المعارضة السورية تقاوم الضغوط: الصمود في حلب خيار وحيد

المعارضة السورية تقاوم الضغوط: الصمود في حلب خيار وحيد

05 ديسمبر 2016
+ الخط -


تخوض المعارضة السورية حرب حياة أو موت شرقي حلب، بعدما حسمت خيارها برفض التخلي عن المدينة، على الرغم من الضغوط الكبيرة الممارسة عليها من أطراف عدة. وتتولى روسيا قيادة الضغوط السياسية على المعارضة بعدما كانت قد بدأتها في الفترة الماضية وصعدتها خلال اجتماعات أنقرة قبل أن تنضم إليها الولايات المتحدة الأميركية في الأيام الأخيرة، بهدف دفع المعارضة للخروج بشكل كامل من حلب، وخصوصاً مع تبنّي واشنطن مطالب موسكو بخروج كل فصائل المعارضة من حلب وليس فقط مقاتلي "فتح الشام" (النصرة سابقاً). أما الضغوط الميدانية فيتولاها النظام السوري والمليشيات الحليفة له، مدعوماً بغطاء جوي روسي، ضمن مخطط يهدف لقضم أكبر قدر ممكن من الأراضي في حلب لقطع الطريق أمام أي اتفاق قد تبرمه روسيا مع فصائل المعارضة، أو لخلق واقع عسكري جديد، يجعل من الصعوبة بمكان، تطبيق هذا الاتفاق الذي توقعت مصادر في المعارضة السورية، ألا يرى النور بسبب تراجع الروس عن تفاهمات سابقة.
ويضاف إلى ذلك المجازر المتنقلة، والتي كانت إدلب، أمس الأحد، مسرحها الأبرز في فصل دموي جديد من حرب الإبادة ضد المدنيين السوريين، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، خصوصاً في إدلب، مع استهداف طيران النظام وروسيا بالقصف مناطق معرة النعمان والتمانعة وكفرنبل.

تعثر اجتماعات أنقرة

وجاءت المجازر الميدانية لتعكس تعثر تشهده المفاوضات الجارية منذ أيام في العاصمة التركية أنقرة بين الروس وفصائل المعارضة المسلحة في حلب، في ظل تراجع روسي عن "تفاهمات أولية" تقضي بخروج مقاتلي جبهة "فتح الشام" (النصرة سابقاً) فقط من شرقي المدينة، وبقاء مقاتلي بقية الفصائل، مع منح الأحياء الشرقية إدارة ذاتية، وإيقاف القتال مع قوات النظام، مع تسهيل دخول المساعدات الإنسانية، وفتح ممرات "آمنة" للمدنيين الراغبين بالخروج. وتوقعت مصادر من فصائل مشاركة في المباحثات، أن تصل هذه المحادثات إلى "طريق مسدود" في ظل تعنّت إيراني، وتراجع روسي.
وأكد النقيب أمين ملحيس، المتحدث باسم "جيش المجاهدين"، أبرز فصائل المعارضة المسلحة في حلب، أن فكرة الانسحاب من حلب "مرفوضة"، مشيراً في تصريحات لـ"العربي الجديد" إلى أن المعارضة "قادرة على الصمود، وصد هجمات المليشيات الطائفية".
كما أفاد مصدر رفيع المستوى في المعارضة السورية، تحدث لـ"العربي الجديد"، بأن فصائل سورية مشاركة في اجتماعات أنقرة، تلقت رسالة من مسؤول أميركي أظهرت تبنّي الولايات المتحدة للموقف الروسي الذي يدفع باتجاه خروج كافة مقاتلي المعارضة من حلب وليس "فتح الشام" وحدها. وتتضمن الرسالة توجيهات من وزير الخارجية الأميركية جون كيري بعد اجتماعه مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في روما، وهي "تطلب خروج كافة الثوار من حلب". ووفقاً للمصدر نفسه فإن الفصائل ترفض "العرض الروسي الأميركي"، معتبراً أن مفاوضات أنقرة انتهت.
وأضاف المصدر أنه بعد التشاور مع قيادات ميدانية ومجالس محلية وفعاليات ثورة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حلب، تقرر رفض إخلاء حلب وعدم الانسحاب إلى أي منطقة، معلناً "أننا قررنا أن نموت بعزة وكرامة في حلب".
وأكد المصدر أن فصائل حلب لم تتلق دعماً منذ قرابة عامين، وقبلها كان الدعم ضعيفاً، مضيفاً: "إذا اردتم دعمنا بشكل جدي، فبإمكانكم دعمنا بمضادات الطيران والسلاح النوعي والمال الكافي وليس مبالغ لا تكفي لسد الرمق"، مؤكداً "أننا قادرون على إسقاط الأسد بقواتنا إذا قُدّم الدعم الكافي والحقيقي لنا".
وتجهد تركيا لإبرام اتفاق يُبقي المعارضة السورية شرقي حلب، للحيلولة من دون قيام إيران بـ"قضم" ثاني أهم المدن السورية والتي تقع ضمن "الحدود العاطفية" التركية. فيما تعمل إيران على ترسيخ أقدامها في الشمال السوري، غير بعيد من الحدود التركية، في إطار استراتيجية كبرى تسعى إلى تطبيقها، لتتحول سورية والعراق إلى فضاء نفوذ واسع لها، في ظل مشهد دولي يُنذر بتغييرات عميقة مع قدوم إدارة أميركية جديدة.


