العراق: اتفاق أميركي إيراني وخلاف الصدر-المالكي ينهيان "الانقلاب البرلماني"

العراق: اتفاق أميركي إيراني وخلاف الصدر-المالكي ينهيان "الانقلاب البرلماني"

18 ابريل 2016
تتواصل اعتصامات الصدريين وسط بغداد (صباح عرار/ فرانس برس)
+ الخط -
شهدت الساعات الأخيرة تحوّلاً كبيراً في مجريات الأزمة العراقية، تمثّلت بعودة تأزم العلاقة بين رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، ورئيس التيار الصدري مقتدى الصدر، بعد وساطات قادها الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني حسن نصرالله، خلال زيارة الصدر إلى بيروت، بناءً على دعوة وجّهها نصرالله له وانتهت بتفاهمات بين الصدريّين وحزب "الدعوة الإسلامية" الذي يتزعمه نوري المالكي، نتج عنه اعتصام لعشرات النواب من كتلتي المالكي والصدر ونواب آخرين من المستقلين داخل قبة البرلمان، والتصويت يوم الخميس الماضي على إقالة رئيس البرلمان سليم الجبوري ونائبيه همام حمودي عن المجلس الأعلى، وآرام شيخ محمد عن التحالف الكردستاني. إلا أن أياً من قرار الإقالة وحالة التوافق، لم يدم بعد هجوم حاد للصدر اتهم فيه المالكي بمحاولة التسلّق على الأزمة لتحقيق مكاسب العودة إلى "الولاية الثالثة"، في إشارة إلى سعي المالكي للعودة إلى منصب رئيس الحكومة، متهماً المالكي بأنه يستغل الحراك الشعبي الحالي، فيما صدر أخيراً موقفان أميركي وإيراني رفضا "الانقلاب البرلماني" على الجبوري وهيئة الرئاسة، داعين للتمسّك بالشرعية.

