 آذار.

عليه، وقبل أيام فاجأ عون الجميع وقبل عودته من نيويورك، حيث شارك في أعمال الدورة الـ73 للجمعية العامة للأمم المتحدة، بالحديث عن حكومة أكثرية. وقبل أن تطأ قدماه لبنان، دعا إلى تأليف حكومة أكثرية، في حال فشل مساعي تأليف حكومة ائتلافية "وفقاً للقواعد المعمول بها، ومَن لا يريد المشاركة فليخرج منها".


لم تفهم دعوة عون سوى أنها استهداف واضح لـ"القوات اللبنانية" و"الحزب التقدمي الاشتراكي"، على الرغم من أن عون ربط دعوته بالجميع، وحتى بـ"التيار الوطني الحر"، من موقعه كرئيس للجمهورية، لكن هذا الربط لم يفهم سوى أنه محاولة لعدم الظهور بمظهر المصوب على بعض الأطراف الداخلية.



لا شك في أن طرح عون دستوري، لكن المفارقة أن ما كرسه عون والثنائي الشيعي سابقاً، بات اليوم يصلح، وهو تماماً ما حصل عند تأليف حكومة ميقاتي التي استُثنيت منها يومذاك قوى 14 آذار، على الرغم من دعوة ميقاتي الجميع إلى الدخول في حكومته.

أعاد عون النقاش الحكومي إلى نقطة الصفر. وتقول مصادر سياسية متابعة لحركة تأليف الحكومة لـ"العربي الجديد" إن "لبنان بات أسيراً لقوى 8 آذار ومن خلفها إيران، وهذه حقيقة يدركها الجميع في لبنان وخارجه، لكن هذه السطوة لا تريد قوى 8 آذار أن تكون ظاهرة بطريقة فجة، ووفق ذلك هي متمسكة بالحريري على سبيل المثال ليكون رئيساً للحكومة، لأن وجوده يعني تغطية واضحة لهذه القوى. لكن في المقابل وإذا كان الحريري حاضراً على رأس الحكومة، يصبح وجود الاشتراكي والقوات غير ضروري، لأن التغطية الأساس يمنحها موقع رئاسة الحكومة عبر شخص الحريري وما يمثل".

تعتبر قوى 8 آذار أن علاقة كل من رئيس حزب القوات سمير جعجع وجنبلاط بالسعودية متينة، وأكثر متانة حتى من علاقة الحريري بها بعد الخلافات الأخيرة، وإعلان استقالته من الرياض (نوفمبر/تشرين الثاني 2017)، وما رافق هذه المرحلة من حديث عن احتجاز الحريري، ولاحقاً عن وساطات قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أدت إلى انتقال الحريري إلى باريس قبل عودته إلى بيروت وتراجعه عن استقالته.

وفق هذه القراءة، تعتبر قوى 8 آذار أن "استبعاد جعجع وجنبلاط يؤدي إلى ضرب النفوذ السعودي في لبنان كلياً، وتالياً الإخلال بالتوازن المطلوب في الحكومة لجهة تمثيل أفرقاء غير محسوبين على المحور الإيراني، في لحظة دولية وإقليمية بالغة الخطورة، تتزامن مع عقوبات على إيران وحزب الله، وتهديدات بحرب شاملة من قبل إسرائيل".


وعلى الرغم من جدية طرح عون كما تقول المصادر، إلا أن "هذا المسعى أُجهض فوراً"، بعد إبلاغ الحريري الجميع رفضه هذا الطرح، خوفاً من دخول الحكومة بلا سند حكومي، والتحول إلى رئيس صوري لا يحكم ولا يقرر، بما أن أغلبية الحكومة ستكون بيد "حزب الله" و"التيار الوطني الحر".

ليس وحده قرار الحريري الذي أجهض مساعي عون، بل أيضاً عدد آخر من القيادات على رأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يرفض أولاً استبعاد "صديقه" جنبلاط، كما يرفض استفزاز السعودية عبر حكومة لا تضم جنبلاط وجعجع، ويرفض حكومة يكون فيها الصوت المرجح لـ"التيار الوطني الحر" ورئيسه جبران باسيل، الذي سيتحول في حال سلك اقتراح عون مساره، إلى الرئيس الفعلي للحكومة. بالإضافة إلى موقف رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية، الذي يتقاطع مع بري في موقفه من "التيار الوطني الحر"، وكذلك بعد التقدم اللافت في العلاقة مع "القوات اللبنانية"، بعد عقود من القطيعة منذ الحرب الأهلية (1975 ـ 1990) التي اغتالت خلالها "القوات" طوني فرنجية والد سليمان في مجزرة إهدن في شمال لبنان (13 يونيو/حزيران 1978).

يقول العارفون إن ما طرحه عون جدي، لكن في المقابل ضرب صورة العهد، وصورة الرئيس الجامع للبنانيين، وأدخل نفسه طرفاً في الصراع الحكومي، على الرغم من أن "التيار الوطني الحر" يطالب بحصة منفصلة عن حصة الرئيس الحكومية. وبات لزاماً التعامل مع هذا الواقع بانتظار لقاء أو مشاورات على خط عون - الحريري، الذي أكدت مصادره أنه "مصمم على تصوره الأول مع إمكانية إدخال بعض التعديلات وفق قاعدة تنازل الجميع".