مناورات تشبه العدوان: المخاوف من حرب على غزة بذروتها

مناورات تشبه العدوان: المخاوف من حرب على غزة بذروتها

31 يناير 2018
من فعاليات جماهيرية بغزة ضد قرار ترامب(عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -

تتخوف قوى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة من شن إسرائيل حرباً جديدة على القطاع المحاصر، مع رصدها حشوداً عسكرية إسرائيلية كبيرة على الحدود الشرقية والشمالية للقطاع، ليل الإثنين ــ الثلاثاء، بالتزامن مع تحذير المنسق الأممي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، أمس الثلاثاء، من أن قطاع غزة على شفا انهيار تام، بفعل استمرار الأوضاع الجارية وتعطل المسيرة السلمية، معتبراً أن هناك حاجة إلى تدخّل سريع لمنع حدوث ذلك.

وقال مسؤولون في غزة، لـ"العربي الجديد"، إنّ قوى المقاومة الفلسطينية رصدت، في الساعات الأخيرة، حشوداً عسكرية إسرائيلية كبيرة على الحدود الشرقية والشمالية للقطاع الساحلي المحاصر، بشكل مفاجئ، ما رفع حالة التأهب في صفوف المقاومة وأجهزتها العاملة في مختلف الميادين. وأشاروا إلى أنّ الحديث يدور عن حشود غير قليلة، وتشبه تلك التي يتم حشدها قبيل شن العدوان على القطاع، ولذلك رفعت المقاومة من جهوزيتها ومن درجة التأهب خشية أن تقوم إسرائيل بمباغتتها وتشن عدواناً جديداً. ورغم الحديث الإسرائيلي  عن مناورات مرتقبة في مناطق غلاف غزة، قال مصدر في المقاومة، لـ"العربي الجديد"، إنّ المقاومة تخشى من أن يكون الحديث عن مناورات خدعة وتمويهاً، لذلك رُفعت درجة التأهب إلى ما قبل الأخيرة. ووفق مسؤولين، تحدثوا لـ"العربي الجديد"، فإنّ خطة الطوارئ للتعامل مع مثل هذه الحالات جرى تطبيقها بشكل سريع لتشمل جميع المقار الأمنية في القطاع، إضافة إلى مواقع المقاومة المتاخمة للحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة والمواقع الداخلية، والتي جرى إخلاؤها إلا من عدد قليل جداً من العناصر.

وتزامن ذلك مع استمرار تحليق الطيران الاستطلاعي الإسرائيلي المكثف في أجواء قطاع غزة في الساعات الأخيرة. وتقول مصادر في المقاومة، لـ"العربي الجديد"، إنّ الفصائل متفقة على إبعاد شبح الحرب عن غزة أطول فترة ممكنة، وألا تذهب إلى معركة مع إسرائيل في ظل الأوضاع المعيشية والاقتصادية والإنسانية الصعبة في القطاع الساحلي. ويعيش مليونا فلسطيني أوضاعاً صعبة في القطاع المحاصر منذ 12 عاماً، والذي وصلت فيه معدلات الفقر والبطالة إلى أرقام قياسية، مع استمرار تعثر جهود المصالحة الفلسطينية وتوقفها عند ملفي الموظفين والجباية المالية. وتشبه الأوضاع الحالية التي يعيشها القطاع، تلك التي كانت قبيل عدوان العام 2014 إلى حد كبير جداً، وهو ما يثير قلق الفلسطينيين، الذين يعتقدون أنّ إسرائيل إذا ذهبت لحرب في هذه الأثناء ستكون قاسية، وبلا ظهير عربي للمقاومة والشعب الفلسطيني.

