تشييع العسكريين اللبنانيين: التقصير الرسمي يهدد بفتنة

تشييع العسكريين اللبنانيين: التقصير الرسمي يهدد بفتنة

08 سبتمبر 2017
أهالي العسكريين إثر تلقيهم نبأ مقتل أبنائهم (حسين بيضون)
+ الخط -

حوّل الأداء الرسمي القاصر في لبنان كشف مصير العسكريين اللبنانيين الذين خطفهم تنظيم "داعش" الإرهابي عام 2014 إلى مشروع فتنة، مع رفض عائلة أحد العسكريين المشاركة في التشييع الرسمي الذي تقيمه قيادة الجيش، اليوم الجمعة، بحضور رسمي موسع وفي ظل حداد وطني أعلنته رئاسة الحكومة اللبنانية. كما رفضت لجنة أهالي العسكريين مشاركة وزير الداخلية نهاد المشنوق في مراسم التشييع، بسبب إطلاق عملية أمنية في سجن رومية عام 2015، يرى الأهالي أنها ساهمت في اتخاذ قيادة "داعش" لقرار قتل أبنائهم.

في هذا السياق، سجل والد العسكري المقتول علي الحاج حسن، موقفاً شديد اللهجة من القيادات السياسية والعسكرية التي اتهمها بالتضحية بابنه وبزملائه. وقال الحاج حسن خلال اتصال هاتفي مع أحد التلفزيونات المحلية، إنه "يشكر رئيس الحكومة سعد الحريري لوفائه للسعودية والتفاته لمصالحها بدل الالتفات لمصير العسكريين". كما أعلن والد العسكري القتيل عن "رفع تمثال للخيانة والغدر باسم قائد الجيش السابق جان قهوجي في بلدة شمسطار". مع الإشارة إلى أن عائلة الحاج حسن رفضت منذ اليوم الأول لخطف العسكريين المشاركة في تحركات الأهالي وفي الاعتصام المفتوح الذي تم تنظيمه في ساحة رياض الصلح في العاصمة بيروت.

وقد لقي المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم اعتراضات واسعة خلال إعلامه أهالي العسكريين في رياض الصلح أنه علم بقتل العسكريين قبل عامين. ورغم محاولة بعض المشاركين قمع المعترضين على تصريحات اللواء إبراهيم، إلا أن أحد أهالي العسكريين خاطب اللواء إبراهيم قائلاً: "نحن أولى منكم بالحديث. نحن أهل الشهداء". كما لقي وزير الوصاية على جهاز الأمن العام، نهاد المشنوق، نصيبه من غضبة الأهالي، مع المطالبة بعدم حضوره لأي من مراسم التشييع الرسمية. وقد أعرب الوزير، في بيان، عما سمّاه "التفهّم للمشاعر التي يحملها الأهالي في هذه اللحظات العصيبة عليهم"، ونفى المشنوق التصريح المنسوب إليه عام 2015 بأن: "داعش قتل العسكريين ونعتبرهم شهداء وسنلصق صورهم على الجدران".

ورد المشنوق في بيانه المُفصل، على اتهامه بتسريع قرار قتل العسكريين من خلال العملية الأمنية التي أمر بتنفيذها في سجن رومية المركزي، شمالي العاصمة بيروت، عام 2015، بعد الإعلان عن "كشف تواصل سجناء مع انتحاريين وشبكات لداعش في سورية والعراق". وهي العملية التي تخللها تسريب تسجيلات مصورة لعمليات تعذيب ممنهج تعرض لها السجناء بعد ضربهم ونقلهم إلى باحة السجن، قبل إعادة توزيعهم على الزنازين التي تم تفتيشها بشكل دقيق.


وقال المشنوق إن "العملية تمت بعد إعلان المجموعة الإرهابية التكفيرية عن إعدام الجندي علي البزال، وأجّلنا تنفيذ العملية، لكن التطورات الأمنية والمتابعة والرصد من قبل الأجهزة الأمنية أدت إلى اكتشاف اتصالات بين موقوفين وانتحاريين لهم علاقة بتفجيرات متعددة في لبنان، من بينها تفجير جبل محسن، فكان الضروري أمنياً والواجب وطنياً تنفيذ العملية وعدم تأخيرها حفاظاً على أرواح اللبنانيين وعلى السلم الأهلي"، على حد قوله.

