حرب استنزاف على الحدود الجزائرية

حرب استنزاف على الحدود الجزائرية

18 فبراير 2017
جندي جزائري في أحد الجبال الجزائرية (فرانس برس)
+ الخط -

قبل نحو أسبوع كشف الجيش الجزائري عن وجود خمسة مخابئ أسلحة على الحدود، تضمّ 107 قطع سلاح، بينها قاذفات صواريخ وقنابل، كانت مدسوسة في رمال الصحراء، على تخوم المناطق الحدودية الجزائرية مع كل من ليبيا والنيجر ومالي. تنشط هناك مجموعات مسلحة، مستفيدة من تدفق السلاح الليبي المنتشر، وتحول المناطق الحدودية الليبية وشمال مالي إلى سوق مفتوحة للأسلحة، ما يزيد من الأعباء الأمنية والعسكرية على الجيش الجزائري.

في هذا السياق، كشف تقرير عسكري جزائري أن "قوات الجيش حجزت ما مجموعه 1200 قطعة سلاح وكميات كبيرة من الذخيرة عام 2016، 90 في المائة منها في الصحراء، تحديداً في المناطق القريبة من الحدود مع ليبيا والنيجر ومالي. وجزء منها مصنّف ضمن الأسلحة الثقيلة، كصواريخ ستينغر، التي عُثر عليها في منطقة وادي سوف، في شهر يوليو/ تموز الماضي، وصواريخ غراد وغيرها". وذكر التقرير أن "عدد قطع الأسلحة مؤشر على حالة حرب غير معلنة يخوضها الجيش الجزائري على الحدود". مع العلم أنه في الوقت الحالي لا يمر أسبوع من دون أن تعلن الوحدات الميدانية للجيش الجزائري عن قتل مسلحين أو الكشف عن مخبأ لأسلحة في المناطق الحدودية القريبة، تحديداً في ولاية إليزي القريبة من الحدود مع ليبيا، وأدرار القريبة من الحدود مع النيجر، وتمنراست القريبة من الحدود مع مالي. ويوم الأربعاء، كشف الجيش مخبأ للأسلحة والذخيرة الحية في منطقة تاوندرت، بولاية تمنراست. ووُجدت في المخبأ 13 قطعة سلاح، بينها رشاشات ثقيلة ومسدسات رشاشة وبنادق "سيمونوف" وقنابل، وكمية كبيرة من الذخيرة.

وفي 12 فبراير/ شباط الحالي، كشف الجيش مخبأ أسلحة قرب الشريط الحدودي بعين قزام، على الحدود مع النيجر، يضمّ 20 قطعة سلاح، بينها قاذفات صاروخية وكمية كبيرة من الذخيرة. وسبق هذه العملية كشف مخبأ في منطقة أدرار الحدودية، جنوبي الجزائر، يضمّ صاروخين من نوع غراد و23 قطعة سلاح وقاذفات صواريخ، بالإضافة إلى 15 قذيفة هاون و18 قذيفة "آر بي جي 7" وكمية ضخمة من الذخيرة. وسبق هذه العمليات كشف مخابئ أخرى، ومنها في الثامن من يناير/ كانون الثاني الماضي، حين كشف الجيش مخبأ أسلحة قرب منطقة تين زواتين، على الشريط الحدودي مع مالي، ضمّ 22 قطعة سلاح وذخيرة. وفي 28 يناير الماضي، قرب الشريط الحدودي في برج باجي مختار، تمّ الكشف عن مخبأ ضمّ 52 صندوق ذخيرة حربية. وفي 21 يناير، كُشف مخبأ للأسلحة في منطقة تمنراست قرب الحدود مع مالي، يضمّ 27 قطعة سلاح وقاذفات صواريخ.

تلك العمليات مؤشر على اتساع كبير لمحاولات المجموعات المسلحة وتجار السلاح العاملين مع المجموعات الإرهابية، الممتدة حتى دول غرب أفريقيا، نقل السلاح من ليبيا عبر الصحراء الجزائرية لصالح التنظيمات الناشطة في الجزائر ومالي والنيجر وليبيا. وأدرجت قيادة الجيش هذه العمليات ضمن عمليات يقظة ونجاح استخباراتي في استغلال المعلومات، مع انتباه عسكري لافت في منطقة بالغة الحساسية، ليس فقط بسبب اتساع المدى الجغرافي الذي يمتد في مجموع الحدود الجزائرية مع مالي وليبيا والنيجر إلى أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر، موزعة على 982 كيلومتراً مع ليبيا، و956 كيلومتراً مع النيجر، وأكثر من 1300 كيلومتر مع مالي، بل أيضاً بسبب التوترات المستمرة في هذه الدول والنشاط المتزايد للمجموعات المسلحة ذات الارتباطات المعقدة مع شبكات تهريب المخدرات والأسلحة والاتجار بالبشر. واستهدف الجهد العسكري بحسب المراقبين، العملية الاستباقية من المخاطر الأمنية المقبلة.



