المشاريع الصينية في باكستان: عقبات داخلية وخارجية

المشاريع الصينية في باكستان: عقبات داخلية وخارجية

16 سبتمبر 2018
كانت المشاريع المشتركة محور زيارة وزير الخارجية الصيني (Getty)
+ الخط -
تواجه المشاريع الصينية في باكستان، وخصوصاً مشروع الممر التجاري الصيني الباكستاني، جملة من العقبات الأمنية والسياسية والاقتصادية، والتي لا تنحصر فقط بالساحة الباكستانية بل تتعداها إلى تدخلات من دول أخرى لحماية مصالحها في هذا البلد، بما يعقّد من المشاكل أمام تنفيذ هذه المشاريع.
وكان ملف هذه المشاريع على رأس أجندة زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى باكستان الأسبوع الماضي، والتي استمرت ثلاثة أيام. وعلى الرغم من تشديد المسؤولين في إسلام آباد على المضي قدماً في تنفيذ هذه المشاريع والسعي لتسريع العمل فيها، إلا أن تسريبات صحافية تحدثت عن أن السلطات الباكستانية تعيد النظر في تنفيذ مشروع الممر التجاري، نظراً للعقبات الكبيرة أمامه، ولا سيما استياء القطاع التجاري والصناعي في البلاد من تبعاته السلبية عليه، إضافة إلى تراكم الديون على باكستان.

وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، أن السلطات الباكستانية طرحت خلال زيارة وزير الخارجية الصيني، إعادة النظر في مشروع الممر الصيني الباكستاني، وأنها بحاجة إلى مدة عام كي ترتب أوراقها من جديد لأنها تخسر أموالاً طائلة بسببه. وأضافت الصحيفة أن مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للشؤون التجارية عبد الرزاق داود، قال لها إن الشركات الباكستانية التي تنفذ المشروع تخسر بشكل متواصل، بينما الشركات الصينية تربح الأموال وتستغل الأمور، منوهة إلى أن الحكومة الباكستانية تطلب إطالة فترة تنفيذ المشروع، لافتة إلى أن بكين قبلت ببحث مطلب إسلام آباد.

ولكنّ داود نفى ما أوردته الصحيفة، وقال في تصريح إعلامي إن تصريحاته للصحيفة البريطانية أخرجت عن سياقها. كما أوضحت وزارة التجارة، في بيان، أن المشروع الصيني الباكستاني تم الاتفاق عليه، ولا يمكن إلغاؤه أو تأجيله. غير أن بيان الوزارة لم يتحدث عن التفاصيل التي نشرتها الصحيفة البريطانية بخصوص الشركات الباكستانية ونظيرتها الصينية، ما يشير إلى وجود بعض المشاكل في تنفيذ المشروع. كما ذكرت وزارة الخارجية الباكستانية في بيان حول المشاورات التي دارت خلال زيارة وزير الخارجية الصينية بخصوص مشروع الممر التجاري، أنها كانت بالتشاور بين الطرفين وباتفاقهما.

وفي السياق نفسه، ردت السفارة الصينية لدى إسلام آباد على الصحيفة البريطانية، قائلة إن هناك اتفاقاً كاملاً بين الصين وباكستان بخصوص الممر التجاري، وهو في مصلحة الدولتين، لافتة إلى أن الدولتين ماضيتين في العمل على المشروع وفق احتياجات باكستان ورغباتها.
وبغض النظر عن الجدل الجديد الذي أثير بشأن الممر التجاري، إلا أنه بات من المعروف أن المشروع يواجه مشاكل جمّة وكبيرة، وتُطرح مع مرور الأيام تساؤلات حول إمكانية إكماله، خصوصاً أن بعض تلك الظروف خارجة عن إرادة الصين وباكستان، لا سيما المتعلقة بأمن المناطق الباكستانية التي يمر فيها الممر التجاري.


