ملاحقة أمنية لجماهير الأهلي المصري بسبب أزمة آل الشيخ

ملاحقة أمنية لجماهير الأهلي المصري بسبب أزمة آل الشيخ

06 أكتوبر 2018
السيسي رفض الإساءة إلى آل الشيخ (ريان بيرس/Getty)
+ الخط -

تحاول دائرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حل الأزمة الرياضية مع السعودية على حساب جماهير نادي الأهلي، الذي يتعرضون منذ مباراة فريقهم الشهر الماضي، والتي رددوا فيها هتافات مناوئة لتركي آل الشيخ، مستشار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، رئيس هيئة الرياضة السعودية، إلى ملاحقات أمنية، في خطوة رأت فيها مصادر حكومية مصرية، تحدثت مع "العربي الجديد"، "محاولة من النظام المصري لفصل مسار الهجوم الشخصي على آل الشيخ عن مسار المشاكل المالية والإدارية والإعلامية التي أثارها المسؤول السعودي منذ بدأ تجربة الاستثمار الرياضي في مصر". 

وبحسب المعطيات القضائية التي توفرت لـ"العربي الجديد"، فإن السلطات المصرية فتحت رسمياً قضية في نيابة أمن الدولة العليا ضد عدد من أفراد جماهير النادي الأهلي، الذين رددوا هتافات مناوئة لتركي آل الشيخ. وأفادت مصادر قانونية مطلعة على القضية بأن "التحقيق طاول أكثر من 10 مشجعين تم التوصل إلى بياناتهم عن طريق شبكة حجز التذاكر الخاصة بالنادي الأهلي، وتم القبض على 4 منهم وحبسهم على ذمة التحقيقات". 
ووجهت النيابة للمشجعين المقبوض عليهم تهماً مختلفة، منها: انتهاك الآداب العامة خلال حضورهم المباراة، وتداول بيانات تحريضية على الدولة، والتحريض على العنف وانتهاك النظام والآداب عبر صفحات مغلقة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأشارت المصادر القانونية التي تحدثت مع "العربي الجديد"، إلى أن التحريات الأمنية تشمل أكثر من 40 مشجعاً حتى الآن، معظمهم من قيادات رابطة ألتراس أهلاوي المنحلة منذ أشهر، ومعظمهم هاربون خارج منازلهم حالياً خشية القبض عليهم.

وبحسب المصادر، فإن الاعتقالات شملت عدداً غير معروف من المشجعين بمحافظات عدة، لكن معظمهم عادوا إلى منازلهم بعد عدة أيام. وأوضحت المصادر أن الحملة اعتمدت على اتفاق تعاون أمني بين النادي الأهلي ووزارة الداخلية يقضي بتسليم بيانات "المشجعين المشاغبين" مقابل زيادة عدد المشجعين المسموح حضورهم مباريات النادي المحلية والأفريقية.

وكانت الأجهزة الأمنية قد شنت بعد تلك المباراة التي تخللها توجيه هتافات مناوئة لآل الشيخ، حملة على مساكن كبار مشجعي النادي الأهلي وأعضاء رابطة "ألتراس أهلاوي" المنحلة منذ أشهر عدة، وتم احتجازهم لفترة في مقار متفرقة لجهاز أمن الدولة (الأمن الوطني)، في محاولة للضغط عليهم والكشف عن مزيد من زملائهم الذين رددوا تلك الهتافات، ومدى صلتهم ببعض أعضاء مجلس إدارة النادي الأهلي.

ولم تكن هذه الحملة الأولى التي يواجهها مشجعو الأهلي. إذ كانت النيابة قد أفرجت قبل فترة عن عدد من قيادات الرابطة في إطار مساع توفيقية بذلها النادي الأهلي لحماية مستقبل الشباب وإخراجهم من السجن مقابل حل الرابطة وإعلان عدم تنظيم مسيرات أو أنشطة أو ترديد هتافات تخلط السياسة بالرياضة.