إلى ذلك، حذر المنسق الأممي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، في كلمة أمام مؤتمر لمركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في تل أبيب، أمس، من أن قطاع غزة على شفا انهيار تام، بفعل استمرار الأوضاع الجارية وتعطل المسيرة السلمية، معتبراً أن هناك حاجة إلى تدخّل سريع لمنع حدوث ذلك. وشدد على أنه لا بديل عن حل الدولتين، باعتباره الحل الوحيد الذي يمنح الجميع حياة كريمة، ويمنح تحقيق المصير لكل الأطراف. وأكد أن الأمم المتحدة و"الرباعية الدولية" لا تريان حلاً آخر غير حل الدولتين، وأن هذا الحل سيعود بفوائد هائلة على منطقة الشرق الأوسط، ويفتح المجال أمام التعاون بين إسرائيل والعالم العربي، وأنه لا يمكن توقّع أي تعاون من دون تحقيق هذا الحل. وبحسب ملادينوف فإنه لا يمكن التوصل إلى حل عبر القوة، وإنما فقط من خلال مفاوضات مباشرة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، باعتبارهما القادرين، في نهاية المطاف، على تقديم التنازلات اللازمة للتوصل إلى حل، وباعتبارهما من سيتحمل تبعة هذه التنازلات. واعتبر أن العنف والإرهاب، ومواصلة بناء المستوطنات والقيود المفروضة على الفلسطينيين، تشكل عائقاً أمام تحريك العملية السلمية، وأن حل الدولتين بات اليوم يواجه تحديات خطيرة وتشكيكاً في كونه الحل الوحيد الممكن.

حراك متواصل ضد ترامب

إلى ذلك، يستمر الحراك الشعبي والجماهيري الفلسطيني لمواجهة قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ونقل السفارة إليها، ومعه تستمر الخشية من اتخاذ الإدارة الأميركية مزيداً من القرارات التي تصب في صالح إسرائيل، وتجرّد الفلسطينيين من مزيد من أوراق قوتهم عبر استهداف ثوابتهم الوطنية.

ومع الحراك الشعبي والمسيرات والوقفات الاحتجاجية، التي تأخذ زخماً تصاعدياً في أيام محددة ثم تهدأ، وفق ما تقرره القوى الوطنية والإسلامية والفعاليات الشعبية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، بدأ الفلسطينيون في العودة لأيام الإضرابات لإعادة صياغة المشهد الفلسطيني من جديد.

ويعيد مشهد الإضرابات، الفلسطينيين، إلى أيام الانتفاضة الأولى، أو ما يطلق عليها انتفاضة الحجارة، إذ كانت الإضرابات وسيلة رئيسية في الحراك الشعبي ضد الاحتلال الإسرائيلي وقراراته وعدوانه، غير أنها اليوم عادت بزخم أقلّ حيوية، ولكن باهتمام إعلامي أكبر.

ومع التحركات الشعبية والفصائلية، تستمر السلطة الفلسطينية في مساعيها لإبطال قرار ترامب، والتحذير من استمرار الضغط الأميركي عليها وعلى الفلسطينيين، والذي بات يأخذ أبعاداً جديدة عبر تقليص الدعم لوكالة "أونروا"، والتهديد بقطع المساعدات المالية عن السلطة. لكنّ الأخيرة لا تزال تغفل أحد أهم مصادر قوتها، المتمثّل بموقف فلسطيني داخلي موحّد لمواجهة المخاطر التي تعترض القضية الفلسطينية وتهدد بتصفية ما تبقى منها، رغم الإجماع على ضرورة مواجهة ومجابهة القرارات الأميركية الأخيرة، و"صفقة القرن" المتوقّع إعلانها في وقت قريب.

وتبدو القيادة الفلسطينية، ومعها حركة "فتح"، بطيئتين في اتخاذ قرارات لتوحيد الصف الفلسطيني وترتيب منظمة التحرير ومؤسساتها لمواجهة القرار، رغم أنّ القرارات الأميركية جاءت لتستهدف مشروع التسوية السياسية والمفاوضات الذي يعتقدونه "وحيداً" لحلّ القضية الفلسطينية.

