استراتيجية جديدة لباكستان تجاه أفغانستان وأميركا: طالبان أبرز الخاسرين

استراتيجية جديدة لباكستان تجاه أفغانستان وأميركا: طالبان أبرز الخاسرين

06 سبتمبر 2018
جاء خان وسط تغييرات مرتقبة إقليمياً (عامر قريشي/فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن فوز حزب "حركة الإنصاف" بقيادة عمران خان في الانتخابات التشريعية التي جرت في باكستان في 25 يوليو/تموز الماضي، عادياً، وذلك في ظل اتهامات المعارضة بانتهاكات وتزوير واسعين لأجله، مع فشل جميع الأحزاب القومية والدينية في الحصول على نتائج مرجوة. كما كان هناك ادّعاء سائد بأنه تمّ الإتيان بخان لأجل تغييرات جذرية مرتقبة في المنطقة، ولا تقتصر على باكستان وحدها. وكان هذا الادّعاء أقوى لدى بعض الموالين لإيران، والذين اعتبروا أن السعودية والولايات المتحدة أدّتا دوراً كبيراً في إيصال خان إلى سدة الحكم، من أجل تطبيق سياسات مستقبلية يمكن أن تكون بوادرها واضحة في "زيارة المصالحة" التي قام بها وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو أمس الأربعاء بشكل مفاجئ إلى إسلام آباد، حيث أعرب عن رغبة إدارته في طي صفحة الخلاف مع حكام باكستان الجدد.

من ناحية أخرى، كان في خطابات خان وقيادات في حزبه إيحاءات وإشارات أوحت بأن "خان سيتوجه صوب العلاقات الأميركية الباكستانية من جهة، وصوب قضية أفغانستان من جهة ثانية". على سبيل المثال، قال وزير الخارجية، شاه محمود قرشي، في أول مؤتمر صحافي له، "إننا نسعى إلى تطبيع العلاقات مع واشنطن، وإذا أردنا ذلك علينا أن نفهم مطالب أميركا وحاجاتها في أفغانستان".

التغير المتوقع في تعامل باكستان مع القضية الأفغانية أتى لأن صناع القرار في هذه البلاد أدركوا أن مواجهة العالم، وتحديداً الولايات المتحدة، له آثار سيئة على باكستان في كل المجالات، لا سيما الاقتصادية والسياسية. ففي المجال الاقتصادي دخلت باكستان في القائمة الرمادية لهيئة الرقابة المالية العالمية. ويخشى أن تدخل في القائمة السوداء إذا لم تقنع باكستان العالم بأنها "لا تساند الجماعات المسلحة مالياً". كما أن باكستان دخلت سياسياً في مواجهة مع بعض الحلفاء كواشنطن، ومعظم الجيران، لا سيما أفغانستان والهند.

في المقابل، ذكرت مصادر في حركة "طالبان" أنه "مع فوز عمران خان كانت لديهم خشية من حدوث تطورات تستهدفهم، ولكنهم ما كانوا يتوقعون أن يحدث ذلك بهذه السرعة"، غير أن الأحداث الميدانية، وتحديداً هجوم "طالبان" على غزنة، في منتصف أغسطس/آب الماضي، ساهم في تسريع التحولات. وأفادت مصادر متعددة في الحركة بأن "السلطات الباكستانية أغلقت جميع الطرق الفرعية على الحدود الأفغانية الباكستانية التي كان مسلحو طالبان يتحركون من خلالها، وهي كانت خاصة بهم، وغيرهم من مواطني البلدين لا يمكنهم التحرك من خلالها". ومع إغلاق هذه الطرقات توقفت حركة مسلحي "طالبان" تماماً من أفغانستان إلى باكستان ومنها إلى الأولى. ومعروف أن معظم مقاتلي "طالبان" وقياداتهم الميدانية وأسرهم يسكنون في باكستان. بالتالي كانوا يتحركون بحرية من خلال عشرات الطرق الفرعية على امتداد الحدود بين الدولتين.

لم تكتف السلطات الباكستانية بقطع الطريق على مقاتلي "طالبان"، بل منعت المستشفيات الخاصة التي كانت تعالج جرحى "طالبان" من استقبال الجرحى وقبولهم لتلقي العلاج، بل ومن استقبال أي جريح أفغاني. وعلمت "العربي الجديد" أن "جرحى طالبان كانوا يتلقون العلاج في عدد من المستشفيات في مدينة كويتا، جنوب غربي البلاد وهي: مستشفى ساجد، ومستشفى ميموريل، ومستشفى الجنرال، ومستشفى أكرم، وعيادات شخصية أخرى". وكلها مُنعت من استقبال أي جريح أفغاني، بل طرد منها بعضهم بعد أن اشتدت عليها الرقابة. كما بدأت الاستخبارات الباكستانية تداهم منازل بعض قيادات الحركة في كويتا وبشاور ومناطق مختلفة من إقليم شمال غربي باكستان، ما أثار قلقاً غير مسبوق لدى قادة الحركة.