توافق أميركي إيراني

وكشف مسؤول عراقي بارز عن اتصالات أميركية إيرانية جرت على مستوى سفراء البلدين وبشكل غير مباشر حيال الأزمة السياسية وضرورة معالجتها بسرعة، مؤكداً أن تفاهماً جرى التوصل إليه بين الطرفين على ضرورة الإبقاء على الرئاسات العراقية الثلاث من دون تغيير في الوقت الحالي. وأبلغت قيادات في التيار الصدري "العربي الجديد" عن عودة الخلافات مجدداً بين الصدر والمالكي بعد افتضاح طموحات للأخير بالعودة إلى منصب رئاسة الوزراء، مستغلاً الثقل الشعبي لأنصار الصدر. ووفقاً لوزير عراقي بارز، تحدث لـ"العربي الجديد" عبر الهاتف من بغداد، فإن "تفاهماً أميركياً إيرانياً نضج خلال الساعات الأخيرة الماضية حيال الأزمة يقضي بدعم الرئاسات الثلاث ورفض إقالة الجبوري أو العبادي، مع الاستمرار بعملية الإصلاح وتسمية وزراء جدد وتفعيل القضاء، فضلاً عن دعم القوات العراقية في حربها ضد تنظيم داعش".
وأضاف الوزير أن "الأميركيين والإيرانيين باتوا متفقين على ضرورة إكمال الرئاسات الثلاث، سليم الجبوري رئيساً للبرلمان، ورئيس الوزراء حيدر العبادي، ورئيس الجمهورية فؤاد معصوم، دوراتهم الانتخابية التي تنتهي في عام 2018 من دون تغيير، خوفاً من أن تؤثر الأزمة السياسية على الحرب ضد داعش". وأكد أن تلويح السنّة بالانسحاب من العملية السياسية ورفض الأكراد إقالة الجبوري، كان لهما دور فاعل في هذا الاتفاق الأميركي-الإيراني، والذي تم من خلال اتصالات وتفاهمات غير مباشرة على مستوى السفراء، على حد وصف الوزير العراقي.
في هذه الأثناء، أكد القيادي في التيار الصدري حسين البصري لـ"العربي الجديد"، عودة القطيعة بين المالكي والصدر، بسبب ما قال إنه "اكتشاف طموحات غير شرعية للمالكي للعودة إلى منصب رئاسة الوزراء، وسعيه للتسلق على تضحيات الصدريين واعتصاماتهم". وأوضح أن "رغبة الإخوة والشركاء داخل وخارج العراق كانت لملمة الصف والتوجّه نحو تفاهمات تصبّ بصالح الشعب، لكن المالكي وحزب الدعوة كانت نيتهم سوءاً"، مؤكداً أن "المالكي فشل في حشد تظاهرة صغيرة ودمج أنصاره مع أنصار الصدر في محاولة لركوب الموجة، وعليه أن يفهم ألا عودة له لرئاسة الحكومة، فما دمّره كافٍ جداً خلال السنوات الماضية"، مضيفاً: "تسلّم المالكي العراق 18 محافظة وتركه 13 محافظة بعد احتلال داعش للمحافظات الشمالية والغربية، مع ديون وفساد ومجازر وطائفية". وتابع: "اعتصام نوابنا في قاعة البرلمان يختلف بمطالبه عن اعتصام نواب المالكي، فنحن نريد الإصلاح، والأخير يريد مكاسب لصالحه".
وكان الصدر قد هاجم السبت المالكي بشدة، متهماً إياه بالعمل على ترسيخ المحاصصة المقيتة. وقال الصدر في بيان: "تباً للحكومة السابقة وقائدها صاحب الولاية الثالثة المنهارة، ونحذر، فكل الحذر واجب من هذه الناحية"، في إشارة إلى المالكي ومساعيه للعودة إلى رئاسة الحكومة. ودعا الرئاسات الثلاث إلى تقديم تشكيلة التكنوقراط الحكومية إلى مجلس النواب خلال 72 ساعة للتصويت عليها.
ورد حزب "الدعوة" على الانتقادات الحادة التي وجهها الصدر للمالكي، وقال في بيان له أمس الأحد إن "هناك من يحاولون تقمّص الإصلاحات وفرض الوصاية وتهديد الشركاء السياسيين بالانقلاب على الحركة الإصلاحية وحرف بوصلتها"، لافتاً إلى أن "هؤلاء قادوا منظومات القتل والفساد وانتهاك الأعراض والمقدسات الدينية". وحمّل "الدعوة" في بيانه، من سماهم "المتاجرين بالإصلاحات"، المسؤولية الكاملة عن وقوع أي خلل أو انحراف في المسيرة الإصلاحية، مدافعاً عن نوابه المشاركين في اعتصام البرلمان، قائلاً إن ذلك ينسجم مع رؤيته السياسية الإصلاحية.
واعتبر مراقبون خطاب الصدر الهجومي على المالكي، ومنح مهلة ثلاثة أيام للعبادي من أجل تقديم حكومة تكنوقراط جديدة، من غير الإشارة إلى تغيير الرئاسات الثلاث، نسفاً لتطلعات النواب المعتصمين وكتلة المالكي في تغيير الجبوري أو الإطاحة برئيس الوزراء.


لا غطاء دينياً

وجاءت مطالبة زعيم التيار الصدري للرئاسات الثلاث بتقديم حكومة تكنوقراط جديدة يصوت عليها البرلمان بعد ثلاثة أيام، إشارة واضحة لعدم اعترافه بجلسة إقالة الجبوري ونائبيه، إضافة إلى أن الصدر لم يشر في بيانه إلى أي تغيير قد يطاول تلك الرئاسات. فيما رفض المرجع الديني علي السيستاني، دعم جهود النواب المعتصمين لإقالة الجبوري، وذلك في وقت وصل فيه وفد يمثّل البرلمانيين المعتصمين إلى محافظة كربلاء، جنوب بغداد، للقاء ممثل السيستاني، عبد المهدي الكربلائي.

