تيران وصنافير أمام البرلمان المصري اليوم: "كاتالوغ" حكومي للنواب

تيران وصنافير أمام البرلمان المصري اليوم: "كاتالوغ" حكومي للنواب

11 يونيو 2017
تتخوف السلطة من ردود الفعل الشعبية الغاضبة (محمد الراعي/الأناضول)
+ الخط -
تناقش اللجنة التشريعية بمجلس النواب المصري اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتي تنازلت القاهرة بموجبها عن جزيرتي تيران وصنافير للرياض، على مدار ثلاثة أيام، اعتباراً من اليوم الأحد، تمهيداً لإدراجها على جدول أعمال الجلسة العامة، والتصويت النهائي على إقرارها نهاية الأسبوع الحالي. ولهذه الغاية، وزعت الحكومة المصرية ملفاً متكاملاً على النواب الموالين لها، ليكون ذخيرة لهم بالحجّة حول "سعودية" الجزيرتين، بما يشبه "الكاتالوغ" الذي يتضمن ما يمكن قوله في سبيل إثبات ما تريد السلطة تعميمه.

وتمت دعوة أعضاء اللجنة للحضور إلى الاجتماع لبحث "طريقة إقرار الاتفاقية"، وكأن النواب أمام أمر واقع، ودورهم يقتصر فقط على مناقشة اتفاقية جرت الموافقة عليها سلفاً، في تعبير واضح عن انحياز رئيس اللجنة، النائب المعين، بهاء الدين أبو شقة، لموقف الحكومة بـ"سعودية الجزيرتين". ورجح مصدر برلماني مطلع، لـ"العربي الجديد"، أن يتم التصويت النهائي على الاتفاقية في جلسة الأربعاء المقبل، وقصر مناقشات اللجنة التشريعية على الاجتماعات الثلاث، وترؤسها من جانب رئيس البرلمان، علي عبد العال، في ظل تعجل الأخير لإقرار الاتفاقية في أسرع وقت ممكن، في محاولة لتجاوز تبعات ردود الفعل الشعبية الغاضبة. وأشار المصدر إلى دعوة بعض الخبراء، من الموالين لموقف الحكومة، للاستماع إلى آرائهم بشأن تبعية الجزيرتين للسعودية، وفي مقدمتهم وزير الشؤون النيابية السابق وأستاذ القانون الدولي، مفيد شهاب، وأستاذ التاريخ في جامعة حلوان، عاصم الدسوقي، لعرض الأسانيد التي يستند إليها نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في نقل تبعية الجزيرتين إلى المملكة.

وكانت محكمة القضاء الإداري قد أصدرت حكماً تاريخياً بأحقية مصر في الجزيرتين، وبطلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، الموقعة بين البلدين في إبريل/نيسان 2016، وما يترتب عليها من آثار، بناءً على الدعوى المقامة من المحامي الحقوقي، خالد علي، و182 آخرين، استناداً إلى حظر المادة 97 من الدستور المصري تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء. وبالتزامن مع تصاعد حملة الدعاية الإعلامية في الصحف القومية والخاصة الموالية للنظام تمهيداً لإقرار الاتفاقية، وزعت الحكومة المصرية بشكل سري على نواب البرلمان ملفاً مدعماً بالمستندات والوثائق التي تثبت سعودية الجزيرتين، استعداداً للجلسة الأولى للجنة التشريعية في البرلمان لمناقشة الاتفاقية اليوم الأحد. وتم إعداد الملف بواسطة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع مباشرة لرئيس الوزراء. وقالت مصادر حكومية مطلعة إن الملف تمت مراجعته من قبل الوزير السابق، مفيد شهاب، الذي يقود حالياً خلية حكومية تعمل على مدار الساعة لتوزيع المواد القانونية والتاريخية والدعائية على الصحف ووسائل الإعلام لإثبات سعودية الجزيرتين. وأبرز ما نشر منها أمس مقطع فيديو، بثته وكالة الأنباء الرسمية "أ ش أ"، وملف به وثائق استخباراتية نشرته صحيفة "الوطن"، ودراسة أعدها العالم الجيولوجي، فاروق الباز، تزعم أحقية السعودية في الجزيرتين بسبب التشابه الجيولوجي.