لكن قادة الرابطة ما زالوا ينشطون ضمن مجموعات مغلقة بمواقع التواصل الاجتماعي باستخدام حسابات وهمية مؤقتة هرباً من الملاحقة. إلا أن ملابسات الحملة الأخيرة كشفت أن هذا الأمر لم يجد نفعاً، في ظل تمكن السلطات بالتعاون مع مقدمي الخدمة، من كشف أصحاب الحسابات الوهمية والمتعاملين على الصفحات المغلقة، بموجب قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية الجديد.

في غضون ذلك، ذكرت المصادر الحكومية المصرية التي تحدثت مع "العربي الجديد"، أن "مدير المخابرات المصرية عباس كامل أبلغ عدداً من المسؤولين السعوديين بأن رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي لا يرضى بمثل تلك الهتافات التي مست والدة آل الشيخ والشعب السعودي، لكنه في الوقت نفسه غير راضٍ عن الطريقة التي أشعل بها آل الشيخ الوسط الرياضي المصري وزادته احتقاناً".

وبحسب المصادر، اعتبر كامل أن "آل الشيخ ما زال يصر على أن المشجعين المقبوض عليهم يقف وراءهم أعضاء بمجلس إدارة الأهلي ويطالب بمحاسبتهم، لكنه لم يتلق وعداً بذلك". وخرج آل الشيخ بتصريحات مقتضبة أخيراً قال فيها إن "ملف استثماراته في مصر يخضع للتحكيم ومكاتب المحاماة الدولية، وأن قراره بالانسحاب من مصر نهائي إلا إذا ارتأى الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان غير ذلك".
كما كشفت مصادر عاملة بقناة "بيراميدز" المملوكة لآل الشيخ، عن أنه أبلغ مساعديه في القاهرة بأنه "أرسل ملفات التعاقد بين شركة (صلة) السعودية وشركة (بريزينتيشن) المصرية التابعة لأجهزة سيادية والنادي الأهلي المصري، إلى فرع الشرق الأوسط للشركة الأميركية للمحاماة سكوير باتون بوغز (Squire Patton Boggs) بهدف استطلاع رأيها في الخطوات التصعيدية التي يمكن اتخاذها ضد الشركة والنادي المصريين، بعدما هدد كل منهما بمقاضاة (صلة) بسبب انسحابها من رعاية النادي، وعدم سدادها مستحقات الشركة المصرية الخاصة بحقوق بث مباريات الدوري المصري".

وأضافت المصادر أن "هذه الخطوة تأتي في إطار التصعيد والضغط لتحسين وضعه في الأزمة الأخيرة، التي اكتسبت بعداً سياسياً بعد إجراء اتصالات مكثفة في اليومين الماضيين بين عباس كامل وعدد من المسؤولين السعوديين، للحدّ من تفاقم الأزمات التي تسبب بها آل الشيخ".

وأوضحت المصادر أن "آل الشيخ أبدى غضبه بسبب صدور تقرير من وزارة الرياضة المصرية بسلامة إجراءات تبرعه للنادي الأهلي خلال فترة رئاسته الشرفية له، لأنه كان يطمح لخروج تقرير يدين النادي ويلزمه برد الأموال". وأضافت أن "آل الشيخ ذكر لمساعديه أن استمرار تجربة نادي وقناة بيراميدز معلقة حالياً بيد شخصيات أكبر منه، لكنه طالبهم باستئناف تحضيرات القناة لأنها قد تعود للبث في أي وقت".