وقال مسؤول عراقي لـ"العربي الجديد"، إن الكربلائي التقى أمس وفداً من النواب المعتصمين برئاسة عضو البرلمان هيثم الجبوري، موضحاً أن الوفد طلب دعم المرجعية الدينية لاعتصام البرلمان، وجهود إقالة الجبوري. وأوضح المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن ممثل السيستاني، رفض تقديم الدعم لأي طرف على حساب الأطراف الأخرى، داعياً القوى السياسية داخل البرلمان وخارجه، إلى الالتزام بالأطر الدستورية والقانونية. وأبلغ الكربلائي قيادات الوفد أن نتائج الانتخابات وحدها هي التي تحدد وجوه السلطتين التشريعية والتنفيذية، موضحاً أن تغيير رئيس البرلمان، ينبغي ألا يتم وفق الصراعات والانقسامات البرلمانية. ونقل المسؤول عن الكربلائي قوله: "على الرغم من عزوف المرجعية الدينية عن الحديث في الأمور السياسية، لكنها لا تزال تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف".
خلال ذلك أعلنت الولايات المتحدة الأميركية، على لسان سفيرها في بغداد ستيوارت جونز، موقفها من إقالة رئيس البرلمان عبر التأكيد على شرعيته. وفي كلمة له خلال حفل افتتاح "مؤتمر تخطيط إدارة النازحين" في بغداد، حيا السفير الأميركي "رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري والمواطنين المحليين الذين يساهمون بشكل كبير في معركة الأنبار من أجل إعادة النازحين طوعاً وبسلامة، وهذا يشكّل جهداً مهماً". وأضاف أن "داعش يخسر والقوات العراقية والشعب يربحون المعركة ضد التنظيم". ولفت إلى أن "القوات العراقية قبضت على داعش في الرمادي بدعم من ضربات التحالف الدولي باستخدام أفضل الأسلحة المتوفرة في العالم من الدبابات الأميركية والطائرات اف 16". ويُعدّ وصف السفير الأميركي للجبوري برئيس البرلمان العراقي اعترافاً صريحاً برفض واشنطن جلسة إقالته التي جرت الخميس الماضي من قِبل عشرات النواب المعتصمين، غالبيتهم من كتلتي المالكي والصدر.
يأتي ذلك بعد ساعات من موقف إيراني مماثل صدر عن السفير الإيراني في بغداد حسن دنائي فر، عقب لقائه بزعيم اتحاد القوى العراقية أسامة النجيفي، وأكد فيه رفضه لما حصل في البرلمان، ودعا إلى احترام الشرعية، وفقاً لبيان صدر عن مكتب النجيفي صباح أمس الأحد.
وفي السياق نفسه، قال النائب محمد الجاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن المباحثات المستمرة قد تفضي إلى حل مع توافق الأميركيين والإيرانيين في الأزمة الحالية. ولفت إلى أن "عدد النواب المعتصمين داخل البرلمان تناقص بشكل كبير، وهذا يؤشر على تقدّم إيجابي"، معتبراً أن "كتلة المالكي قد تجد نفسها وحيدة في القاعة بعد انفضاض أغلب المعتصمين".
وحول جلسة البرلمان المقررة اليوم الإثنين، قال برلماني عراقي بارز إن المشكلة ليست في تحديد الموعد بل بعدول النواب المعتصمين على الاعتصام وحضور الجلسة برئاسة الجبوري. وأضاف البرلماني الذي رفض الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد"، أن هناك مباحثات وجلسات مكثفة تجري حالياً بهدف عقد جلسة رسمية برئاسة الجبوري اليوم الإثنين أو غداً الثلاثاء، "لكن هناك كتلاً ترفض المشاركة وتصر على إقالة الجبوري وهيئة الرئاسة، وهذا ما لا يسمح للبرلمان بعقد جلسة كاملة النصاب للتصويت على الحكومة الجديدة في حال اكتمالها". ووصف البرلماني الوضع بأنه "ضبابي والمواقف تتغير من ساعة إلى أخرى باتصال هاتفي واحد".

المساهمون