واتبع الملف الموزع على النواب أسلوب السؤال والجواب لتفنيد ادعاءات معارضي الاتفاقية. وأعد الإجابات عدد من الأكاديميين القانونيين الموالين للحكومة، مثل عضو لجنة كتابة الدستور، الدكتور صلاح فوزي، والدكتور أحمد فوزي، والدكتور أيمن سلامة، والدكتور أحمد الشقيري، والدكتور نبيل حلمي. واعتبر الملف أن أهم سؤال هو "لماذا لم يؤد تنازل السعودية لمصر عن حماية الجزيرتين لمدة 65 عاماً حق الاحتفاظ بهما لمصر؟" وأجابت الحكومة بأنه لا يوجد في القانون الدولي مبدأ يفيد بالأحقية في تملك الأرض بالتقادم أو بوضع اليد، بخلاف القوانين الخاصة، خصوصاً أن السعودية لم تتنازل عن الجزيرتين بل تنازلت فقط عن حمايتهما لظروف سياسية بعينها، وأن هناك فرقاً بين الأراضي التي تقع تحت سيادة الدولة والأراضي التي تقع تحت يدها بغرض الحماية، وأن مصر كانت تحتل الجزيرتين سلمياً، كما تحتل إسرائيل حربياً الجولان والأراضي الفلسطينية، وأن الاحتلال لا ينقل السيادة.

ورداً على سؤال افتراضي عن انتهاء مسببات تفويض مصر بإدارة الجزيرتين، أجابت الحكومة بأن "الظروف تغيرت نسبياً، إذ كانت السعودية قد فوضت مصر حماية الجزيرتين لأنها لا تملك إمكانيات عسكرية وبحرية تمكنها من التصدي لأي عدوان إسرائيلي محتمل"، مضيفة إن السعودية تسعى إلى ترسيم حدودها مع جميع الدول المحيطة بها، وأن سعيها لاسترداد الجزيرتين ليس وليد اللحظة الراهنة بل منذ ما قبل العام 1990. وأكدت الحكومة أنها تحتفظ بنص برقية من الملك عبدالعزيز آل سعود للوزير المفوض السعودي بالقاهرة، سلمها لاحقاً إلى الحكومة المصرية في العام 1950، ذكر فيها طلبه أن تضع مصر يدها على الجزيرتين خوفاً من احتلال إسرائيل لهما. ورداً على ما تضمنته حيثيات أحكام مجلس الدولة الصادرة بمصرية الجزيرتين، من أن القاهرة مارست سيادتها على الأرض، عبر إنشاء نقطة شرطة ومحمية طبيعية إلى آخره من مناطق خدمية تابعة لحكومتها، قالت الحكومة المصرية إن "الوجود المصري كان مؤقتاً ولأهداف محددة، وإن إنشاء الخدمات، كالشرطة والجمارك والمستشفيات، جزء من الإدارة التي تستلزمها مبررات الوجود المصري على الجزيرتين، وليس لها علاقة بالسيادة، فهناك فارق كبير بين حق السيادة وحق الإدارة". وعلى الرغم من وجود قرارات فعلية بإنشاء نقطة شرطة في جزيرة تيران، زعمت الحكومة في ملفها أن "السلطة المصرية لم تمارس أعمال الإدارة المدنية المعتادة، ولم تيسر أياً من الشؤون المعيشية أو المرافق العامة، لأنه لم يكن هناك سكان يعيشون على أي من الجزيرتين".

ورداً على ما تضمنته الأحكام وما تركزت عليه دعوات معارضة التنازل من أن الجزيرتين سالت عليهما دماء المصريين في الحروب، قالت الحكومة المصرية في ملفها "لم تسل نقطة دم واحدة على الجزيرتين، ولم تكونا ضمن أي معركة عسكرية، حديثاً أو قديماً، لأنها بعيدة كل البعد عن ساحات القتال. وادعاء استشهاد مصريين دفاعاً واستبسالاً للحفاظ على الجزيرتين لا أساس له من الصحة، فمصر لم تمارس وجودها فعلياً على تيران إلاّ لمدة 6 سنوات فقط، بين عامي 1950 و1956". وذكرت الحكومة أيضاً إن الثابت من وثائق المفاوضات الخاصة باتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، في العام 1979، أن الرئيس الراحل، أنور السادات، رفض تضمين الجزيرتين ضمن المنطقة "ج" منزوعة السلاح، وأنه قال بالحرف الواحد "لا يا عم الجزر مش بتاعتنا، دول تبع أرض الحجاز"، لكن الجانب الإسرائيلي أصر على دخولهما في إطار المنطقة "ج" باعتبار أن سلطة الإدارة كانت لمصر، وأن السعودية لم تكن طرفاً في الاتفاقية. وبناء على ذلك، والحديث للحكومة في ملفها، لم تظهر الجزيرتان داخل الحدود البحرية المصرية المعينة نقاطها الأساسية بالقرار الجمهوري الصادر عام 1990، وهو القرار الذي اعتمدت عليه اللجنة المشتركة بين البلدين لترسيم الحدود البحرية.