وفي هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي، تيسير محيسن، لـ"العربي الجديد"، إنّ "استمرار وتيرة التصعيد الشعبي والحشد الدولي من قبل السلطة الفلسطينية والمساندة العربية الوازنة لمواقفها، قد يعيق ولا يلغي قرار ترامب بنقل السفارة لمدينة القدس، كما يعرقل إصرار الإدارة الأميركية على إطلاق عملية مفاوضات جديدة مع الفلسطينيين"، مضيفاً أن "الحراك الشعبي والجماهيري وتحركات السلطة، ليست في صالح الإدارة الأميركية، التي تعمل جاهدة لدفع الفلسطينيين والإسرائيليين للجلوس على طاولة مفاوضات مع إغلاق ملف القدس".

ويلفت محيسن إلى أنّه "حتى هذه اللحظة، لم تستطع السلطة الفلسطينية أن تحصل على أرضية قوية فلسطينياً لمواجهة قرار ترامب، إذ ما زالت تراهن على الخارج وعلى حالة الاستقطاب لقوى دولية مساندة ومتعاطفة مع القضية الفلسطينية".

وتغفل السلطة أنّ أهم عامل للوقوف بصلابة أمام أي توجّه أميركي لتصفية القضية الفلسطينية، هو العامل الداخلي، وفق ما يقول محيسن، الذي يشير إلى أنّ "الموقف الوطني والوحدة وتوظيف كل إمكانات الفلسطينيين والموقف العربي الرسمي والشعبي لمساندة هذه المواقف، لا يمكن استدعاؤها والموقف الفلسطيني مفكك"، موضحاً أنّ على الفصائل الفلسطينية "أن تقف لمواجهة سياسة السلطة الحالية التي تتعارض مع عملية حشد موقف فلسطيني موحّد، ومطلوب منها، وخصوصاً من فصائل المنظمة، أن تفعل كما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي كانت سبّاقة في إحداث حالة من الفُراق السياسي في إطار المنظمة والانتقاد الواضح لسياسات السلطة".

من جهته، يوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة، حسام الدجني، أنّ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو راهن منذ اللحظة الأولى على أنّ الحراك الشعبي الفلسطيني سيكون "زوبعة في فنجان"، قد يستمر أسابيع ثمّ يلتفت الفلسطينيون إلى تفاصيل حياتهم اليومية.

ويشير الدجني في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "التعقيدات التي تشهدها حياة الفلسطينيين اليومية، جزء من المخطط التصفوي للقضية، عبر إشغال المواطنين بأمور حياتهم اليومية، رغم ما يتعرّضون له من مؤامرة لتصفية قضيتهم، على أهمية مشاغلهم الوطنية والحياتية".

ويضيف الدجني أنّ "المطلوب هو أن تكون الحراكات الشعبية والجماهيرية ضمن خطة استراتيجية شاملة، وضمن أنواع المقاومة كافة، والانتقال إلى مرحلة دعم المقاطعة لإسرائيل وأميركا داخلياً وفي كل مكان يمكن فعل ذلك فيه، حتى تكون الفاتورة مرتفعة ويعلم بعدها ترامب أنّ القرارات لتصفية القضية الفلسطينية ستكون مكلفة".

ويركّز الدجني على "تعزيز دور حركات المقاطعة، ما سيدفع اللوبيات الاقتصادية إلى إسقاط ترامب لتغيير السياسة تجاه القضية الفلسطينية، فاللوبيات الاقتصادية لها تأثير هام، ويجب استغلال ذلك".

أمّا الفصائل الفلسطينية، وفق الدجني، فهي "منشغلة، كما الشعب، في تفاصيل الحياة اليومية والمصالحة والحصار ومعدلات البطالة والمؤشرات الخطيرة التي يعيشها سكان غزة وواقع الاستيطان والتهويد في الضفة الغربية والقدس، وهي مستنفدة وعاجزة عن صناعة أي شيء يدفع الإدارة الأميركية لوقف هذه الإجراءات".

ويلفت إلى "ضرورة أنّ تعيد السلطة الفلسطينية توزيع الموارد المالية بطريقة عادلة على الفلسطينيين ورفع الإجراءات العقابية ضد غزة، وتعزيز صمود المواطنين، لتعزيز الانتفاضة وحشد العالم في إطار استراتيجية موحّدة لمواجهة مشاريع تصفية القضية الفلسطينية".

المساهمون