ويأتي ذلك في ظل استمرار تهديدات النظام، إذ نقلت وكالة "أسوشييتد برس" عن العميد سمير سليمان، الذي قالت إنه "المتحدث باسم الجيش السوري"، قوله إن الذين سيختارون البقاء في حلب سيواجهون "الموت لا محالة". وأضاف: "سنواصل القتال حتى نتمكن من استعادة الاستقرار والأمن في كل أحياء" حلب. وقال إن قوات النظام استعادت أكثر من 50 في المائة من الأحياء شرقي حلب، معتبراً أن "جهود استعادة السيطرة على الأحياء التاريخية لحلب الشهيرة باسم حلب القديمة ستكون الأكثر صعوبة"، مضيفاً أن "الجيش سيستخدم المشاة والقوات الخاصة. ويحاول النظام قضم المزيد من المناطق لمحاصرة فصائل المعارضة في بقعة جغرافية ضيقة، ضمن الجزء الجنوبي من شرقي حلب، ليسهل الانقضاض عليها.
ومقابل ذلك، برز كلام لافت لوزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، اعتبر فيه أن تقدّم قوات النظام في مناطق شرق حلب لا يمثل "انتصاراً للأسد" أو حليفه الروسي فلاديمير بوتين. وقال جونسون لهيئة "بي بي سي": "أعتقد أنه من الخطأ التفكير أن ما يحدث في حلب أو غيرها من المناطق التي يسيطر عليها المسلحون في سورية يمكن أن يشكل انتصاراً للأسد أو لبوتين". وأضاف: "من المستحيل تصور أن ملايين الشعب السوري ستتصالح مع نظام يقوده الأسد. هناك ملايين السوريين الذين لن يقبلوا هذه النتيجة وسيواصلون القتال، ولذلك فإن أفضل نتيجة للرئيس بوتين والذين يدعمهم هو الجلوس إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى اتفاق يبعد سورية عن نظام الأسد".

