تداعيات جيوسياسية لانتقال تيران وصنافير إلى السعودية

انتقال تيران وصنافير إلى السعودية يحقق مصالح اقتصادية واستراتيجية لإسرائيل

19 يونيو 2017
مؤيدون لمصرية تيران وصنافير، يناير 2017 (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
تؤكد مصادر مصرية عسكرية، وأخرى متخصصة في النقل البحري، صحة ما أثاره المرشح المصري الخاسر في انتخابات الرئاسة، عقب ثورة 25 يناير، الفريق أحمد شفيق، من مخاوف مترتبة على تنازل النظام المصري، برئاسة عبد الفتاح السيسي، عن جزيرتي تيران وصنافير، باعتبار أن ذلك سيحقق مصلحة استراتيجية واقتصادية كبرى، لصالح الاحتلال الإسرائيلي.  وكشفت مصادر، تحدثت مع "العربي الجديد"، عدداً من خفايا التمهيد للتنازل، عقب الانقلاب العسكري، في 3 يوليو/تموز 2013، بالتفكير في سيناريوهات ما بعد التنازل.

شفيق، الذي شارك ضمن سرب من الطائرات الحربية المصرية في عملية غلق مضيق تيران قبيل حرب يونيو/حزيران 1967، وتحديداً في يوم 15 مايو/أيار من العام نفسه، وتدرّج في الخدمة العسكرية حتى أصبح قائداً للقوات الجوية المصرية في عهد الرئيس المخلوع، حسني مبارك، ثم شغل بعدها منصب وزير الطيران لفترة طويلة قبل أن يعيّنه مبارك رئيساً للوزراء إبان ثورة يناير عام 2011، أكد أن أخطر ما يترتب على اتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، هو أن مصر ستتنازل أيضاً عن سيادتها الكاملة على مضيق تيران، والذي يصل عرضه إلى 8 كيلومترات، كان تحت السيادة المصرية. ولكن بحسب ما قال شفيق، فإن تحوُّل السيادة على الجزيرتين إلى المملكة العربية السعودية سوف يعطيها مسافة كيلومترين اثنين يعتبران مياهاً إقليمية سعودية، بينما سيصبح لمصر كيلومتران اثنان هما فقط حدود مياهها الإقليمية، بينما ستصبح مسافة الـ4 كيلومترات المتبقية مياهاً دولية لا سيادة عليها سواءً لمصر أو السعودية، وهو الأمر الذي ترغب فيه إسرائيل بشدة، ويصبّ في صالح مشروعات اقتصادية تخطط لها إسرائيل منذ فترة طويلة، منها حفْر قناة تربط خليج العقبة بالبحر المتوسط عن طريق ميناء إيلات المطل على الخليج.

أستاذ اقتصاديات النقل البحري، أحمد الجزار، أكد مخاوف شفيق. وقال، في حديث مع "العربي الجديد"، إن إسرائيل تخطط فعلاً، منذ فترة طوية، لإقرار هذا الوضع في خليج العقبة، من أجل حرمان مصر من السيادة التامة على مياه الخليج. وأوضح أنّ تحوّل جزء من مضيق تيران إلى مياه دولية يعطي فرصة لإسرائيل من أجل تنفيذ أحد مشروعين تخطط لهما منذ فترة طويلة.

المشروع الأول هو إنشاء قناة بحرية تربط بين ميناءي إيلات جنوباً وأسدود شمالاً، والثاني هو إنشاء خط سكك حديد يربط بين الميناءين. وسواء تم تنفيذ هذا المشروع أو ذاك، فإنهما سيمثلان تهديداً مباشراً وخطيراً لقناة السويس المصرية. وفي السياق، أشار الجزار إلى أن مصر تعتمد في جزء كبير من دخلها القومي على واردات قناة السويس، إضافة إلى أنها المصدر الرئيسي للعملة الصعبة في ظل تراجع عائدات السياحة، بينما الاقتصاد الإسرائيلي لا ينتظر العائدات المتوقعة من مشروع القناة الجديدة التي تخطط لإنشائها، ما سيعطي إسرائيل ميزة إمكانية تخفيض رسوم المرور بشكل كبير، ما يجعلها منافساً قوياً لقناة السويس.