لكن كثيرين يتناسون في لبنان أن حزب الله كان أكثر طرف منع التفاوض بين الدولة اللبنانية و"داعش" قبل ثلاث سنوات. ولا يزال موثقاً تصريح رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" (كتلة حزب الله البرلمانية)، محمد رعد، الذي قال عام 2014 إن "الخضوع لمنطق المقايضة والمبادلة يُسقط كل ما لدينا من هيبة للدولة والمؤسسة العسكرية ويُلغي القضاء اللبناني، وهو أمر لا يمكن أن يتقبله عاقل". كان هذا موقف "حزب الله" عندما تم طرح إجراء مفاوضات مع تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" لإطلاق سراح العسكريين اللبنانيين الذين تم خطفهم عام 2014 من بلدة عرسال الحدودية. ولكن ثلاثة أعوام فقط كانت كافية للحزب كي يُحلل لنفسه ما حرّمه على السلطات اللبنانية. ثم جاء الاتفاق الذي يعتبره حتى البعض من بيئة حزب الله مهيناً بين الحزب اللبناني و"داعش" لنقل مقاتلي التنظيم من الحدود مع لبنان إلى الحدود مع العراق، في صفقة يقال إن السبب الأساسي فيها هو الإفراج عن أحد العناصر "المهمين" لحزب الله كان بقبضة التنظيم ورفات جنود إيرانيين أيضاً.

وفي إطار التعامل الضعيف مع الملف، وضع رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري، تجربته الشخصية مع اغتيال والده، رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، على الطاولة خلال استقبال أهالي العسكريين بُعيد إعلامهم بتطابق نتائج الحمض النووي مع الرفات التي عثر عليها "حزب الله" في المنطقة الجردية بين لبنان وسورية.



وأكد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، خلاله لقائه "أهالي وذوي العسكريين الشهداء" في السراي الحكومي، "إصرار الدولة على القيام بالتحقيقات اللازمة لمعرفة الجناة الذين ارتكبوا هذه الجريمة البشعة والنكراء بكل المقاييس وإحالتهم على القضاء لينالوا عقابهم". واعتمد الحريري خطاباً عاطفياً مع الأهالي، قال فيه إنه "يشعر بمعاناة الأهالي ويتحسس مدى الظلم الذي لحق بهم، لأنني مثلكم مصاب بجريمة اغتيال والدي الرئيس الشهيد رفيق الحريري وأريد أن أعرف الحقيقة في جريمة الاغتيال ومثابر منذ 12 عاماً للوصول إليها ولكن بطريقة أحافظ فيها على البلد".

ومع استخدام مُختلف المسؤولين لعنوان "الحفاظ على السلم الأهلي" كمُبرر لغياب المحاسبة وسلب المواطنين الحق في كشف مصير المفقودين منذ الحرب الأهلية وحتى اليوم، أعرب الحريري عن "حرص الحكومة على أن يعرف الأهالي الحقيقة حول كل ما حصل وهذا حق. وهناك تحقيق قضائي بدأ وسيستكمل بكشف الحقيقة وملاحقة الجناة والمتورطين ومحاكمتهم وسيدفعون ثمن ارتكاباتهم".

وتشير مصادر محلية في بلدة عرسال لـ"العربي الجديد"، إلى حالة تخوّف في البلدة من "تحويل السياسيين لملف التحقيق في قضية العسكريين إلى مدخل للانتقام من عدد من أبناء عرسال بسبب خلفيات مذهبية وطائفية، وتحويل البلدة إلى شماعة لتعليق الفشل الرسمي في الملف عليها وعدم محاسبة المسؤولين الرسميين الفعليين عن مصير العسكريين".

ومع استكمال الأهالي لتحضيرات استقبال الجثامين في بلداتهم، ومشاركتهم في وضع اللمسات على مسيرة التشييع التي ستنطلق من مقرّ وزارة الدفاع في اليرزة، شرقي بيروت، جدد والد العسكري المقتول محمد يوسف، حسين، التأكيد على رفض الأهالي "أي تلاعب بقضيتنا". وطالب حسين يوسف بـ"محاسبة كل من تواطأ بملف العسكريين وكان له علاقة بمقتلهم، والمطلب الأول لنا هو محاسبة (الموقوفين في سجن رومية) عمر وبلال ميقاتي اللذين لهما علاقة مباشرة باستشهاد العسكريين. وهذا المطلب طرحناه مع وزير العدل أولاً".

وأكد يوسف أن "الوزير المشنوق قال عام 2015 إنه يعمل على تنظيف السجون، ونحن لم نكن ضد ذلك، ولكن توقيت ذلك في تلك المرحلة كان قاسياً بالنسبة لنا وقد أثّر في مكان ما على الملف. لا أريد أن أقول إنه شارك في قتلهم ولكن في تلك المرحلة استشهد العسكريون وقال يومها معالي الوزير: لقد قتلوهم ونعتبرهم شهداء ونلصق صورهم على الجدران. وهذا المشهد رأيناه اليوم في وزارة الدفاع. مطلبنا اليوم حرصاً ومحبة واحتراماً لموقعه كوزير للداخلية أن أمهات الشهداء لا يستطعن رؤيته هناك، لأنه من الممكن أن يحصل أي تصرف يسيء له وللشهداء، ولذلك تمنينا عدم حضوره". ووصف يوسف، الذي تحدث باسم الأهالي، الصفقة التي أجراها "حزب الله" مع تنظيم "داعش" بـ"المؤلمة والموجعة، ونحن لنا عتب كبير على الحزب، كما عتبنا على اللواء إبراهيم، لأنه كان يجب التعاطي مع المجرم كمجرم".


المساهمون