في هذا الإطار، أبدى الباحث في الشؤون الاستراتيجية والأمنية قوي بوحنية، اعتقاده بأن "التحولات الإقليمية التي شهدتها منطقة الساحل في السنوات الأخيرة، نتيجة الانفلات في ليبيا وتدفق السلاح الليبي وتواجد عدد كبير من التنظيمات المسلحة في منطقة الساحل، فرضت على القيادة العسكرية والأمنية الجزائرية التفكير في وضع خطط استباقية".

وأضاف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "امتلاك هذه التنظيمات كميات كبيرة من الأسلحة على خلفية النزاع في ليبيا، يدفع إلى العمل على تأمين المناطق الحدودية، في سياق نظرة أمنية استباقية. ذلك لأن الجزائر كانت هدفاً لهجمات إرهابية عنيفة في المناطق الصحراوية، وأبرزها الهجوم على منشأة الغاز في تيقنتورين في ولاية إليزي القريبة من الحدود مع ليبيا، حين اقتحم 32 مسلحاً ينتمون إلى تحالف يجمع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والتوحيد والجهاد في غرب أفريقيا والموقعون بالدم، منشأة الغاز واحتجزوا 70 عاملاً بينهم أجانب، قبل أن يتدخل الجيش لإنهاء الاقتحام، في عام 2013".

فتحت تلك الحادثة حرب استنزاف بالنسبة للجيش الجزائري، أما بالنسبة للبلاد، فإن اقتحام منشأة الغاز ومحاولة تفجيرها لو تمت كانت ستلحق الدمار على مساحة جغرافية تبلغ نحو 60 كيلومتراً. ولو تمّ الأمر، لكان بمثابة عملية 11 سبتمبر/ أيلول جزائرية. ومع إثبات التحقيقات أن جزءاً هاماً من الأسلحة التي كانت بحوزة المسلحين جاءت من ليبيا، والتفاف المسلحين من الحدود المالية إلى داخل الحدود الليبية قبل التسلل إلى داخل الحدود الجزائرية، اتخذت قيادة الجيش والأجهزة الأمنية خطة "ترقيع الحدود"، استهدفت سدّ كل الثغرات التي يمكن أن تستغلها الجماعات المسلحة. وتمّ منذ تلك الفترة نشر 35 ألف جندي إضافي على الحدود، وإقامة 28 مركزاً عسكرياً متقدماً على طول الحدود.

وفي إبريل/ نيسان 2016، تمّ نشر قوات مدرعة على الحدود مع ليبيا، تزامناً مع اقتراب قوات اللواء الليبي خليفة حفتر والمليشيات الليبية من الحدود مع الجزائر، كما تمّ تعزيز هذه القوات بقوة جوية، لتنفيذ طلعات جوية مستمرة تقدرها بعض المصادر بثماني طلعات جوية يومياً، لتأمين الحدود وكشفها. بالإضافة إلى نشر شبكات استخباراتية تعمل بالتنسيق مع السكان المحليين القاطنين في البلدات الحدودية والزعامات المحلية في المناطق الليبية والنيجرية والمالية الحدودية، لتأمين أية معلومات تكشف أي تحرك للمجموعات المسلحة.

وضعت هذه الجهود والأرقام الجيش الجزائري في حالة حرب استنزاف حقيقية، إذ تكلّف كل طلعة جوية لطائرة "سوخوي" أكثر من ألفي دولار، ككلفة للصيانة. كما تكلّف الأعباء اليومية لكل جندي في مناطق الحدود نحو 30 دولاراً يومياً، تتضمّن التموين والمتطلبات الحياتية للعسكريين في تلك المناطق والنقل والاحتياجات اللوجيستية الأخرى، ومنحة المنطقة التي تمنح للعسكريين العاملين في مناطق الخطر والحدود. ويزيد هذا من الأعباء المادية على الجيش والحكومة الجزائرية التي تواجه في الوقت نفسه أزمة مالية بسبب تراجع مداخيل البلاد نتيجة انهيار أسعار النفط، لكن الجزائر لا تبدو مستعدة لخفض موازنة الجيش أو تكاليف الجهد الأمني والعسكري في المناطق الحدودية لحساسية المنطقة بالنسبة للأمن القومي الجزائري.