خبير عسكري واستراتيجي، فضّل عدم الكشف عن اسمه، قال في حديث مع "العربي الجديد"، إن المفاوضات حول توقيع اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية بطلب واضح من إسرائيل، مستمرة منذ فترة طويلة، لكنه كان يصطدم برفض مصري، وإن التخطيط للتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير مستمر منذ فترة طويلة تصل إلى ما قبل ثورة يناير، لكنه بعد ما حدث في 30 يونيو 2013، عندما استولى الجيش على السلطة، تم الإسراع في تنفيذ ذلك المخطط الذي بموجبه تتنازل مصر عن سيادتها على مضيق وجزيرتي تيران وصنافير ذي الأهمية الاستراتيجية لمصر. وأكد المصدر أن تفكير الرئيس عبد الفتاح السيسي في شق تفريعة لقناة السويس كأول مشروع اهتم بتنفيذه جاء بسبب علمه ويقينه أنه سيأتي وقت قريب ستتنازل مصر فيه عن مضيق تيران، وهو الأمر الذي سيعطي فرصة لإسرائيل من أجل تنفيذ قناة ملاحية تنافس قناة السويس، وذلك ما جعله يفكر في إعطاء ميزة لقناة السويس تمكنها من منافسة القناة الإسرائيلية حال إنشائها، حيث سيصبح مرور السفن في قناة السويس أسرع من القناة الإسرائيلية. أما الأخطر من ذلك، بحسب ما أكد الخبير العسكري، فهو التهديد المباشر الذي سيواجهه الأمن القومي المصري نتيجة فقدان السيادة على مضيق تيران. ويعود سبب ذلك إلى أن وقوع مضيق تيران تحت السيادة المصرية كان يسمح لها بتفتيش السفن العابرة في حال التشكك مثلاً في حمولتها، كما كان يسمح بأن تقرر مصر غلق المضيق في حالات الطوارئ والحروب كما حدث في 1967، لكن الآن ليس لمصر أي سلطة لتفتيش السفن أو غلق المضيق، لأن جزءاً منه أصبح ممراً دولياً لا سلطة لأحد عليه.

وأوضح المصدر نفسه أنه أصبح من حق إسرائيل الآن أن تقوم بمناورات عسكرية، وأن تسيّر سفناً حربية في هذه المنطقة، من دون أن يكون لمصر حق الاعتراض. وأضاف المصدر أن فقدان مصر سيادتها على المضيق يجعل حدود شبه جزيرة سيناء الجنوبية الشرقية مكشوفة تماماً ومعرضة لعمليات تهريب السلاح والمخدرات وغير ذلك.

وقد أثارت تصريحات رئيس وزراء مصر السابق، الفريق أحمد شفيق، حول أهمية جزيرتي "تيران وصنافير" بالنسبة لمصر، عاصفةً من الجدل، إذ شكك بعض السياسيين المصريين في نواياه، مستندين إلى أنه أصدر بياناً في السابق يؤكد فيه "سعودية" الجزيرتين. بينما أكد آخرون، ومنهم مصادر رسمية، تحدثت مع "العربي الجديد"، أن ظهور شفيق في هذا التوقيت، هو وغيره من العسكريين القدامى مثل الفريق سامي عنان والفريق مجدي حتاتة، وحديثهم عن مدى خطورة التنازل عن الجزيرتين، هو ظهور مدفوع من قبل جناح في الاستخبارات العامة والجيش له وجهة نظر مختلفة حول مسألة تنفيذ الاتفاقية الموقعة بين الحكومتين المصرية والسعودية والتي تقضي بتنازل الأولى للثانية عن جزيرتي تيران وصنافير.



وبحسب المصادر، فإن تلك الجبهة داخل الاستخبارات العامة المصرية ليست بالضعيفة، كما أنها تعمل بالتنسيق مع الاستخبارات الإماراتية، وأنهم شركاء في مشروعات إعلامية عدة داخل مصر، كما أنهم على علاقة قوية بالفريق أحمد شفيق المقيم في العاصمة الإماراتية أبوظبي.

وكان شفيق قد ذكر، خلال مداخلة هاتفية مع قناة "دريم"، أن معلومات وصلته من دولة، وصفها بأنها صديقة وجارة، عن وجود مقترح يقضي بمنح السعودية مجالا بحرياً عرضه 2 كيلومتر يبدأ من جزيرة تيران، ومنْح مصر مياهاً إقليمية عرضها 2 كيلومتر هي الأخرى في هذا الممر البحري الذي يمتد لمسافة 8 كيلومترات بين جزيرة تيران والأراضي المصرية، فيما ستكون الأربعة كيلومترات المتبقية ممراً دولياً مفتوحاً لا سيطرة لأحد عليه. كما كتب عضو المجلس العسكري، رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق، الفريق أول سامي عنان، على صفحته على "فيسبوك" قائلاً إنه "ليس المهم الآن إثبات مصرية تيران وصنافير، فمصريتهما ليست مشكوكاً فيها، ولكن المشكوك فيه هو مصرية من يعارضون مصرية الجزيرتين"، في إشارة إلى مجلس النواب والحكومة والسيسي. وكتب أيضاً رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق، الفريق مجدي حتاتة، "أبداً لم تكن ولن تكون إلا مصرية... حقيقة عرفتها كمقاتل وتأكدت منها كقائد... تيران وصنافير مصرية... عاشت مصر حرة مستقلة".

المساهمون