تحرك أممي مرتقب
هذه التطورات تسبق جلسة مرتقبة لمجلس الأمن الدولي من المفترض أن تُعقد اليوم الإثنين، للتصويت على مشروع قرار مصري نيوزيلندي إسباني مشترك، يدعو لوقف إطلاق النار في حلب مدة أسبوع قابلة للتمديد، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية العاجلة. وقد تحاول روسيا وإيران خلق ظروف ميدانية، تحول دون تطبيق القرار في حال إقراره من مجلس الأمن، ما يجعله بلا قيمة حقيقية، كغيره من القرارات التي سبق للمجتمع الدولي أن أقرها، وآخرها القرار 2254 الذي صدر أواخر العام الماضي، ودعا صراحة إلى فك الحصار عن المناطق المحاصرة، وتسهيل دخول مساعدات إنسانية، وإطلاق سراح المعتقلين. ولكن لم يتم تطبيق هذه البنود، بل زادت مآسي السوريين بعيد صدوره.
في الإثناء، تحاول دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا اللجوء إلى مؤسسات دولية ذات صلة، في ظل تردد أميركي وتراخٍ أتاح للروس والإيرانيين حرية التحرك ما أدى إلى تراجع المعارضة في شمال سورية وجنوبها. وفي هذا الصدد، دعت السعودية وقطر والإمارات وتركيا، إلى عقد جلسة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة، لبحث الأوضاع في سورية. وقالت هذه الدول في بيان أمس الأحد، إنه يتعين عقد مثل هذه الجلسة لرفع توصيات، بعدما أصبح مجلس الأمن عاجزاً بسبب افتقاده للإجماع.
في السياق نفسه، أكدت المعارضة السورية أنها ستتابع السعي "لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار قرار لحماية الشعب السوري وفق قرارات الشرعية الدولية وذلك استناداً إلى مبدأ الاتحاد من أجل السلام". وطالبت الهيئة العليا للمفاوضات، وهي الجهة السياسية الأبرز للمعارضة السورية، في ختام اجتماعات دورية لها في مقرها في العاصمة السعودية الرياض، مجلس الأمن وكل الدول الصديقة، والمجتمع الدولي عامة، بالاضطلاع بمسؤولياتهم والعمل الفوري لإيقاف القصف والمجازر التي تتعرض لها مناطق في سورية عدة، وحلب بشكل خاص، والسعي الحثيث لإدخال المساعدات الإنسانية غير المشروطة، وفق بيان وزعته أمس على الصحافيين، وتلقت "العربي الجديد" نسخة منه.
وأشارت الهيئة إلى أن حلب "أصبحت مدينة منكوبة مهددة بكارثة كبرى بعد أن دمر القصف كل المشافي والمستوصفات والبنى التحتية والخدمية ونفدت منها الأغذية والأدوية وصار عشرات الآلاف من المدنيين المحاصرين مهددين بإبادة جماعية منظمة". وجددت الهيئة التزامها بـ"العملية السياسية التفاوضية المؤدية إلى الانتقال السياسي، وفق بيان جنيف 2012 وقرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015"، ورفضها "الالتفاف على مطالب الشعب، وكل محاولات إضعاف المعارضة الوطنية والمشاريع التي تهدف إلى تقديم تنازلات عن مطالب الشعب في الانتقال السياسي الكامل كما حددته القرارات الدولية".
وأوضحت الهيئة أنها تتابع مساعيَ لـ"توحيد فصائل الثورة، والعمل من خلالها على تأسيس جيش وطني حر موحد يدافع عن الشعب ويحقق تطلعاته، ويساهم في محاربة الإرهاب بكل أشكاله"، مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة بـ"إجراء تحقيق أممي في قضايا الفساد التي شابت عملية توزيع المساعدات الإنسانية في سورية، مما كان له تأثير كارثي على حياة المحتاجين الذين واجه كثير منهم الموت جوعاً"، مؤكدة "أن الغزو الإيراني لسورية يشكل خطراً كبيراً على المنطقة كلها، إذ تتابع إيران مشروعها الأيديولوجي التوسعي والعدائي ضد الأمة العربية جمعاء، وينذر بانتشار الإرهاب في العالم كله"، وفق البيان.

ذات صلة

الصورة

سياسة

شن جيش الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية عنيفة استهدفت كتيبة عسكرية ومستودعات أسلحة في محيط مطار حلب الدولي، ما أسفر عن سقوط 42 قتيلاً.
الصورة
تظاهرة ضد هيئة تحرير الشام-العربي الجديد

سياسة

تظاهر آلاف السوريين، اليوم الجمعة، مناهضة لسياسة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، ومطالبة بإسقاط قائدها أبو محمد الجولاني.
الصورة
تظاهرات في ذكرى الثورة السورية (العربي الجديد)

سياسة

خرجت تظاهرات في مدن وبلدات شمال غربي سورية اليوم الجمعة، إحياءً للذكرى الـ13 لانطلاقة الثورة السورية.
الصورة

منوعات

دفعت الحالة المعيشية المتردية وسوء الأوضاع في سورية أصحاب التحف والمقتنيات النادرة إلى بيعها، رغم ما تحمله من معانٍ اجتماعية ومعنوية وعائلية بالنسبة إليهم.

المساهمون