المفاوضات السرية بين القاهرة والرياض حول مصير مشروع آل الشيخ تصدرها كامل والسفير السعودي السابق بالقاهرة أحمد قطان، الذي يتولى حالياً منصب وزير الشؤون الأفريقية، وتركز على ضرورة "إيقاف آل الشيخ عن ممارسات غير مسؤولة من شأنها إفساد علاقة البلدين من جهة، ومن جهة أخرى تهم نظام السيسي داخلياً، تمنح الفرصة للجماهير للخروج عن الالتزام الأمني في الملاعب والشوارع"، وذلك بعد ساعات من تجمع المئات من جماهير النادي الأهلي بطريقة عفوية، غير منظمة، في مناطق متفرقة من البلاد بعد مشاهدة مباراة فريقها في بطولة دوري أبطال أفريقيا، وترداد هتافات جماعية ضد آل الشيخ والسعودية، ورئيس نادي الزمالك مرتضى منصور، وذلك ابتهاجاً من الجماهير بوقف إرسال قناة "بيراميدز" المملوكة لآل الشيخ.

وكانت مصادر حكومية قد كشفت قبل أيام لـ"العربي الجديد"، أن "تقارير أمنية واستخباراتية حذّرت من تحول المباريات بالتدريج لفرصة لتنظيم تجمعات وتظاهرات، تتدرج في مواضيعها من آل الشيخ والسعودية إلى مجالات أخرى".

وأصدرت المخابرات المصرية تعليماتها لوسائل الإعلام بعدم التركيز على المشكلة التي اندلعت بين آل الشيخ وشركة "صلة" السعودية، وشركة "بريزينتيشن" مالكة حقوق بث الدوري المصري، وطالبت الشركة المصرية التابعة بشكل مباشر لأجهزة سيادية "صلة" بسداد كامل قيمة تعاقدها معها لهذا العام، بعد أيام من إعلان تخليها عن رعاية النادي الأهلي وخروجها من السوق المصرية.

وأكدت المصادر أن "ما يحدث حالياً في الكواليس يتمثل في ضغوط متقابلة يمارسها كل طرف على الآخر لإجباره على اتباع سياسته، فالرئيس عبد الفتاح السيسي وعباس كامل متحمسان للمشروع الرياضي السعودي في مصر، لكنهما شعرا بالخطر نتيجة تصرفات آل الشيخ غير المسؤولة وتصرفه كشخصية فوق الدولة، متمتعاً بالحماية الاستثنائية التي وفرها السيسي له منذ بدأ نشاطه في مصر نهاية العام الماضي كرئيس فخري للنادي الأهلي".

في المقابل، رأى آل الشيخ أن "السيسي وعباس كامل لا يحميانه بشكل كاف، ويطالب بتحميل شخصيات بعينها ثأره الشخصي مع الجماهير، منهم أعضاء بمجلس إدارة النادي الأهلي واتحاد الكرة، ويستخدم في ذلك سياسة صديقه النائب مرتضى منصور القائمة على التهديد بالانسحاب للابتزاز ثم العودة للميدان".

وكانت قناة "بيراميدز" الرياضية المصرية قد قطعت إرسالها، مساء الأربعاء الماضي، بعد ساعات من صدور قرار المجلس الأعلى للإعلام بوقف برنامج يقدمه الإعلامي الرياضي مدحت شلبي على شاشتها لمدة 15 يوماً. وهو القرار الذي اعتبرته المصادر الحكومية موجهاً ومقصوداً من الدولة لوقف التراشق الإعلامي لفترة تتيح التفاوض.

وكان آل الشيخ الذي دأب على استفزاز المصريين عبر تدويناته خصوصاً في فترة كأس العالم الماضية، قد اتفق في إبريل/ نيسان الماضي مع الدائرة الخاصة بالسيسي وعلى رأسها عباس كامل، على تدشين شبكة بأموال سعودية ومحتوى ترفيهي سياسي رياضي مصري وبرامج يتم إنتاجها في مصر. وتم الاتفاق بالفعل على ضم عدد من كبار الإعلاميين المصريين، وتم تقسيم الشبكة لقناة رياضية جديدة تابعة للنادي الذي امتلكه آل الشيخ حديثاً، والاكتفاء بشبكة "أم بي سي" كبوتقة للمحتوى السياسي من هذه الخطة متعاقداً فيها مع الإعلامي عمرو أديب.


المساهمون