وتواجه المشاريع الصينية عموماً، ومشروع الممر الصيني الباكستاني على وجه الخصوص، جملة من العقبات، من أبرزها الوضع الأمني في إقليم بلوشستان وعلى الشطر الحدودي بين باكستان وأفغانستان على وجه العموم، إذ يتعرض مهندسون وخبراء وعمال وموظفون في الشركات التي تنفذ المشروع لهجمات من قبل الجماعات المسلحة وعلى رأسها الحركات الانفصالية البلوشية، وكان آخرها الهجوم عليهم قبل نحو 20 يوماً، ما أدى إلى مقتل وإصابة العديد منهم. إضافة إلى الوضع العام في إقليم بلوشستان الذي يعاني من مظاهر التسلح المتمثلة في انتشار الجماعات المسلحة والصراع الطائفي بالإضافة إلى الحركات الانفصالية. في المقابل، تُتهم السلطات بإخفاء آلاف الأشخاص بحجة علاقاتهم بالمجموعات المسلحة، وكلما ترتفع وتيرة الهجمات، كلما يزداد عدد المختفين، ما يزيد الأمر سوءاً ويجعل الإقليم في حالة أمنية هشة.

كذلك من العقبات الموجودة أمام الممر الصيني الباكستاني، سعي دول في المنطقة وقوى عالمية لإفشال هذا المشروع وغيره من المشاريع الصينية في باكستان، وعلى رأس تلك الدول الولايات المتحدة وإيران ودولة الإمارات. ويثير النفوذ الصيني في المنطقة قلق أميركا التي ترفض إكمال أي مشروع صيني، فيما إيران متهمة من قبل السلطات الباكستانية بأنها تساند الانفصاليين البلوش. كما أن الإمارات من أكبر المتضررين جراء المشاريع الصينية، لا سيما مشروع ميناء غوادر.

إضافة إلى هذه العوائق، فإن الداخل الباكستاني يشهد استياء من قبل ساسة ورجال أعمال حيال المشاريع الصينية، فبعض الأحزاب السياسية، خصوصاً القومية، تدعي أن توزيع المشاريع الصينية لم يراعِ حقوق كل الأقاليم والمناطق، وبالتالي فهي تريد إعادة النظر عليها. كما أن رجال الأعمال والعاملين في القطاع الصناعي مستاؤون بسبب ما تقدّمه باكستان من تسهيلات كبيرة للبضائع الصينية ما يؤثر سلباً على المنتجات الباكستانية. هؤلاء التجار يمارسون ضغوطاً كبيرة على الحكومة الباكستانية لإعادة النظر في المشاريع المشتركة مع الصين. ولعل هذا كان من ضمن أهم أسباب معارضة رئيس الوزراء عمران خان للمشاريع الصينية قبل وصوله إلى سدة الحكم، لكنه الآن يؤكد تصميمه على المضي قدماً في تنفيذ تلك المشاريع.

وإذا صحت الأنباء التي نشرتها صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية من أن باكستان طلبت فترة من الزمن كي تراجع أوراقها وتعيد النظر في المشاريع، فإن ذلك قد يكون لمناقشة كل تلك العقبات. غير أن تأجيل مشروع الممر التجاري الصيني الباكستاني أو إلغاءه أمر صعب جداً في الوقت الراهن، ولا تستطيع حكومة عمران خان تحمّل تبعاته، لأن الجيش الباكستاني هو الذي يدعم المشروع ويشرف مباشرة عليه، على الرغم من قلقه أخيراً بسبب تفاوض بكين مع الحركات الانفصالية البلوشية ومع جماعات مسلحة أخرى لتأمين الأمن والاستقرار لأجل مشاريعها المستقبلية، من دون التنسيق مع الجيش والحكومة الباكستانية. إلا أن المؤشرات تدل على أن بين الطرفين بدءا بالتنسيق بشكل أكبر ولا يمكن أن يحدث أي تطور بهذا الشأن في المستقبل إلا بالتنسيق الصيني مع السلطات الباكستانية.

المساهمون