ولا شك أن هناك تهدئة ملحوظة في الساحة الأفغانية بعد عيد الأضحى، ولا يعرف إن كان ذلك ضمن استراتيجية الحركة بعد الهجوم الدموي على مدينة غزنة، أم أنه فعلاً نتيجة الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها السلطات الباكستانية ضد "طالبان". في هذا السياق، قال المحلل الأمني محمد إسماعيل، لـ"العربي الجديد"، إن "أي تضييق على طالبان في باكستان يؤثر على الحركة في الداخل الأفغاني، لذا حين وجّه الرئيس الأفغاني (أشرف غني أحمد زاي) أصابع الاتهام إلى باكستان بشأن ما جرى في غزنة، كان يتساءل حول معالجة جرحى الحركة في باكستان، وقد طلب مراراً من السلطات الباكستانية أن تمنع جرحى الحركة من تلقي العلاج في باكستان".

ويبقى السؤال الأساسي حول مدى إمكانية استمرار الإجراءات، ولا شك أنه مرهون بإرادة الجيش الباكستاني ووقوفه مع الحكومة. وزير الإعلام فواد شودري أشار في مؤتمر صحافي، يوم الجمعة الماضي، إلى أن "قائد الجيش، الجنرال قمر باجوه، قال في لقاء له مع رئيس الوزراء عمران خان في مقر الجيش، يوم الخميس الماضي، إن الجيش إدارة تحت الحكومة، وأنه يعمل على كل ما ترسمه الحكومة من الخطوط للسياسة الداخلية والخارجية". وأضاف شودري أن "أميركا شريكة استراتيجية مهمة لباكستان، ونحن نعمل لتطبيع العلاقات معها"، مشيراً إلى أن "ملف أفغانستان ملف معقد، وباكستان تسعى لأداء دورها لحلحلة هذه القضية".

في موازاة هذه التطورات الباكستانية المهمة لمستقبل "طالبان" وحيال قضية أفغانستان، جاء قرار الإدارة الأميركية بتعيين الدبلوماسي من أصول أفغانية، زلماي خليل زاد، مندوباً خاصاً لأفغانستان. وخليل زاد، والذي عمل مندوباً أميركياً في العراق وأفغانستان سابقاً، معروف بانتقاداته الشديدة لسياسة باكستان حيال أفغانستان، والتي دائماً يصفها بـ"الازدواجية". وبالنسبة إليه، فإن "التدخل الباكستاني سبب أساسي لاستمرار دوامة الحرب في أفغانستان". من هنا، فإن تعيين الرجل سيزيد الضغط على باكستان، ما قد يرغمها على إجراء تغييرات في سياستها إزاء "طالبان" وأفغانستان.

ثمة تطور ثالث في الداخل الأفغاني يتمثل في استقالة مستشار الأمن القومي الأفغاني، محمد حنيف أتمر، وتعيين حمد الله محب خلفاً له. الأخير شغل منصل السفير الأفغاني لدى واشنطن، وهو مهندس حاسوب، ومعروف بنجاحه خلال عمله في السفارة. وهناك اعتقاد لدى الأفغان بأنه رغم صغر سنه (35 عاماً)، إلا أنه استطاع إفشال اللوبي الباكستاني في واشنطن. وكان له دور كبير في تغيير رأي العالم إزاء "طالبان" وباكستان، إذ إنه من أقرب الشخصيات إلى الرئيس الأفغاني. من هنا يُعتقد أن الرجل سيعمل مع خليل زاد لتغيير سياسة باكستان أو تشكيل إجماع على مستوى المنطقة والعالم ضدها. وفي السياق، كتب الصحافي عزيز أحمد تسل، على صفحته في "فيسبوك"، معلقاً على تعيين محب مستشاراً أمنياً، بأنه "رغم صغر سن الرجل، إلا أنه أفشل اللوبي الباكستاني في أميركا أثناء عمله كسفير لأفغانستان في واشنطن. ونتوقع أن يساهم في تغيير سياسة باكستان إزاء بلاده، وهو مستشار الأمن القومي".

المساهمون