وذهبت الحكومة لأبعد من ذلك قائلة إن مصر مارست السيادة على السفن المارة بمضيق تيران، لأن الجزيرتين كانتا تحت الإدارة المصرية المؤقتة فقط، وإن مندوب مصر لدى الأمم المتحدة قال إن مصر لم تكن لديها أي نية لضم الجزيرتين، ولن تضمهما مستقبلاً، وأن مندوب مصر في مجلس الأمن، في العام 1954، قال إن احتلال الجزيرتين إجراء احترازي دفاعي بالنظر إلى حالة الحرب القائمة مع إسرائيل. ورفضت الحكومة بشكل قاطع الاستناد إلى تصريحات الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، عن "مصرية مضيق تيران"، قائلة في ملفها "استناد البعض إلى ذلك حجة تفتقر للواقعية، فقد قال الرئيس الراحل أيضاً إن مصر وسورية دولة واحدة، فهي تصريحات سياسية وليست ذات حجة قانونية، كما أن اتفاقية الأمم المتحدة لترسيم البحار تثبت ملكية السعودية للجزيرتين". وهروباً من اتهامات إهدار حجة القضاء، قالت الحكومة في ملفها إن "احترام أحكام القضاء يشمل جميع الأحكام الصادرة من القضاء الإداري والعادي والدستوري، والواقع هنا أن القضاء العادي أصدر أحكاماً مخالفة لأحكام القضاء الإداري وتسقط آثارها". وذهبت لأبعد من ذلك، متهمة حكم القضاء الإداري بـ"الانحراف عن القانون وعلى أحكام الدستورية العليا التي تحصن أعمال السيادة كالمعاهدات الدولية، وأنه كان لزاماً على محكمة القضاء الإداري من البداية، أن تحكم بعدم اختصاصها النظر بالدعاوى".

ورداً على اتهام قانوني آخر هو التأخر في إرسال الاتفاقية إلى البرلمان، نسبت الحكومة لأحد مستشاريها قوله إنه "ليس هناك أي موجب دولي أو دستوري على الحكومة لتحيل الاتفاقية خلال أجل زمني محدد". وحول مطالبات اللجوء للتحكيم الدولي، أكدت الحكومة أن كل الوثائق تصب في مصلحة الجانب السعودي، ولو قبلت مصر التحكيم ستتأثر مصالحها كثيراً، ويعني دخول نزاع خاسر مع دولة كبيرة شقيقة تربط مصر بها روابط خاصة، وليس من الصالح الدخول معها في منازعات حدودية من دون جدوى. ورداً على سؤال آخر عن سبب عدم توقيع وزير الدفاع، صدقي صبحي على الاتفاقية، قالت الحكومة إن رئيس الجمهورية هو من يمثل الدولة في علاقاتها الخارجية ويبرم المعاهدات، وإن المادة 148 منحت رئيس الجمهورية حق التفويض في اختصاصاته، وإن التفويض تم ضمنياً لرئيس الوزراء ليتحقق "التساوي البروتوكولي" بين ممثلي البلدين خلال توقيع الاتفاقية، إذ وقعها عن الجانب السعودي ولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان. وادعت الحكومة أن إعلان الاتفاقية خلال زيارة الملك سلمان إلى مصر لم يكن استغلالاً لحاجة المصريين للمساعدات الاقتصادية، بل إن هذا التوقيت كان الأمثل "للقضاء على مشروع قناة بن غوريون الملاحية الإسرائيلية المعتزم إنشاؤها، بتكلفة مالية تتخطى الـ 15 مليار دولار، بمساعدة البنك الدولي، بهدف القضاء على قناة السويس"، من دون أن توضح الحكومة وجه العلاقة بين الأمرين، مشيرة إلى أن إسرائيل ترفض تنفيذ مشروع الجسر البري بين السعودية ومصر. وعلى النقيض من هذه الجهود الحكومية، اكتفت المعارضة الشعبية للتنازل عن الجزيرتين بتنظيم فعاليات على الفضاء الإلكتروني، وبعث رسائل للنواب وصفتها وسائل الإعلام الموالية للنظام بـ"رسائل تهديد"، وهو ما يعكس غياب التوازن بين المؤيدين والمعارضين في هذه القضية، خصوصاً بعد الأحكام القاسية بالحبس والغرامات التي صدرت على من تظاهروا لنفس الغرض في إبريل/ نيسان 2016، والتي ساهمت في تخويف المواطنين من التظاهر ضد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي.